فرضت الفرنسية "غابرييل بونور شانيل" الملقبة ب"كوكو شانيل" على القرن العشرين كواحدة من أفضل مصممي الأزياء. وقد برعت في تجسيد مقاربة طريفة وعملية في فن تصميم الأزياء يقوم على التوليف بين البساطة والرفاه والأناقة والجرأة لاسيما في بخص ملابس النساء. ويبدو أن التاريخ سيعترف لها في المستقبل بأنها تعد من خيرة جواسيس النظام النازي. وصحيح أن اتهام هذه المبدعة بالتجسس لصالح النازيين قبيل الحرب العالمية وخلالها ليس أمرا جديدا. بل إنه قبض على " كوكو" وحقق معها بشأن هذه التهمة بعد نهاية هذه الحرب وأطلق سراحها لعدم وجود أدلة قاطعة وكافية توجب معاقبتها. ولكن الصحافي الأمريكي" فال فوجان " المقيم في فرنسا قد أعاد تشخيص هذه التهمة من خلال كتاب جديد يقوم على سبر أغوار أرشيف ثري من مصادر متعددة من أهمها المصادر الفرنسية والأمريكية والإنجليزية والألمانية. وقد عنون كتابه الجديد على الشكل التالي: "في الفراش مع العدو: حرب كوكو شانيل السرية". ومما يقوله الكاتب أن "كوكو شانيل" كانت جاسوسة للنظام النازي تحت رقم "إف 7124". أما رمزها المشفر لدى أجهزة المخابرات النازية فهو: "ويستمنستر" نسبة إلى دوق "ويستمنستر" آنذاك والذي كان أحد عشاقها الكثيرين. ومن النتائج التي توصل إليها الكاتب الصحافي الأمريكي من خلال قراءة هذا الأرشيف الثري أن "كوكو" لم تكن بارعة في نقل المعلومات السرية إلى النازيين فحسب، بل إنها تمكنت أيضا من توظيف شبكة واسعة لتسقط هذه المعلومات عبر ربط علاقات حميمة مع كثير من العسكريين والساسيين والمبدعين الفرنسيين وغير الفرنسيين لاسيما في فندق "الريتز" الباريسي حيث كانت تقيم خلال الفترة التي احتلت فيها ألمانيا النازية فرنسا بفضل ضابط مخابرات نازي يلقب ب"سباتز" كانت بينه وبينها علاقة عشق جارفة ربما تكون وراء قرار إصرار "كوكو شانيل" على العودة إلى الفندق ذاته والإقامة فيه خلال الشطر الأخير من حياتها. فبعد الحرب العالمية الثانية اضطرت هذه المرأة المتحررة التي كانت تلقب ب" ملكة باريس" إلى الهجرة إلى سويسرا وظلت هناك إلى عام أربعة وخمسين من القرن الماضي . وعادت إلى بلادها وهي في سن الواحدة والسبعين. وتوفيت في فندق " الريتز" عام 1971 وهي في سن السابعة والثمانين. ويرى كثيرون من المعجبين بهذه المبدعة الجاسوسة أن التاريخ قد ينصفها يوما ما ربما عبر أرشيف آخر لايزال مجهولا قد نكتشف فيه أنه طلب إلى "كوكو شانيل" من المخابرات الفرنسية وأجهزة المخابرات الأخرى التي كانت منخرطة في التصدي للنازية أن تتقرب إلى النازيين وتكون جاسوسة لهم. بمعنى آخر يحلم هؤلاء بأن يقول التاريخ يوما ما إن " كوكو" كانت مبدعة ومناضلة . ويبنون هذا الحلم من حول سؤال استنكاري هو التالي : إذا كانت مصممة الأزياء الشهيرة فعلا جاسوسة كبيرة للنظام النازي، فلماذا أطلق سراحها في أعقاب التحقيق معها بعد تحرير فرنسا من ربقة الاستعمار النازي أي خلال فترة كان المشتبه في ضلوعه في مثل هذه التهمة يكفي أحيانا كثيرة لإيصاله إلى المشنقة بدون تحقيق.