عبارة «تربية حريم» تحبط الأمهات والأبناء معاً.. المجتمع مع الأسف «لا يرحم»! هناك عدة أسباب تجعل الأم تجد نفسها وقد أصبحت مسؤولة عن دور التربية كاملةً في المنزل، كوفاة الأب أو الانفصال، لتتولى هي المسئولية بجدارة وتفانٍ، ولكي تحافظ على أبنائها وتصل بهم إلى «بر الأمان» وهم على مستوى كبير من المثالية في الأخلاق والتربية الصحيحة، وفي النهاية يسخر أفراد من المجتمع من أبنائها؛ لأنهم مهما تميزوا وأبدعوا فهم نتاج «تربية حريم»، مع أن هذا النموذج من الأمهات يحق علينا أن نفخر بوجودهن، بل وندحض كل المقولات والاعتقادات الرعناء والبعيدة كل البعد عن الصواب تجاههن. «الرياض» تناقش قدرة الأم على تحمل مسؤولية التربية، عندما يتطلب منها أن تمثل الدورين معاً (الأب والأم)، في مجتمع مازال يردد جملة «هذا تربية مَرَة»، و»ذاك تربية نسوان»، و»تلك تربية حريم»، فهل تربية الأم الأرملة أو المطلقة تبقى ناقصة مهما اجتهدت في ذلك؟، هذا السؤال الذي بحثنا عن إجابته من خلال سطور هذا التحقيق. نقد التصرفات في البداية قالت «حنان العسيري» -أم لخمس أيتام-: لا توجد زوجة ترغب في أن تحمل الهموم الثقيلة لمسئولية تربية الأبناء وهي بمفردها، ولكن تجد نفسها مجبرة على ذلك في حالة وفاة الزوج أو الانفصال، وهنا تتناسى حياتها ومتطلباتها، بل وتؤثر البقاء دون زواج آخر، لتربي أبنائها على قدر استطاعتها، مضيفةً أن المؤسف هو أن الكثير من أقارب هؤلاء الأيتام يحاولون الاقتراب من واقع معيشتهم ليس لمساندة تلك الأم، ولكن لوضع تفاصيل هذا الواقع تحت المجهر، ليبدأوا بنقد تصرفاتهم وتعليقها على مشجب واحد وهو «تربية الحريم»، وكأن كل من حاد عن التربية السليمة هو تربية حريم، ومن حظي بتربية الأب فهو لا محالة ممن يشار إليه بالبنان أدباً وخلقاً ورجولة، مشيرةً إلى أنه مازلنا في مجتمع اعتاد أن يقول لكل ناجح «ولد أبوه»، وكل فاشل «ولد أمه»!، ذاكرةً أنه من هنا كانت تتناثر أمامي الكثير من علامات التعجب التي تفرض علي السؤال الأهم وهو: هل أنا ك»أرملة» قادرة على خوض تلك التجربة بنجاح وأقصد هنا تربية أبنائي بمفردي؟. عبارة «تربية حريم» تحبط الأمهات والأبناء معاً.. المجتمع مع الأسف «لا يرحم»! أفكار غريبة وأضافت أن هناك جملة من المعتقدات والأفكار التي لا ترتكز على حقائق علمية، ومع هذا نجعلها مضرب مثل يطلق جزافاً بلا تفكير، لهذا لابد دحض تلك المقولة التي تبخس حق تلك المربية التي تعبت بمفردها بالتربية، في حين أن هناك من ليس لأبنائهم منهم سوى الاسم فقط، رغم وجوده على قيد الحياة، فأنا أسمع العديد من شكاوى الأمهات بعدم تحمل الزوج مسئولية تربية أبنائه لانشغاله بالسفر والاستراحات!. د.خالد الحليبي أفتخر بأمي وقال الشاب «سلطان»: أنا ممن يفخر أن يقال لي «تربية مَرَة»؛ لأن هذه المرأة نجحت في تربية أبناء يعجز عشرات الآباء عن بلوغ مثلها مع أبنائهم، مضيفاً: «عندما توفي والدي كان عمري ثلاث سنوات، فتولت أمى تربيتي أنا واخواتي البنات، دون أن يترك لنا والدي دخلاً مادياً نستطيع العيش منه، لذا كان يتوقع المحيطين بها أن تتزوج ليكون زوجها عائلاً لها ولأبنائها، ولكنها بالفعل رفضت عدداً من الخاطبين، واختارت العمل، فكانت رجلاً وامرأة وأباً وأماً، تعمل لتنفق علينا وتربينا تربية صارمة إذا احتاج الأمر الى الصرامة، وحنونة إذا جاء وقت الحنان، علمتنا جميعا وربتنا وزوجت أخواتي، بل وما زالت تساعدهن حتى وهن في كنف أزواجهن». نهج مخالف وذكر أنه يستغرب من أولئك الذين يعيرون أو ينتقصون من شخص تكفلت بتربيته والدته لوفاة أو غياب أبيه، بل أحياناً يطالبوه بالخروج على طاعة تلك التي وهبته عمرها ليثبت لهم بأنه ليس من تربية تلك الحريم، وهذا بلا شك قد يدفع ذاك المراهق أو الشاب على أن يتخذ نهجاً مخالفاً للسلوك القويم، فيحاول أن يمارس التسلط والعنف، متصوراً أنهما من علامات الرجولة. حنان ودلال وأوضح «محمد العقيلي» أن مقولة: «تربية الحريم» أو «تربية نسوان»، جاءت لأن عدداً كبيراً من هؤلاء الأبناء بالفعل يتأثر بكثرة الحنان والدلال، فالأم تشعر أنه فقد شيئاً نتيجة «اليتم»، فتجتهد بعاطفتها السخية أن تعوضه عنها، وتشعر أنه يحتاج لضمه تحت جناحها خوفاً عليه، وخشية أن تفقده، لتمنعه من كثرة مخالطة الرجال، وتعتني به أكثر وأكثر حتى يولد فيه نوع من التردد من الاحتكاك بالآخرين، وربما الدلال الزائد والخوف من تحمل المسؤولية، مضيفاً أنه من هنا قد يعيش بعضهم في فجوة بين ما يريده المجتمع الرجولي، وما تربى عليه في البيت. العالم أديسون كان كسولاً في المدرسة وشجعته أمه على المواصلة والتعلم سبب لا يُعمم وأضاف أنه قد يعاني الابن من قصور في فهم معادن الرجال والتعامل معهم كل بحسب طبيعته، ولكن هذا السبب لا يعمم، فهناك نساء بالفعل نجحن في تعليم أبنائهن «سلوم الرجال»، وذلك من خلال تغذيته بتربية المجتمع الرجولي؛ لأنها تشعر أن الحماية والتربية المناسبة للمجتمع هي المقدمة على تربية العاطفة أحادية الجانب، فنجد أنها كالرجل وأشد من بعض الرجال، تربي ابنها على حب الشهامة والكرم والطيب، بل وتضعه على المحك مع ما يريده المجتمع الذي تعيش فيه، وتدربه على أن يكون هو رجل البيت القادم، وتحمله المسؤولية، فيشب وقد صلب عوده وقويت شكيمته ونافس الجميع، مؤكداً على أن التربية المتوازنة ليست حكراً على الأب دون الأم، بل بيد صاحب العقل الراجح والحكمة. مدونة شعبية وقال «د.خالد بن سعود الحليبي» -المستشار الأسري ومدير مركز التنمية الأسرية بالأحساء-: عبارة «تربية نسوان» جزء من مدونة شعبية عفا عليها الدهر، بل وأصبحت نوعاً من الآثار التي حان الوقت لإزالتها من تلك العقول الجامدة، نعم كانت المرأة كذلك في فترة الجهل والأمية (قرن من الزمان تقريباً)، كانت فيها مهانة مسلوبة الحق حتى في الكلام، فكيف ننتظر من الضعيف في شخصيته أن يربي شخصا قوي الشخصية؟، مبيناً أن المرأة تاريخاً وحاضراً هي صانعة المبدعين، بل هي نصف المجتمع ومربية النصف الآخر -الرجال من صنع المرأة-، مشيراً إلى أنه إذا أردنا رجالاً عظاماً فعلينا تعليم المرأة ما هي العظمة؟، هكذا قال «روسو»: «إن الأبطال يصنعون ولا يولدون»، و»نابليون» وهو القائد التاريخي قال: «إن الأم التي تهز سرير ابنها بيمينها؛ لتهز العالم بيسارها»، ومن القواعد ٱلمقررة أن عظماء الرجال يرثون عناصر عظمتهم من أمهاتهم. لله درك وأضاف: الأم ألصق بالولد من الأب؛ بحكم مكثها في المنزل لمدة أطول، ولقربها النفسي منه، وقربه هو منها أيضاً، والعرب حين يرون من الأذكياء ما يعجبهم يقولون: «لله درك»، فيمدحون الدر وهو الحليب الذي رضعه، لا الأب الذي أنفق عليه، مبيناً أنه ليس في العالم وِسَادَةٌ أنعم من حضن الأم؛ كما قال «شكسبير»، ولكن لا بد أن نقرر بأن الوالدين ليسا وجهين لعملة واحدة، بل هما كيانان مستقلان يسهم وجودهما في إشباع الحاجات الاجتماعية والنفسية للأبناء، ولذا من الصعب أن يتبادلا الأدوار بنجاح، كما يقول بعض المفكرين، مشيراً الى أن المسؤولية الوالدية مشتركة بين الأب والأم وفي حالة وفاة الأب فإن الأم الناضجة التي تتميز بالحكمة والعلم قادرة على تحمل تلك المسؤولية التي أختارها الله لها، بل وباستطاعتها تقمص دور الأب إلى جانب دور الأم لسد هذا الفراغ في التربية. العلماء دليل وأوضح أنه مع الأسف هناك من يعتقد في مجتمعنا أن الأم وحدها لا تستطيع أن تربي ولداً ناجحاً، والحقيقة أن عشرات الأعلام تربوا على أيدي أمهاتهم؛ فقد نشأ «أحمد بن حنبل» في حضن أمه بعد وفاة أبيه؛ فأصبح إماماً من أئمة الدنيا؛ يقول -رحمه الله-: «حفظتني أمي القرآن وكان عمري عشراً، وكانت توقظني قبل الفجر، فتدفئ لي الماء إذا كان الجو بارداً، ثم نصلي أنا وهي ما شاء الله لنا أن نصلي، ثم ننطلق إلى المسجد وهي مختمرة لتصلي معي في المسجد، فلما بلغت السادسة عشر، قالت: يا بني سافر لطلب الحديث؛ فإن طلبه هجرة في سبيل الله»، ذاكراً أنه لكي تصل الأم إلى ذلك وترى ابنها عالماً كبيراً، أو طبيباً حاذقاً، أو داعي محبوب، أو مخترعاً مبدعاً، فعليها أولاً أن تكف عن تصنيف ابنها في خانة الضعف أو الغباء أو مثل ذلك، حتى ولو تخيلت بأنه ليس من بادرة تدل على ذكائه وإبداعه، وإنما هو مشاغب متعب، ومزعج لعّاب، لا يرتاح ولا يريح، فتظن أنه غبي قاصر، وربما كان عبقرياً عظيماً، ولكنها تقمعه وتكرهه على الهدوء والاستكانة، وبين جنبيه طاقة خلاقة متوثبة، تحتاج إلى توجيه لا إلى كبت، وإلى تبصير لا إلى تجهيل، وإلى عناية وتشجيع، لا إلى تثبيط وتهوين من العزيمة الناشئة الطموح. والدة أديسون وذكر أن المخترع العالمي «أديسون» عندما كان صبياً، كان بالغ الكسل في المدرسة، بل كان يطرد دائماً عندما يسقط في دروسه كلها، فكانت أمه ترجعه إلى المدرسة بتوسلات ووسائط حتى -أخيراًً- لم تعد المدرسة تقبله بأية حال من الأحوال، فأخذته أمه بيدها راجعةً إلى البيت وحولها أولاد المدرسة يصيحون بها: «يا أم الكسلان»، ويكررون الصياح ضاحكين، ولكنها لم تيأس، بل تحدت النوائب والخطوب، بصلابة وقوة، جعلتها تقف شامخة أمام مصيبة ولدها في المدرسة وخسارته لمستقبله، فاشترت له ما يلزم من الكتب، وراحت تعلمه كل البرامج المدرسية بجد واجتهاد وصبر وإرادة، بل ولم تستسلم للفشل، بل نهضت به، وصنعت منه مشروعاً إنسانياً عظيماً، زادت اختراعاته على أكثر من (1000) اختراع، نفع بها الإنسانية كلها، لافتاً إلى أنه لم ينس «أديسون» فضل أمه، بل كان يقول بالحرف الواحد: «إن أمي هي التي صنعتني، لأنها كانت تحترمني وتثق بي، أشعرتني أني أهم شخص في الوجود، فأصبح وجودي ضرورياً من أجلها، وعاهدت نفسي أن لا أخذلها كما لم تخذلني قط».