يتطلع عدد من موظفي القطاع الخاص إلى النظر في أوضاعهم الاقتصادية جراء رواتبهم الزهيدة التي بقيت جامدة لسنوات طويلة، وذلك رغم المتغيرات الاقتصادية التي يشهدها السوق المحلي، وارتفاع تكاليف المعيشة. وتعالت الأصوات في معظم دوائر هذا القطاع - وليس جميعها - بصرف زيادة العلاوة السنوية، وبدل غلاء المعيشة، داعين إلى تحرك الجهات ذات العلاقة للبحث عن حلول جذرية لتلك الإشكالية. "الرياض" سلطت الضوء على هموم موظفي القطاع الخاص، وتحديداً ممن لم يستلم حتى الآن بدل غلاء المعيشة؛ أسوة بموظفي القطاع الحكومي، إلى جانب عدد من القضايا والهموم المشتركة للعاملين في هذا القطاع المهم. التخفيف من المعاناة بداية أوضح "حمود أحمد" أنّ منح 15% كبدل غلاء؛ أسهم وبلا شك في التخفيف من معاناة كثير من المواطنين في القطاع الحكومي، لكن يبدو أنّ الزيادة التضخمية التهمت بدل الغلاء؛ فضلاً عن حرمان موظفي القطاع الخاص من زيادة مماثلة، مما يكشف عن معاناة كبيرة تصيب ذوي الدخل المحدود أو حتى المنخفض منها؛ إذ يثير ارتفاع أسعار المواد الغذائية والإيجارات قلق الكثير من الأسر، وبلا شك مع استمرار تلك الزيادة التضخمية بالأسعار تزداد آثار وتبعات هذه المعاناة نفسياً واجتماعياً على حياتهم. تعرضوا لضرر مزدوج.. لا يصرف لهم «بدل غلاء معيشة» ويواجهون «زيادة الأسعار» مثل غيرهم الوفاء بالمتطلبات وأشار "فاضل الحويطي" إلى أنّ الأسعار تتجه للصعود، والمواطن محدود الدخل ضحية الارتفاع الذي ليس له ما يبرره، فالموظف في القطاع الخاص لا تقل مسؤولياته الأسرية عن مستوى مسؤوليات موظف القطاع الحكومي الذي يتقاضى زيادات سنوية، ومكرمات بدل غلاء المعيشة، وضحية كل ذلك هو موظف القطاع الخاص، خصوصاً في ظل غلاء الأسعار وارتفاع المعيشة والإيجارات وتدنِّي الرواتب التي لا نستطيع من خلالها الوفاء بالمتطلبات الأساسية لأسرنا؛ ما سبب لنا مشاكل أسرية واجتماعية لا حصر لها، متسائلاً إلى متى وموظفو القطاع الخاص محرومون من صرف بدل غلاء المعيشة بعد أن طالنا ارتفاع الأسعار؛ فأنا أعمل في القطاع الخاص منذ ثماني سنوات لم أحصل على أي زيادة أو بدل سكن، واليوم لا نطالب بالمساواة في أيام الإجازات وساعات العمل بقدر ما نطالب في زيادة ثابتة في العلاوة السنوية في الراتب والتسجيل في التأمينات الاجتماعية واستحداث بدل لمواجهة غلاء المعيشة. فضل البوعينين المتضرر الوحيد وفي السياق ذاته أشار "عبدالمحسن ناصر" إلى أنّ المتضرر الوحيد في زيادة الاسعار هو موظف القطاع الخاص، إذ سرعان ما يأتى طوفان الغلاء وجشع التجار ليسهم في ارتفاع العقار والملبس والمأكل، ويصبح الموظف في هذا القطاع يعمل من منطلق (مكرهٌ أخاك لا بطل)، وقد يستصعب وجود بديل لهذه الوظيفة لا سيما إذا كانت لديه العديد من الالتزامات والقروض التي لا تجعله يفكر مطلقاً بالاستقالة للبحث عن وظيفة أخرى، والمشكلة الكبرى انه أصبح واضحاً لجميع الجهات المسؤولة تبعات تلك المعاناة، ولم نجد حلول سواء في وقف زيادة الأسعار أو حتى دعم حكومي وإلزام القطاع الخاص بتخصيص زيادات مقبولة تتماشى مع الوضع الاقتصادي الراهن، مشدداً على إيجاد حلول عاجلة وفعلية، فالمواطن لم يعد يحتمل المزيد من الوعود وترديد المبررات المختلفة. ساعات الدوام ويوافقه الرأي "سالم محمد" - موظف في إحدى شركات المقاولات - قائلاً: "من أهم معاناة موظف القطاع الخاص ساعات الدوام الطويلة التي قد تصل إلى عشر ساعات حسب متطلبات العمل، وبسبب ذلك أفقد عزيمتي في الاستمرار في تلك الوظيفة، ولكن حاجتي لذلك الدخل وأن كان قليلا يجبرني على البقاء"، ويصف معاناته اليومية بقوله: "أعود إلى المنزل منهكا جسدياً ونفسياً وذهنياٍ ولا أستطيع قضاء حوائج عائلتي ومعظم مشاكلي الأسرية؛ بسبب طول الدوام وحتى لساعات إضافية في إجازة نهاية الأسبوع من دون الحصول على حوافز أو حتى مكافآت وزيادات مقطوعة، والمؤسف أكثر أننا ننظر إلى زيادة رواتب القطاع الحكومي على أنها كابوس ثقيل؛ فمعها زادت الأسعار، لهذا ينطبق على موظفي القطاع الخاص المثل القائل (لا طلتم زيتون الشام ولا عنب اليمن)؛ لأنهم سقطوا سهواً من قائمة تلك الزيادات". الجهد المضاعف وقالت "بشرى سعيد": "أنا معلمة في إحدى المدارس الأهلية منذ ثلاث سنوات وأتقاضى مرتبا وقدره ألفا ريال، رغم الجهد المضاعف الذي نبذله والذي يماثل الجهد الذي تعمل به المعلمة في المدارس الحكومية، بل وعدد نصابنا يفوق نصابهن هذا غير ما يسند إلينا من أعمال أخرى، وشعورنا الدائم بالحرمان من الأمن الوظيفي مع عدم حصولنا على رواتب خلال أشهر الإجازات، والمشكلة أن أي بادرة شكوى أو مطالبة بحقوقنا لا نسمع سوى صدى صوت الإدارة وهي تقول: (عاجبك الراتب أو أمسكي الباب ونلقى غيرك). عبدالرحمن العسيري جزء من المجتمع وتزيد المعاناة كثيراً في حياة الشاب "عبدالرحمن سليم العسيري" متزوج ولديه أربعة أطفال يعمل بوظيفة حارس أمن بمرتب لا يتجاوز 1800 ريال، قائلاً: "نتمنى أن تتم معاملتنا على أننا جزء من هذا المجتمع، فمعضلة الراتب القليل مازالت تقف حاجزا أمام تحقيق ولو جزء بسيط من أحلامنا وطموحاتنا، لهذا نأمل ممن يهتمون بأمرنا الوقوف بجانبنا وان يتم تسجيلنا في تنمية الموارد البشرية على أقل تقدير"، مضيفاً: إننا نعمل بجد على مدى ثماني ساعات ونتحمل أعباء مواجهة الجمهور والحديث معه وحل مشكلاته في العديد من المواقع سواء في حراسة الشركات أو الأسواق وغيرها، ومع ذلك نتقاضى رواتب ضعيفة حرمتنا حتى من التفكير في الزواج وتكوين أسرة. مشكلة مؤثرة وحول هذا الموضوع أشار الاقتصادي المصرفي "فضل البوعينين" إلى أن التضخم وغلاء المعيشة من المشكلات الاقتصادية المؤثرة في حياة الفرد والمجتمع، لذا لا يمكن الحديث عن التنمية الاقتصادية بمعزل عن ضبط معدلات التضخم، التي ربما تسببت في تغيير إستراتيجية الحكومات في تعاملها مع السياستين المالية والنقدية، محاولة منها في كبح جماح التضخم، وخفض الأسعار حماية للمواطنين، والأكيد أن التضخم أحد إفرازات التنمية، وهو الضريبة التي يستوجب دفعها مقابل الإنفاق الحكومي التوسعي، إلاّ أن ترك معدلات التضخم من دون سيطرة يعني وجود خلل ما في خطط التنمية، وإدارة الاقتصاد. تخفيف الغلاء وأضاف: هناك كثير من الحكومات التي تسعى للسيطرة على السياستين النقدية والمالية لكبح جماح التضخم، إلا أنها تقوم في بعض الأحيان باستخدام أدوات أخرى لتخفيف غلاء المعيشة على المواطنين، خاصة إذا كانت مضطرة لانتهاج سياسة الإنفاق التوسعي من أجل التحفيز، أو إستكمال مشروعات التنمية المهمة، كالزيادة المباشرة، أو المعونات المقطوعة، أو صرف بدل غلاء على سبيل المثال لا الحصر، وهو الخيار الذي اتخذه خادم الحرمين الشريفين للتخفيف عن كاهل المواطنين، وصرف 15% كبدل غلاء لموظفي القطاع الحكومي والمتقاعدين هو أحد الخيارات المهمة لمواجهة موجة الغلاء، التي يعتقد المسؤولون أنها وقتية، ومرتبطة بمؤثرات كثيرة ومن بينها الإنفاق التوسعي؛ وعلى الرغم من أهمية "بدل الغلاء" إلاّ أن غالبية موظفي وموظفات القطاع الخاص لم يحصلوا عليه، في الوقت الذي يعدون فيه من المتضررين من موجة الغلاء التي اجتاحت البلاد. ضرر مزدوج وأوضح "البوعينين" أن غلاء المعيشة لا يميز بين الموظف الحكومي وموظفي القطاع الخاص، بالرغم من أنهم في الغلاء سواء، هذا من جانب ومن جانب آخر، تؤثر الزيادات المباشرة، والبدلات العامة سلباً في الأسعار، ما يعني أن موظفي القطاع الخاص تعرضوا لضرر مزدوج، الأول يتمثل في عدم صرف بدل الغلاء لهم، والثاني تأثرهم بزيادة الأسعار المترتبة على قرار الزيادة أو البدلات المعيشية، ومن هنا يفترض على القطاع الخاص أن ينتهج سياسة متطابقة مع السياسة الحكومية فيما يتعلق بالبدلات الاستثنائية الموجهة لمعالجة أزمة الغلاء، خاصة أن القطاع الخاص يحصل على دعم حكومي منقطع النظير، إضافة إلى أن الدولة لا تستقطع ضرائب على القطاع الخاص بعكس الدول الأخرى التي تصل الضرائب فيها إلى مستوى 40 في المائة. تناغم الدعم واستشهد بالقطاع المصرفي الذي حقق العام الماضي أكثر من عشرين مليار ريال أرباحا صافية، وهي أرباح ضخمة لم تعينه على تبني سياسة الحكومة في صرف بدل الغلاء، وتمديده لفترة زمنية جديدة، معتقداً أنه من الضروري أن يكون هناك تناغم في سياسات الدعم بين القطاع الحكومي، والقطاع الخاص، وأن تمارس الحكومة صلاحياتها في توجيه القطاع الخاص لتبني بعض السياسات العامة التي يُراد منها التخفيف عن كاهل المواطنين، فبدل الغلاء يجب ألا ينظر له القطاع الخاص من جانب الربح والخسارة، بل يجب أن ينظر له كمسؤولية وطنية تفرضها الظروف المحيطة. قاعدة الانتاج وأكد "البوعينين" على أنه من الضروري بمكان أن يتبنى موظفو القطاع الخاص المطالبة بحقوقهم المشروعة، خاصة في أوقات الغلاء، فمن الظلم أن تكون حقوق الملاك أهم من حقوق العاملين الذين يمثلون قاعدة الإنتاج، ومن خلالهم تُخلق الأرباح الضخمة، متمنياً أن يبادر القطاع الخاص بتبني سياسات دعم الموظفين التي تتخذها الحكومة، فإن أبت وتمنعت فلا مناص من التوجيه الحكومي الذي يمكن من خلاله حملها على دعم موظفيها بحسب النظام، مشيراً إلى أنّ أدوات الدعم تحتاج إلى دراسة شاملة بحيث تحقق المصلحة العامة، وتقدم ذوي الدخل المحدود على ما سواهم، وأن تكون نسبة الزيادة، أو البدل أعلى لأصحاب الرواتب المنخفضة، وهم الأحق بالدعم، بحيث يعتمد على نموذج الهرم المقلوب في الدعم، بأن يوجه الدعم الأكبر للأقل دخلا؛ إضافة إلى عدم تجاهل الفقراء والمساكين والعاطلين عن العمل الذين لا يدخلون في منظومة البدلات المخصصة للموظفين.