الفساد بكل أشكاله وأنواعه هو مرض فتاك ينخر في المنجزات والأنظمة والقوانين التي تضعها الدول من أجل بناء وتطوير مجتمعاتها وحمايتها من الأخطاء.. ويبقى "الفساد الإداري" هو "الداء السرطاني" الذي عرقل التنمية في الكثير من دول العالم الثالث، وأفسد مشروعاتها التنموية، وعطّل مصالح المواطنين، وأصابها بالشلل؛ نتيجة الأساليب الملتوية التي تمارس من قبل بعض المسؤولين في الإدارات الحكومية والخاصة، وتحديداً ما له علاقة بتنفيذ مشروعات التنمية ومصالح الناس الاجتماعية والاقتصادية. نعاني من مبانٍ «فلينية هشة» تظهر عيوبها من الأشهر الأولى.. و«الصيانة» مستمرة على حساب الميزانية قضية الفساد الإداري والمالي ليست وليدة اللحظة، وإنما تكاد تكون ظاهرة في بعض الدول النامية، ونتج عنها سوء تنفيذ، وعدم اهتمام بالجودة في المواد, واختيار المقاولين، وهو ما أضاع أموالاً طائلة في "مشروعات فلينية هشة" لا تكاد تمضي عدة شهور على الانتهاء منها حتى تظهر عيوبها من كل جهة، وتبدأ الأعطال تكثر في كل جانب، ولم ينفذ هذا المشروع أو ذاك إلاّ بمبلغ متواضع من ميزانيته وبمواصفات لا علاقة لها من بعيد أو قريب بالمواصفات الأساسية التي أعتمد بموجبها المشروع واعتمدت بموجبها ميزانيته. مواصفات رديئة! لا شك أن الكثير من مشروعات البُني التحتية في بلادنا، ومشروعات التنمية المختلفة عانت في السنوات الماضية الكثير من الفساد المالي الذي جاء على حساب جودتها، وأدى للكثير من صور الخلل فيها، وهذا أضاع مليارات الريالات التي اعتمدتها الدولة لهذه المشروعات هباءً منثوراً، والأمثلة على ذلك كثيرة وهي لا تغيب عن الذاكرة، ولعل أقربها ذلك النفق في مدينة جدة الذي نُفذ بمئات الملايين وكشفت أمطار جدة الماضية وماقبل الماضية الكثير من الأخطاء فيها، وحولتها إلى مسبح كبير أغرق مئات السيارات بمن فيها من أنفس؛ لأن تنفيذ المشروع أغفل وجود منافذ لتصريف المياه في ذلك النفق.. وقس على ذلك مستشفى يُبنى بمئات الملايين، ونكتشف عند مرور شهور على تنفيذه أن أركانه بدأت في التشقق وأبوابه بدأت تتخلع .. أو مجمع مدارس نُفذ ولم يكد ينتهي إنجازه حتى تجد التصدعات في كل جزء منه، والمياه ترشح من جدرانه وكأنه مبنى من فلين أو من بسكويت!. "م.جمال برهان" أكد على أن أي مشروع تتم معاينته عند حدوث أي خلل أو تلاعب في مواصفات تنفيذه يجب أن يكون ذلك دافعاً للشك في وجود فساد مالي، وأن تتجه المساءلة بالدرجة الأولى للشركة التي كسبت مناقصة تنفيذ المشروع، والجهة المشرفة على التنفيذ، والمستشار الهندسي الذي تسلمه بعد التنفيذ، وهل الشركة التي نفذته هي الشركة نفسها التي رسا عليها من الجهة المعنية أم أن تنفيذه جاء من قبل "مقاول الباطن"؟، وأن تتحمل جميع هذه الجهات المسؤولية إذا أردنا أن نعالج آفة الفساد الإداري والمالي في بلادنا. هيئة مكافحة الفساد استبشر المواطنون خيراً بالقرار الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين بإنشاء هيئة خاصة لمكافحة الفساد الإداري والمالي، واجتثاثه من جذوره؛ لما له من أضرار على الوطن والمجتمع، ولما تسبب عنه من هدر للمال العام، وتشويه لمشروعات التنمية، وما تسبب عن الفساد الإداري من تعطيل لمصالح الناس، وتغليب للواسطة في كل المواقع، وانتشار للرشوة في مختلف المجالات. يقول "م.علي مراد رضا" إن الفساد المالي والإداري أضّر بمصالح الوطن والمواطن، والجميع يتطلع أن يكون لهيئة مكافحة الفساد دور كبير في القضاء على هذه الآفة التي أضاعت الكثير من الجهود والأعمال التي تقوم بها الدولة لتحقيق التنمية والتطوير وخدمة المواطن. الإدارات الهندسية بحاجة إلى «عيون مفتحة» تكشف «الرشاوي» وتلاعب بعض المقاولين..! وقال إن عمل هيئة مكافحة الفساد لكي ينجح ويظهر دوره يحتاج إلى ثلاثة عناصر مهمة، وهي (أولاً) تعاون المواطن في التبليغ عن أي شخص يحاول أن يستغل موقعه الوظيفي في الرشوة، وأن لا يكون المواطن سلبياً في التعامل مع هؤلاء المرتشين بحجة أنه "مواطن مزنوق" ويريد أن يخلص من موضوعه.. وأن لا يخشى التبليغ عن هؤلاء المرتشين خوفا أن يدخل في متاهة وتتعطل مصلحته؛ لأن ذلك غير صحيح، ويجب أن تتعامل الهيئة مع بلاغات المواطنين بكل جدية وتتأكد من صدقيتها وأنها ليست كيدية؛ حتى نوقف المتمصلحين من مواقعهم الوظيفية ممن لا يعملون من أجل مصلحة الوطن والمواطن وإنما لمصالحهم الذاتية.. والعنصر (الثاني) لنجاح الهيئة هو المحاسبة والعقاب لكل المتلاعبين بمصالح الوطن على كافة المستويات، وأن لا يحابوا في العقوبات كائناً من كان، وأن يكون العقاب للكبير قبل الصغير.. والعنصر (الثالث) هو الرقابة الإدارية من قبل "المباحث الإدارية" بتعقب كل من يحاول أن يستغل موقعه الوظيفي والإداري في تعطيل مصالح الناس من أجل الحصول على مكاسب شخصية، أومن يستغل نفوذه في الحصول على مميزات ليست مشروعة. م.جمال برهان عقاب المتلاعبين من جهة أخرى أكد الأستاذ "أحمد الغامدي" -رجل أعمال وتربوي سابق- أن من يتنازل عن أمانته مرة واحدة فلن يجد غضاضة في التنازل عنها مليون مرة فيما بعد، ومن يسمح لنفسه التغاضي عن مخالفة تضر بالتنمية وتطور البلد مقابل دراهم معدودة إنسان لا يستحق المواطنة؛ لأنه فاقد للغيرة على الوطن والمجتمع ومصلحته الخاصة عنده أهم من مصلحة وطنه ومجتمعه. ننتظر من «هيئة مكافحة الفساد» تفعيل «بلاغات المواطنين» وملاحقة المتورطين والتشهير بهم وأضاف: أن المهندس أو المكلف من أي جهة حكومية باستلام مشروع (ما) إذا وافق على استلامه دون أن يتأكد من مطابقته للمواصفات -لأنه أخذ مقابل ذلك السكوت من الشركة المنفذة- فهو خائن لأمانته ووطنه ومجتمعه ونفسه أيضاً، وسيكون من المتضررين من التلاعب الذي وقع في المشروع في المستقبل، وسيتضرر منه أبنائه؛ لأن الدولة ستجد نفسها مضطرة لإصلاح ذلك الخلل بالمزيد من المال وإعادة عمل المشروع من جديد، بينما يفترض أن توجه ميزانية تلك الإعادة لمشروع جديد يحتاجه الوطن والمجتمع، وهذا التلاعب وغياب الضمير من بعض المشرفين يجعل مشروعاتنا التنموية تدور في حلقة مفرغة فما ينفذ من مشروعات هذا العام نجده بعد وقت قصير بحاجة إلى إعادة، ولهذا يجب أن يكون هناك عقاب رادع وفاعل لكل من يتلاعب بمصلحة الوطن، ويتغاضى عن الأخطاء في أي موقع كان مقابل تحقيق مصالح خاصة له، مطالباً بعدم السماح لغير السعوديين من الوافدين في أعمال الرقابة والمتابعة لمشروعات التنمية واستلامها من الشركات المنفذة؛ لأن هؤلاء -إلاّ من رحم ربك- لا تهمهم مصلحة البلد، وفيما إذا نُفذت المشروعات حسب المواصفات أم لا إذا وجدوا من يدفع لهم من أجل عدم التدقيق والتأكد من سلامة التنفيذ، وهذا مع (حسن الظن) قد يكون ممكنناً وسهلاً مع المراقبين غير السعوديين لأسباب كثيرة، وهي أن صاحب المصلحة ومنفذ المشروع لن يجد حرجاً في عرض الرشوة على غير السعودي من المشرفين والمراقبين، بينما سيتردد كثيراً في ذلك خوفاً من فضح أمره إذا كان المراقب سعودياً، كما أن الأجنبي قد يكون هدفه الأساسي هو الكسب بأسرع وقت، ولهذا لن يتردد في قبول الرشوة مقابل تغاضيه عما يكون في تنفيذ المشروع من خلل حتى لو كان كبيراً؛ لأن مصلحة البلد لا تهمه من بعيد أو قريب فهو (جاي للكسب ومروح)!. م.علي رضا لا للمجاملة.. الفساد الإداري والمالي له العديد من الأشكال والأساليب والطرق التي تؤدي جميعها إلى الإخلال بمصالح الوطن والمواطن والنخر فيها، وضياع الكثير من إمكانيات البلد المالية والتنموية والحضارية والاقتصادية والاجتماعية، ويجعل المصلحة الخاصة تتقدم على المصلحة العامة، ومصلحة الوطن والمجتمع، وهو مايؤكده "م.يوسف صعيدي" على أن المراقب الذي يتغاضى عن إتلاف أي سلع منتهية الصلاحية وجدها في أحد المتاجر ومعاقبة صاحب ذلك التاجر مقابل بضع دريهمات لشراء سكوته هو خائن لأمانته ووطنه ومجتمعه. وقال:"يجب أن يكون اختيار المعنيين بالمراقبة والمتابعة ممن نتوقع فيهم الأمانة، وأن نرفع شعار لا للتغاضي ولا للمجاملة لأي تلاعب قد يضر بمصلحة الوطن والمجتمع"، موضحاً أن الكثير من شوارع جدة تعاني الإهمال والتشويه والتكسير و"الهبوطات"؛ رغم أن معظم هذه الشوارع أُعيدت سفلتتها عشرات المرات، وكلف ذلك مئات الملايين من ميزانية الوطن التي كان يمكن صرفها في مشروعات أخرى لو كان العمل سليماً وجيداً، ولكن الملاحظ أنه لا تكاد الأمانة تنتهي من تجديد الإسفلت في أحد الشوارع حتى تأتي شركات الخدمات لتحفره بالطول والعرض من جديد، وكأن هناك اتفاقاً غير معلن بين هذه الشركات وشركات السفلتة نحن نسفلت وأنتم تحفرون، مقترحاً لحل هذه الإشكالية والمرض المزمن في شوارع جدة أن تتم مراجعة عمليات الحفر في الشوارع من قبل هذه الشركات؛ فإذا وجد أن التصريح لهذه الشركة أو تلك بالحفر في شارع (ما) قد أعطي لها قبل إعادة سفلتة الشارع بشهر أو أكثر من ذلك، وتأخرت ولم تبدأ في تنفيذ الحفر إلاّ بعد إعادة السفلتة فيجب أن تكلف بإعادة السفلتة من جديد للشارع، وليس فقط مجرد الترقيع لمكان حفرياتها التي ستتحول فيما بعد إلى أخاديد وهبوطات في وسط الشوارع، كما يجب أن لا تكون هناك مجاملة لأي شركة حتى نحافظ على جمال شوارع مدننا ونحمي أموال الوطن من الهدر غير المنطقي، أما إذا كان الترخيص بالحفر في أي شارع قد أعطي لهذه الشركة أو تلك -بعد إعادة السفلتة للشارع من قبل الأمانة- فيجب أن تتحمل الأمانة إصلاح هذا الخطأ، حيث أصبحت معظم شوارع جدة اليوم في وضع لا يحتمل السكوت والتغاضي عن ما تعانيه من تشويه ناتج عن غياب التنسيق والرقابة الفاعلة لما تقوم به شركات الخدمات من تمزيق وتقطيع للشوارع.