الزواج هو سنة الحياة، بل هو الأساس في تكوين المجتمع، وقد أوصانا به الرسول الكريم، ونظراً للتقدم والتطور السريع والانفتاح على العالم، بالإضافة إلى دخول الثقافات الأُخرى علينا، واختلاف العادات والتقاليد، مما أثر على أفراد المجتمع وتسبب في ظهور العديد من المشاكل، لعل من أهمها ارتفاع تكاليف الزواج وما نتج عنه من سلبيات، أبرزها تأخر سن الزواج لدى الفتيات والشبان، وذلك لحرص بعض الأسر على المبالغة في طلبات الفرح وتأثيث عش الزوجية، الأمر الذي دفعنا إلى محاولة طرح فكرة إمكانية مساعدة العريس من قبل والد زوجته، اقتداء بتجارب بعض الدول القريبة من محيطنا الجغرافي، وذلك للتخفيف من تكاليف المصروفات، والتي قد تستمر تأثيراتها السلبية إلى ما بعد الزواج ولسنوات طويلة. تبسيط الزواج في البداية يقول "د.عبدالعزيز المقبل" -المشرف على وحدة استشارات بجمعية أسرتي بمنطقة بريدة-: إن الإشكالية تكمن في عدم إيجاد قاعدة ثابتة لتباين مدخولات الناس، فقد يكون الأب في وظيفة مرموقة وجيدة وقادرا على المساعدة، وفي المقابل نجد أباً آخر قد يكون في الأصل معتمداً على راتب ابنته إذا كانت موظفة، مضيفاً أن تبسيط الزواج وخروجه بصورة مبسطة يقدر عليها كل الشباب، يتشكل في الحد من إقامة الحفلات المكلفة، وهذا يتفق مع الرؤية الشرعية "خير النساء أيسرهن مهراً"، مما يُشعر الزوجين بالراحة النفسية؛ لأن ذلك لن يعرضهم إلى دوامة الديون الخانقة، مقترحاً إيجاد صيغ سهلة للزواج، وذلك يتشكل في وجود قصور أفراح تعاونية بأجر رمزي، إضافةً إلى تبرع بعض المحلات بعمل تخفيض معقول على الأثاث للعرسان متواضعي الدخل. مظهر الأغنياء وذكر "د.المقبل" أنه من واقع تجربته فإنه يرى أن جميع الآباء حريصون على البحث عن رجل جيد ليزوجه ابنته، غير ممانعين في إعاناتهم، ولكن في ظل ارتفاع الأسعار وقلة الدخل، قد تجعل قدرة الأب على مساعدة أبنائهم محدودة، موضحاً أن طبيعة الفقير أنه "مولع" بتقليد الغني القادر، لذلك قد يضطر لتحمل ما لا يطيق من أجل إقامة حفل زواج يُرضي الناس، أو تقديم هدايا مبالغ فيها لعروسه، حتى لا يقال عنه فقيرا، وهذا يدخل في عمق ثقافتنا التي قد نتنكر فيها لحقيقة وضعنا المالي، مشيراً إلى أن الجميع يحبون الظهور بمظهر الأغنياء، فحفلاتنا وبيوتنا واجتماعتنا شكلها واحد رغم اختلاف الظروف المالية. مو معقول الشاب يتحمل «المهر والذهب والسكن والحفل والسفر»..يعني 300 ألف ريال مافيها «طقت عصا»! تهادوا تحابوا ويرى "د.أحمد القاضي" -المستشار الأسري- أن مساعدة والد الزوجة تسعد ابنته بالدرجة الأولى وبشكل غير مباشر، وذلك اقتداء بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "زوجوهم وأعيوني عليهم"، وهذه من الإعانة، والتي أصفها من العادات التقليدية الجميلة، مضيفاً: "من مبدأ (مد رجليك على قد لحافك)، يجب أن تكون المساعدة دون الحاجة للاستدانة، من أجل إكمال بعض التفاصيل غير الضرورية، ومن المقتدر تكون المساعدة، إذا رأى في ذلك حاجة"، لافتاً إلى أننا لا نريد أن نسمي هذه المبادرة مساعدة؛ لأنها قد تحمل معها تفسيرات كثيرة، قد يرفضها بعض الأزواج، وقد تتسبب بالإحراج للزوجة، والأفضل أن تكون في شكل هدية، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "تهادوا تحابوا"، وحتى لا يصل إحساس للزوج بأنه فقير ويحتاج للمساعدة، مع الحرص بأن تكون في شكل غير معلن ودون إعلام باقي الأسرة. ثقافة العائلة ويؤكد "د.أحمد البار" -الإستشاري الأسري- على أن المساعدة المالية من والد الزوجة تعتمد بالدرجة الأولى على ثقافة العائلة والقبيلة، فهناك ما يسمى ب"الرفد" أو "العانية" يحل مكان المساعدة المالية، والتي تأتي من أقارب الزوجين، وفي العادة المرأة في مجتمعنا تكون مدعومة أكثر من الرجل في تقديم الهدايا لها بمناسبة زواجها، وذلك من جانب قريباتها وصديقاتها، معتبراً أن المساعدة من الممكن أن تكون في تخفيف المهور، أو بعض المصروفات التي تنفق في أمور ليست بذات الأهمية، فالعريس يجب ألا يجامل على حساب نفسه، مضيفاً أن الآباء في العادة يساعدون بشكل غير مباشر، ولكن يجب على العرسان ألا يستغلوا مساعدة الآباء بشكل سلبي، كأن يطلب من والد زوجته شراء سيارة، أو في حال اكتسبت الزوجة إرثاً من عائلتها، يطالبها بدفع مصاريف المنزل، والبعض تصل بهم الجرأة إلى شراء عقار وإلزامها بتسجيله باسمه. عروسان يقضيان شهر العسل في ماليزيا رغم مصاريف الزواج المكلفة التعاون مهم وجاءت آراء الآباء مؤيدة، يقول الأستاذ "عبدالرحمن الخياط": إن مساعدة والد زوجته له في بداية حياتهم الزوجية جعلته يخطط لحياة أبنائه، وذلك بتخصيص سكن مستقل في عمارته التي شيدها، ولكل منهم الحرية في استخدامها كعقار مستأجر أو سكن شخصي يوفر عليه عناء الإيجارات المرتفعة. ويقول الأستاذ "أحمد الشريف": إن كل الآباء لديهم الحرص على تقديم يد العون لأبنائهم ولأزواج بناتهم، فالحياة أصبحت صعبة وبحاجة للتعاون، مضيفاً أنه قام بشراء كل ما احتاجته ابنته دون أن يلمس مهرها، معتبراً ذلك هدية تذكارية بمناسبة زواجها. ورد الأستاذ "بدر الحطامي" المهر الذي قُدم إلى ابنته، بعد أن خصم منه قيمة الذبيحة، طالباً من العريس أن يعاملها معاملة حسنة، فهو يشترى رجلاً يكون زوج الدنيا والآخرة، داعياً الآباء للتخفيف على الراغبين في إكمال نصف دينهم. مساعدة مقننة وتنوعت آراء الشباب والفتيات ما بين مساعدة مقننة تحفظ مكانة الفتاة وتمنع الحرج عن الشاب، تقول "سارة صالح": إن تدخل والد الزوجة المادي مهم، وخاصةً إذا شعر أن هناك عجزا في بعض الأمور، مضيفةً أن أقل ما يمكن أن يشارك فيه الأب هو بالحفلة النسائية، فالزوج يدفع المهر ويجهز المنزل، وقد يعمل حفلا للرجال، ولا ننسى السفر في شهر العسل، كل هذا على حسب ميزانيته وما تأتيه من معونات الأهل والاصدقاء، لكن حفلة النساء تعتبر عند العروس مهمة، والزوج غير ملزم بها نهائياً، ليتكفل بها والد الزوجة أو أشقاؤها، ذاكرةً أنها لا ترى حرجاً على الزوج في ذلك؛ لأنه قام بالأساسيات وليس في ذلك ما يعيبه ويحرجه، خاصةً إذا كانت المساعدة عرضت بشكل مناسب له. هدايا الزواج مكلفة .. تقدير الظروف وترى "إيناس" -طالبة ماجستير في قسم الخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- أن دعم والد العروس أساس لنظرة مستقبلية مبنية على تنمية روح التعاون والشراكة، وأساسها تقدير الظروف الحياتية في جميع مستلزمات الحياة، إذ ينتج عن هذا التعاون بناء أسرة جديدة مخططة ترتكز على التفاهم والتعاون والتقدير، وغرس لفكرة أن الحياة كفاح وتعاون، مبينةً أنه أحياناً قد يكون فيها نوع من خلق الإتكالية لدى الزوج، وأنه في حال احتياجه لأي غرض ممكن أن يوفره عن طريق أهل زوجته، مما يعني ضرورة أن تكون هذه المساعدة بشكل مقنن، كأن تكون عن طريق الزوجة، وذلك بأن يوضع مبلغ معين في حسابها تتصرف فيه بالاتفاق مع زوجها أو سراً دون أن يشعر بها. أصبح متداولاً ويقول الطالب "مساعد الطيار": إن الرجل كان في السابق يتحرج كثيراً من "معونة" أهل زوجته، والتي تأتي بمبادرة من والدها، وبمجرد أن يتم الزواج ويستقل العروسان نفسياً واجتماعياً، فقد تتسبب هذه المعونة في تفكك الروابط بسبب شعوره بالإحراج من مقابلتهم، فالمساعدة في العرف الاجتماعي من أهل الزوجة تصبح عيباً؛ لأنها أتت من غير أسرة الرجل، بل ويعتبرها البعض إهانة لكرامته أو إضعافاً من قدرته، مضيفاً أنه في الوقت الحاضر ومع تغييرات العصر على المجتمع المحلي، أصبح الأمر متداولاً عند الكثير، ولم تعد تعتبر إهانة أو تقليلاً من الرجل، بل وساعدت كثيراً في تخفيف الأعباء التي تنتج عن إقامة الحفلات وتأثيث البيت، مشدداً على أهمية أن يدرك الزوج أن من ارتبط بهم جديرون بالوفاء وابنتهم تستحق المعاملة الحسنة. الدين يُسر وتتحدث "أميرة سالم" قائلةً: إنني أؤيد أن يدعم الأب ابنته في زواجها، لأن ديننا دين يسر لا عُسرَ فيه، مضيفةً أنه يجب أن تكون المساعدة في التقليل من المهر، ويمكن الاستغناء عن بعض الشروط والطلبات، مثل التنازل عن طلب سكن مستقل، ومساعدة الزوج في التكاليف التي فيها استنزاف للمال، وعدم تحميل الزوج فوق طاقته من ديون وقروض هو في غنى عنها؛ لأن ذلك سوف يؤثر مستقبلاً على الزواج وقد ينتج عنه مشكلات، مؤكدةً بأن من أهم ايجابيات وقوف الأهل مع العروسين الستر والعفاف، وتكوين أسرة سعيدة بإذن الله، بعيدة عن الضغوط والهموم التي تنتج من عدم المساعدة، مشيرةً إلى أن الزواج بشكل عام ليس بما يدفعه الزوج من أموال طائلة، بل السكنى والمودة والرحمة أولاً وأخيراً.