بما أننا في زمن المصطلحات المستجدة التي تطل علينا، فقد قررتُ أن أعيد استخدام مصطلح، أو أعيد تركيبه! هذا المصطلح هو " الفوضى المضادة" الفوضى هي حالة تكون فيها الأمور غير مرتبة ومشوشة وبعيدة عن الوضوح، حالة تختلط فيها الأمور وتضيع معالم الأشياء. قد نعرف الفوضى بأنها ناتجة عن الخروج عن النظام، وقد يكون تعريفنا هذا غير دقيق، وهنا سنتحدث عن الفوضى المضادة. لنفترض أنك دخلت على إدارة ما في مكان ما لإنهاء معاملة ما، وأوراقك جاهزة ومرتبة، تدخل وتأخذ رقما وتنظر دورك بأدب، النظام هنا واضح ومتبع والأمور تجري بسلاسة، قد يحاول أحدهم أن يقفز أمامك، أو أن يبتسم للموظف عله يقدمه على الآخرين، لكن مادام النظام مطبقاً فإن هذا وأمثاله لن ينجحوا. لنفترض أنك في إدارة أخرى في مكان ليس ببعيد عن الإدارة السابقة، ولنتخيل أنك واقف وسط طابور لا تعرف هل هو طابور ممتد أفقيا أو عموديا؟ طابور منتفخ دائري متفرع وليس منتظما في خط واضح، لا تعرف بدايته من نهايته، هذا يمر مسرعا من اليمين، وآخر يمر متسللا من اليسار، وثالث يزحف تحت الأقدام وخامس يدخل بهدوء من الباب الخلفي والرابع ضاع لا نعرف أين هو لكن أوراق معاملته أنهيت، والسادس سيراجعهم بكرة وبعده والعام القادم، والسابع ينتقل من فوق كتف لأخرى حتى يصل للموظف المسؤول، أما الثامن فهو من المحظوظين الذين يعرفون سنترال الإدارة لذلك فإن معاملته أنهيت بلمح البصر في حالة من الحالات النادرة التي نشاهد فيها الموظف المعجزة ينهي معاملة أسرع مما ينهي سندويتش الكبدة وكأس الشاي أو الكرواسون والكافيه موكا! هذه صورة من الصور الفوضوية، قد نلوم المراجعين هنا في عدم التزامهم بالنظام ونتهمهم بالفوضى. لكن ما نراه هو نتيجة للفوضى في عدم تطبيق النظام، والتسيب الذي يحدث في هذه الإدارة والانتقائية في تسيير الأمور والمعاملات، فالفوضى لاتأتي من طرف واحد بل يتشارك فيها الطرفان ولها أسبابها لامبرراتها..