اعتقدت "مها" أن وصفها لمشاعرها بعد كل جرعة من "المخدرات الرقمية" لصديقتها أمر طبيعي، فاختلطت عليها موسيقى الاسترخاء ب"المخدرات الرقمية"، فهما الأسهل وصولاً عبر أي محرك بحث، والأكثر عدداً للزوار، حيث تمزج فيها الصوتيات بمؤثرات بصرية، إلاّ أنها في الغالب تكتفي بالموسيقى المزدوجة لايصال المستخدم إلى نشوة شبيه بالمخدرات المعروفة، وتفصله عن عالمة الواقعي. إلاّ أن هذا الفضول أدخل "مها" في دائرة الإدمان التي نقلتها من جرعة إلى أخرى دون سيطرة، مع فقد للتركيز في حال مر يومها دون الاستماع إلى جرعتها اليومية، أو ترقيها لأنواع أكثر صخباً وأطول وقتاً. ومع أن خطر المخدرات التقليدية يمكن السيطرة علية بشكل فعلي؛ إما بالمصادرة أو التجريم والعقوبة، أوالعلاج لضحايا الإدمان وتأهيلهم، إلاّ أن خطورة المخدرات الخفية "المخدرات الرقمية" أشد من غيرها، فهي الأقل تكلفة، ولا تحتاج سوى ضغطة زر في الحاسوب ليصل إلى أي نوع من هذه المخدرات دون أثر جسدي، حيث لا تُستهلك بالحقن أو شمها أو تدخينها، وإنما عبر تقنيات إلكترونية تحدث في الدماغ أثراً مشابهاً لأثر المخدرات، من خلال موسيقى إلكترونية ذات أصوات عالية، وإيحاءات وهمية تمر عبر سماعتين لتحدث نشوة واسترخاء، محدثة تأثيراً يحاكي النوع المطلوب حسب رغبة المتعاطي. التفسير التقني هذه الملفات الصوتية "تحتوي على نغمات أحادية أو ثنائية يستمع إليها المستهلك فتصل إلى الدماغ وتتلاعب بموجاته وتحاكيه، وتجعله في حالة من الخدر شبيهة بالمخدرات الحقيقيه"، وذلك فقاً لما جاء في موقع "آي دوزر- I Doser" الأميركي الأكثر شهرة في الترويج للمخدرات الإلكترونية. النقر في الأذنين وشرحت "بريجيت فورجو" -الخبيرة الأميركية في التأثيرات العصبية والنفسية- هذه الآليات، وقالت:"تعتمد المواد الرقمية على تقنية النقر في الأذنين؛ فتبث صوتين متشابهين في كل أذن لكن تردد كل منهما مختلف عن الآخر، الأمر الذي يؤدي الى حث الدماغ على توليد موجات بطيئة كموجات (ألفا) المرتبطة بحالة الاسترخاء، وسريعة كموجات (بيتا) المرتبطة بحالات اليقظة والتركيز"، موضحة أن المتلقي يشعر بحالة من اللاوعي مصحوبة بالهلوسات وفقدان التوازن الجسدي والنفسي والعقلي. وأضافت أن الاستخدام المفرط للأصوات المحفزة يمكن أن يؤدي على المدى الطويل إلى اضطرابات في النوم أو القلق تماماً؛ كاستخدام المنشطات التي تستعمل في بعض الحالات المرضية كعلاج نفسي. لحظة شرود! ووصف "راجي العمدة" -مستشار اللجنة الطبية في الأممالمتحدة، وطبيب الأعصاب-بلحظة شرود، وقال: "هذه الموسيقى تُحدث تأثيراً سيئاً في المتعاطي، على مستوى كهرباء المخ؛ كونها لا تُشعر المتلقي بالابتهاج فحسب، وإنما تسبب له ما يعرف بلحظة الشرود الذهني"، مشيراً إلى أن هذه اللحظة تعد من أخطر اللحظات التي يصل إليها الدماغ؛ إذ تحدث انفصالاً عن الواقع، ويقل فيها التركيز بشدة، كما أن التعرض لهذا التغيير في اختلاف موجة الكهرباء في الدماغ وتكراره لا يؤديان إلى لحظات الشرود فقط، بل إلى نوبات تشنج. ثقافة تشجيعية وتنظر اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات لمثل هذه الظاهرة ضمن ثقافة تشجيعية لتعاطي المخدرات، ونشر ثقافة التعاطي بشكل عام. وأوضح "د.فايز الشهري" -مساعد أمين عام اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات- أن المشكلة في المخدرات الرقمية أنها تقلل دوافع الرفض للمخدرات، مما يجعل المتعاطي أكثر قابلية من غيرة لتعاطي المخدرات الحقيقيه في حال عرضت علية، فهي تجعل المتعاطي - وغالبا ما يكون المراهق هو المستهدف - في حالة إيحاء بتعاطي نوع من أنواع المخدرات. وقال إن الدراسات والتقارير العالمية لم تستطع أن تدرج هذا النوع ضمن المخدرات، ولكنها بينت خطورتها من حيث ترويجها للمخدرات، وتُدخل الشخص المدمن لهذا النوع من الموسيقى في حالة نفسية ومزاجية أقرب إلى شخصية المتعاطي. وأضاف أن مجانية هذه الخدمات الالكترونية وعدم وقوعها تحت طائلة القانون ، تشكل خطراً على جماعات المراهقين؛ مما يسهل التواصل العالمي فيما بينهم لتبادل المخدرات وطرق ترويجها ومواقع الحصول عليها، مشيراً إلى أن بعض هذه المواقع تستغل قواعد بيانات التي تحصل عليها من الزوار لترويج المخدرات الحقيقية!. وأشار إلى أن الدراسات والتقارير أظهرت أن السيجارة الالكترونية عندما ظهرت لم تكن بذاتها مشكلة، إلاّ أنها خلقت نمطاً جديداً من التعاطي، ودفعت "المراهقين" للدخول إلى دوامة التعاطي من هذا الباب. قلق دائم وعبّر "د.الشهري" عن قلق اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات من انتشار المخدرات الرقمية، وقال:"نشعر بالقلق حينما تروج مثل هذه المخدرات للمستهلك العادي وهي غير ذات صلة بالمخدرات والإدمان بشكل عام، وتقلّل من الصورة المخيفة لمواد الإدمان ونتائجها على الصحة بأكملها". وأضاف:"لازال مروجو المخدرات الرقمية محصورة في دوائر ضيقة حتى في الغرب، وذلك ضمن توجهات كثيرة للموسيقى والنوم والمرح، ولم تصبح ظاهرة، ولكن التعامل معها بالتجاهل مرفوض؛ إذ حدثت حالات في الولاياتالمتحدة تشير إلى أن متعاطي المخدرات الرقمية يستخدمون المخدرات بعدها أو أثناء استخدام المخدرات الرقمية، وهذا توطين سلبي للموسيقى والتوظيف الأكثر سلبية لشبكة الانترنت". وأشار إلى أن "شركة اليوتيوب" حذفت معظم التسجيلات الشهيرة عن المخدرات الرقمية وبعض مواقع الاستضافة، وهو مؤشر على خطورتها، ولكن مازالت هناك مواقع تروج لهذه المخدرات ومن أشهرها "بوابة جهنم"، والتي قد يصل فيها سعر الشريط إلى 100 دولار.