خارج أجوائنا العربية الملتهبة تجري معارك أكثر ثقلاً، وهذه المرة ليست أيديولوجية بين شرقٍ شيوعي، وغربٍ رأسمالي، إذ العالم كله تحول إلى اقتصاد السوق، لكن لم تختف مسألة تقاسم النفوذ، وهذه المرة على أفريقيا تحديداً، حينما صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية «هيلاري كلينتون» أن الصين تستعمر القارة السوداء، وهو عودة لتصاريح الخمسينيات والستينيات عند اشتداد معارك المعسكرين.. الصين كانت مستعمَرة بريطانية، وهدفاً لليابان، ولم يُذكر في تاريخها أنها استعمرت بلداناً خارج كيانها، غير أنها اليوم تدخل سوق المنافسة بإطار مختلف، فهي لم ترسل بوارجها لتخلع أنظمة، وتعلن احتلالها، ولم ترسل مبشرين لخلق كيانات مسيحية تعلن تبعيتها للثقافة الغربية وعقيدتها الدينية، ولم يُعرف أن الصين جاءت لدول لتمحو تراثها كما فعل الاستعمار الغربي في قارات العالم، وإخفاء هويات شعوب.. المعركة اقتصادية، وهنا السبب المخيف، أي أن منطلق الحروب جميعاً منذ الرماح والسيوف، وحتى القنابل النووية، يتجه دائماً لاحتكار الموارد الأساسية من فحم ونفط ومعادن مختلفة، وبهذا الدافع استُعمرت المواقع الحساسة والاستراتيجية في الممرات المائية، وقنوات الاتصال، لنفس الغاية، وكانت الصين جزءاً من الأهداف لاستغلال مواردها وسوقها الكبير ونهب ثرواتها، غير أن صحوة التنين خلقت الفزع الجديد إذ استثمرت ثروات أفريقيا التي ظلت الاحتياطيات الثابتة لأوروبا وأمريكا، بينما شعوبها مجرد فائض بشري خضع لتجارب زرع الأمراض واستعبادهم كرقيق، والصين عندما ذهبت لهذه القارة جاءت بمغريات مختلفة، أي أنها قايضت الثروات الطبيعية بتشييد بنية أساسية شاملة، وكان الاتفاق مبنياً على سلسلة مصالح تختلف عن الغرب الذي كان يأخذ ولا يعطي، وقطعاً صارت الصين منافساً غير عادي، ليس فقط في أفريقياً، وإنما تعدتها إلى الحديقة الخلفية لأمريكا الشمالية عندما عقدت صفقات مماثلة مع دول أمريكا الجنوبية.. هاجس الخوف من منافس جبار بدأ مع صحوة اليابان عندما تحوّلت من مجرد بلد يتلقى المعونات، بعد الحرب العالمية الثانية، إلى غازٍ للسوق الأوروبي والأمريكي، والتمدد نحو القارات الأخرى، ولم يشفع لها أنها اتخذت نهجاً ديمقراطياً، ونظاماً اقتصادياً رأسمالياً، والصين تواجه نفس المعركة، وهذه المرة أكثر شراسة، حتى إن خبراء اقتصاديين مرموقين من أمريكا وأوروبا، طرحوا هاجس أن يلتقي اقتصاد الجباريْن الآسيويين في كتلة واحدة، وهي احتمالات قد تخلق كيانات تتفوق على اقتصاد الغرب برمته.. التنافس حق مشروع، لكن الذهنية الاستعمارية الغربية التي تريد احتكار الهيمنة، أخذت بالتداعي، لأن قارات العالم ظلت فضاءً مفتوحاً أمام الرأسمالية الغربية، لكن أن تأتي الصين بنموذج جديد للعلاقات الاقتصادية فالتعبير الأمريكي خرج عن القاعدة ليرى مثل هذه العقود استعماراً! ونسي كيف ظلت شعوب العالم تنتقل من الاستعمار المباشر العسكري إلى الاستعمار الاقتصادي الذي لم تختفِ لافتته حتى الآن..