جمعتني الصدفة قبل اعوام الى الكاتب التركي اورهان باموك بمدينة كولونيا، وذلك بمناسبة امسية ادبية قدمته فيها المستشرقة الراحلة آنا ماري شيمل، عند صدور الترجمة الألمانية لروايته «اسمي احمر»، والتي صدرت لها ترجمتان عربيتان قبل صدور الترجمة الألمانية، وفي سوريا تحديداً، مع العلم ان العديد من رواياته الأخرى قد صدرت ترجماتها هنا او هناك في البلدان العربية، ورغم معرفته بأمر هذه الترجمات المقرصنة، الا انه شكا لي بأن هؤلاء الناشرين لم يكلفوا انفسهم، الحصول على الحقوق، بل انه لم ير حتى نسخة واحدة من هذه الترجمات، وسألني ان كنت املك بعضها، ولم يتركني في نهاية الجلسة التي تلت الأمسية الأدبية، وبعد الاتفاق على نشر ترجمة عربية لروايته «ثلج»، حتى حضر معي الى بيتي لكي اهديه نسخاً من الطبعات العربية المذكورة! ولا يشذ عن هذا الأمر رد فعل السيدة فيرا كونديرا، حينما كتبت اليها قبل اعوام بخصوص ترجمة كتب ميلان كونديرا الى العربية، فقد فرحت السيدة، اخيراً جاء احد ليترجم كتب زوجها الى العربية، وقد تعجبت لذلك، فروايات ميلان كونديرا جميعها مترجمة الى العربية وبعضها قد صدر في اكثر من ترجمة، وهذا يخص ايضاً روايات كتاب امثال بول اوستر، امين معلوف، غارسيا غابرييل ماركيث، هاينريش بول، غونتر غراس، هابرماس، وحتى باتريك زوز كند!. لكن ما الذي يدع ناشراً عربياً الى القيام بذلك؟ هل هو التنافس مع الناشرين الآخرين من اجل تقديم الأعمال الابداعية العالمية الى القارئ العربي؟ هل هو الشره من اجل الربح!. فقد التزمت الكثير من البلدان العربية بمواثيق حقوق الملكية الفكرية على الورق، لكنها لم تلتزم في الأغلب بهذه القوانين، والمثال الأسطع هنا هو: مصر، حيث مازال الناشر مدبولي يصر على نشر وتوزيع كتاب فريد هاليداي: الإسلام والغرب، رغم ان حقوق ترجمته ونشره لدى الناشر اللبناني دار الساقي، وهذا الأمر يسري على دار الهلال، وهي دار مصرية مرموقة التي لا تني عن نشر الطبعات المقرصنة، كما ان هناك ناشراً مصرياً معروفاً باسم مدبولي الصغير نشر ترجمة غير مأذونة لرواية الكاتب الايطالي «اسم الوردة» تحت عنوان: «الجنس في الكنيسة»، ولم تتخلف حتى دار نشر رسمية ومرموقة وهي «الهيئة العامة لقصور الثقافة» عن نشر طبعة غير مرخصة من كتاب محمد شكري: «مجنون الورد». ومن اجل فهم كيفية تعامل الناشر العربي مع مفاهيم حقوق الطبع، الحقوق الجانبية، ينبغي إلقاء نظرة على وضعية الكتاب العربي ذاته، ذلك ان سوق الكتاب العربي بشكل عام سوق عاجزة، محدودة ومكتفة بعشرات من دوائر الرقابة الساهرة من اجل منع الكتاب. فلو افترضنا ان ناشراً متوسط الحجم نشر رواية لكاتب عربي بطبعة تقع في 2000 نسخة، فهو يحتاج الى ارسال اكثر من 50 نسخة لغرض الرقابة في هذا المعرض او ذاك، وهذه الرقابة تتغير احياناً، فهذه الرواية التي سمح بعرضها وبيعها في العام، يمكن ان تمنع في العام الذي يليه، وإذا عرفنا ان الحد المعقول للطبعة الواحدة هو الذي ذكرناه، فيمكننا تصور معاناة الناشر العربي الذي يجد نفسه موزعاً بين التزامه الأخلاقي كناشر وبين الأساس الذي يجب ان يستند عليه من اجل ان تستمر الدار في عملها، والعملية ستكون اصعب اذا اضطر هذا الناشر الى شراء حقوق ترجمة هذا العمل او ذاك، مهما كانت هذه القيمة المالية التي سيدفعها بسيطة، بالإضافة الى تكاليف الترجمة، مهما كانت هذه التكاليف منخفضة، فإن الأعمال الابداعية من وجهة نظره تشكل غالباً ترفاً لا طاقة له به. لقد تعرضت الكتب التي انشرها للسرقة من قبل دور نشر عربية معروفة، في سورية وفي مصر، وأخرى تلجأ الى التزوير العادي، وهذا حدث ايضاً في سورية، مصر، لبنان وفي ايران التي تملك اكبر رصيد من مزوري الكتب العربية والأجنبية ومن كل الأنواع! كما تمت سرقة بعض الكتب من قبل الصحافة اليومية والاسبوعية في الكويت وقطر ومصر.. ولم اجد لدى المطالبة بحقوقي اي صدى حقيقي في المؤسسات الرسمية النقابية والقانونية. لكن في الوقت الذي تنتهك فيه حقوق الملكية الفكرية من قبل الناشرين العرب، فإنها غير معترف بها اصلاً في بعض البلدان، والترجمات التي تنشرها مؤسسات رسمية كوزارة الثقافة السورية، او العراقية زمن صدام حسين، او حتى مؤسسة محترمة كالمجمع الثقافي في ابو ظبي، او المجلس الوطني للثقافة في الكويت في بعض الأحيان. لكن السنوات القليلة الأخيرة شهدت تحولاً بسيطاً لصالح الاهتمام بحقوق الملكية الفكرية، فقد اعتمدها المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، مثلما اعتمدها المجلس الوطني للثقافة في الكويت، وفي المغرب وتونس، خطوات بسيطة، لكنها ذات دلالة مهمة، خصوصاً وهي تأتي متزامنة مع اهتمام اتحاد الناشرين العرب بالتعاون مع ادارات معارض الكتب العربية بملاحقة الترجمات والطبعات المزورة والمسروقة!.