لم تكن المرأة في المملكة غائبة عن المشاركة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية منذ تاريخ التأسيس على الرغم من الخطاب التهميشي الذي برز في العقدين الأخيرين لدور المرأة خاصة في الجانب الاقتصادي، وفي السنوات الخمس الأخيرة يظهر وبشكل واضح ازدياد عدد المبتعثات للدراسة وبشكل تاريخي لم يسبق له مثيل. ونستشهد بالابتعاث للولايات المتحدة كونها المحطة الأبرز في مسيرة الابتعاث في المملكة منذ الخمسينات الميلادية، حيث بلغ عدد الخريجات من الجامعات الأمريكية قرابة 1400 خريجة بين 1952-2005 وفي وقت لم يكن للفتاة أية فرصة حقيقية للدراسة بالخارج إلا في حالة مرافقة الزوج المبتعث. أما الآن فنسبة المبتعثات بلغت 25% من عدد مبتعثي الولاياتالمتحدة والذي يزيد عن 40 ألف مبتعث حسب أرقام وزارة التعليم العالي- الإحصاءات الرسمية الأمريكية تقدر المبتعثين ب15 ألفا- وسواء اعتمدنا على إحصاءات الوزارة أو غيرها فعدد المبتعثات حالياً يفوق أرقام الخريجات خلال خمسين عاما. هذا الزخم غير المسبوق في الابتعاث سيساعد المرأة على المساهمة بشكل أكبر في مسيرة التنمية بشتى أشكالها وربما يخلق في المستقبل القريب وضعا جديدا خاصة في إطار التمكين الاقتصادي للمرأة وإعطائها أداورا وآفاقا أوسع بكثير من الوضع القائم بشكل يتلاءم مع السياق المحلي، لا سيما أن الدراسات العلمية تركز على أن تنمية المرأة شرط أساسي للتنمية الإنسانية في أي بلد. ولكن حديثنا سيتركز فقط عن الغياب اللافت للنظر للمبتعثات للدراسة في الكليات النسائية بالولاياتالمتحدة. هذه الكليات والجامعات والتي تقدم تعليما يوازي ويضاهي في بعض الأحيان أقوى مؤسسات التعليم العالي المختلط في الولاياتالمتحدة تعتمد على سياسة قبول الطالبات فقط. ونشأت الفكرة في منتصف القرن التاسع عشر على يد ماري ليون كاستجابة لتقديم تعليم عال متميز للمرأة في وقت كانت كثير من الجامعات لا تقبل الطالبات، فقامت بإنشاء كلية ماونت هوليوك والتي تعد الآن مع مجموعة كليات الأخوات السبع منافسا للجامعات العريقة التقليدية بشمال شرق الولاياتالمتحدة. التنافس الكبير الذي تواجهه تلك الجامعات من المؤسسات التعليمية التقليدية (المختلطة) لم يؤثر على النسب العالية للمتقدمات للدراسة بل على العكس فنسبة كبيرة من الجامعات النسائية لا تقبل إلا الطالبات المتفوقات نظراً لارتفاع مؤهلات المتقدمات مما يخلق أجواء من التنافس الإيجابي بين الطالبات لإبراز مواهبهن وقدراتهن الكامنة. هذه الجامعات إذاً تتميز ببيئة تعليمية تنافسية تركز على بناء قيادات نسائية في شتى المجالات، مع الأخذ في الاعتبار صغر حجم أعداد الطالبات في الفصول الدراسية مما يسمح بتفاعل الطالبات داخل وخارج أسوار الجامعة والذي ينعكس بدوره على الخبرة التعليمية للطالبة. وفي هذه الجامعات تجد الطالبات فرصة أكبر لدراسة التخصصات والتي في الغالب يسيطر عليها الطلبة في الجامعات المختلطة كالهندسة والعلوم والرياضيات ولا يمكن إغفال أن معظم هذه الجامعات توفر سكنا داخليا لجميع الطالبات يتميز بالجودة العالية والخصوصية. لذا قد تجد كثير من المبتعثات أو الدفعات الجديدة منهن في هذه الجامعات مناخا ملائما يتوافق مع الكثير من العادات والتقاليد التي نشأت فيها الفتاة السعودية ويضمن التوازن وسط دينامية المجتمع الغربي والذي يقدم نموذجاً مختلفا للحياة مما يجعل كثيرا من أولياء الأمور يتردد في إرسال بناتهم للدراسة في الولاياتالمتحدة حتى في ظل وجود المحرم. وهناك نسبة جيدة من الطالبات المسلمات في تلك الجامعات واللاتي أتين من بيئات مشابهة للبيئة السعودية المحافظة ويقمن بأنشطة عديدة تهدف لبناء وتعزيز العلاقة بالجذور التي ينتمين إليها خاصة الدين والتقاليد. ومن خلال تجربة شخصية لعام دراسي كامل مع عدد من الجامعات النسائية بشمال شرق الولاياتالمتحدة وجدت غياب شبة كامل للمبتعثات في تلك الجامعات! على الرغم من وضوح مزايا هذا النظام للعديد منهن. وقد نجد أنفسنا نبحث عن إجابة لسبب هذا الغياب، هل هناك نقص في المعلومة عن تلك الجامعات للراغبات في الدراسة بالولاياتالمتحدة وأسرهن؟ أم أن سياسة القبول بتلك المؤسسات التعليمية تعد عائقاً كبيراً في الحصول على مقعد للدراسة؟ أتمنى أن أجد إجابات تساعد على تواجد المبتعثات في تلك المؤسسات التعليمية المتميزة. كما أنه لا بد من التذكير بالحراك الكبير في مجتمعنا والذي يعبر عن تطور أوضاع المرأة في التعليم العالي ومن ضمنها المشاركة الكبيرة في برامج الابتعاث، فمن الضروري إذاً الاستفادة من النمط التعليمي المقدم في تلك الجامعات وتوسيع آفاق هذه البرامج بحيث نسمح بخيارات أكبر للمبتعثات ونمكن بعض الطالبات المتفوقات واللاتي يجدن - بسبب الظروف الاجتماعية- استحالة الانضمام للبعثة في مؤسسات مختلطة من الحصول على فرصة أكبر متى ما عرفوا تفاصيل أكثر عن تلك الجامعات. * أكاديمي