أيُّها الناس اسمعوا وعوا... (قس بن ساعدة) لو أنَّهم نثروا رمادَ السَّمعِ في وجهِ الرِّمالِ الهاجعاتِ على تجاعيدِ السرابْ أو صفصفوا عقدَ النجومِ وأطلقوا للريحِ أسرجةَ السحابْ أو أنهمْ رقموا الجبالَ وفوَّضوا للأفْقِ ترحالَ الغيابْ أو لوَّنوا زمنَ العروبةِ أخضرا واستحدثوا للناَّرِ زيتا من ضبابْ! ما ورَّثَ الوجعُ الخرافيُّ العصورَ خيانةً يومًا.. ولا خدشتْ رياحُ البحرِ إجلال الترابْ (بين عبس وذبيان) يا هذه الخيلُ التي تعدو حوافِرُها مضمِّخةً ترابَ الأرضِ شرياني وجدبَ الانتظارْ لا أنها شهقتْ لعدوِ السيفِ في صدري.. ولا جسَّتْ سعالَ الليلِ في رئةِ الديارْ يا هذهِ الخيلُ التي مسختْ قراءاتِ السطورِ بعيني الأخرى فما هجعتْ.. ولا سكنتْ للونِ النَّارِ مُخْضَرًّا بريحِ الانكسارْ هذا الذي يفترُّ من ماء القصيدةِ شاعرا.. ملأت ثفالتَهُ الحروبُ دراهما سكرى وذاعَ به الشجارْ! لو أنَّهُ شرب القصيدة مرَّةً أخرى وجرَّ بظهرِهِ المعوجِّ محراثَ القِفارْ ما أثْمرَ التاريخُ فوقَ التوتِ حنظلةً ولا يبست عروقُ الليلِ في طينِ النهارْ..!! (بيني وبينكَ) أجهضْ مدى العينينِ فالأفْقُ الطليقُ رسائلُ الأضيافِ يلتحفونَ أسْتارَ الظلامْ والنَّارُ في بابِ القبيلةِ وهْجها أبدًا شعاراتُ السلامْ يامنْ زجرتَ الطيرَيلْتحفُ الشمالَ نكايةً أخرى.. وغيمًا من حِمامْ هي نفْحةُ الوجعِ القديمِ تخثَّرتْ في الأفْقِ من جهةِ اليمينِ فمالَ عنها الطيرُ وانحلَّ اللثامْ لا أنتَ تحملُ وزرَ ماقترفتْ يدي في الرملِ أو تبتاعُ من قلقي دمي المهدورَ إنْ عنَّ الوئامْ!! في سوق النخَّاسين من يشتري قوتَ القلوبِ الرَّاجفاتِ لخفْقةِ الأعشابِ من ريحِ المطرْ؟ .. هذا القوام وهذه الحسناءُ هارعةٌ لكوخِ الليلِ.. ما شربتْ إرادتُها كؤوس العشقِ أو رُقِمت بها لغةُ السَّفرْ!! تنداحُ في لونِ السيوفِ سبيَّةً حمراءَ أو شقراءَ أو سمراءَ... أيَّانَ البصر..! لو أنَّها وُئدتْ بحرِّ الرملِ ماصطفقت ذئابُ السوقِ تنهشُ صمتَها القهريَّ بالنَّابِ السّعِرْ!! وثيقة تخرُّج..! ها أنتَ تلهثُ في الزوايا جاثيًا.. تمتصُّ بوحَ الرَّملِ من نهدِ الرياحْ لا عانقتْ عيناكَ أقمارَ المساءِ.. ولا شربتَ الكأسَ من كفِّ الصباحْ ها أنتَ تلهثُ قلبُكَ المجدورُ كانَ البحرَ ممتدًّا وكانتْ مقلتاكَ بريئةً أبدا من النظرِ المباحْ! ها أنتَ تلهثُ أو تموتُ الآنَ فاقرأ ماتشاءُ عن الرواياتِ التي جعلتْ من الأعشابِ موتًا تستطبُّ به الجراحْ!!!