في الغالبية العظمى من الناس الذين يسقطون على اليد الممدودة ويعانون من إصابة للرسغ فإن الأطباء يقومون بعمل أشعة سينية للتأكد من عدم وجود كسر وبعد ذلك يمكن وضع لفافة طبية على منطقة اليد والرسغ لعدة أيام. ولكن في جزء من هؤلاء المرضى تستمر الآلام والتورم وصعوبة الحركة في هذه المناطق ولذلك يتم عمل فحص سريري جديد وإجراء أشعة سينية جديدة والتي قد تبين بعد بضعة أيام وجود كسر في العظمة الزورقية في الرسغ. ولذلك فإن هذه العظمة الزورقية بالذات يمكن أن تظهر في الأشعات التي يتم أخذها بعد الإصابة مباشرةً ويمكن أيضاً ألا تظهر في هذه الأشعات المبكرة ولكن تظهر في وقت لاحق بعد إنقضاء بضعة أيام على الإصابة. ومن هذا المنطلق تكمن أهمية هذه الكسور التي تقع في منطقة حساسة ويمكن ألا يتم تشخيصها بدقة ويمكن أن تؤدي إلى مضاعفات إذا لم يتم علاجها بشكل جيد. وفيما يلي سوف نستعرض أسباب هذه الكسور وطرق تشخيصها وطرق علاجها والمضاعفات المحتملة الناتجة عنها. العظمة الزورقية في الواقع ان منطقة الرسغ التي تصل كف اليد بمنطقة الذراع هي منطقة حساسة جداً وتوفر قدراً كبيراً من الحركة والمرونة لكي توفر مجالا كبيرا من الحركة لليد. هذه الحركة والمرونة تحدث لأن هذه المنطقة تحتوي على ثمانية عظيمات صغيرة تكون الرسغ وترتبط ببعضها البعض وتقوم بوصل اليد بالذراع. وإحدى أهم هذه العظيمات هي عظمة تدعى العظمة الزورقية وذلك لأن شكل هذه العظمة يأخذ شكل الهلال أوالزورق عندما تظهر في الأشعة السينية. وتقع هذه العظمة في الناحية الخارجية من الرسغ وتحت منطقة الإبهام. وهي أكثر عظام الرسغ تعرضاً للكسر وذلك لأنها تحتل مساحة كبيرة من منطقة الرسغ. وبالإضافة إلى أهميتها في الحركة ومكانتها فإن وصول الدم إلى هذه العظمة هو عملية معقدة ودقيقة وتحصل عن طريق شرايين دقيقة تمر من خلال هذه العظمة. هذه الشرايين قد تكون عرضة للإصابة في حال حدوث الكسر وفي حال كون الكسر متزحزحاً مما يؤدي إلى صعوبة في علاج هذه الكسور إلى احتمال حدوث مضاعفات في المستقبل لا سمح الله. ماهي أسباب حدوث الكسور في العظمة الزورقية ؟ في الواقع ان الغالبية العظمى من كسور العظمة الزورقية تحدث عندما يسقط المريض أو المريضة على الذراع واليد الممدودة. وهذا يحدث لأن الإنسان يقوم بفرد الذراع واليد في محاولة لحماية الجسم عند السقوط بطريقة لا إرادية مما يؤدي إلى تركز وزن الجسم على الذراع الممدودة واليد وبالتالي إلى حدوث الإصابة في الرسغ وبالذات في العظمة الزورقية. وعندما يتم تشخيص الكسر في العظمة الزورقية بعد الإصابة مباشرةً فإن العلاج يبدأ مباشرةً ولكن كما ذكرنا سابقاً فإنه في كثير من الأحيان يتم اعتبارالإصابة بسيطة وأنها تمزق أو رضة وفي هذه الحالة تستمر الآلام وعند مايتم إهمالها فإن ذلك يؤدي إلى عدم التئام الكسر في العظمة الزورقية. هذا الشيء الذي نسميه عدم الالتئام قد يكون بسيطاً عندما لا تلتئم الأجزاء المكونة للعظمة مع بعضها البعض أو قد يكون مضاعفاً عندما يكون هناك خلخلة وحركة وتباعد بين أجزاء العظمة أو قد يكون هناك موت لجزء من العظمة نتيجة إصابة الشعيرات الدموية التي تغذي هذا الجزء. وفي هذه الحالة يكون العلاج معقداً وبدلاً من أن يكون التشخيص هو كسر في العظمة الزورقية فإن التشخيص يكون هو عبارة عن كسر في العظمة الزورقية وموت للعظم أيضاً. أكثر عظام الرسغ تعرضاً للكسر الأعراض والتشخيص طبعاً دائماً مايكون هناك تاريخ مرضي للسقوط على اليد ويليه آلام في منطقة الرسغ في المنطقة المحيطة بالإبهام. كما يمكن أن يكون هناك تورم في الرسغ في الحالات الحديثة. أما في حالات كسور العظمة الزورقية التي يتم اكتشافها بعد أسابيع أو أشهر وعندما يحدث عدم التئام فيها فإن الأعراض تكون أقل حدة وتتكون من آلام في منطقة الرسغ في الجهة التي تقع عند قاعدة الإبهام. هذا الألم قد يزداد مع بعض الحركات. ويمكن أن يكون بسيطاً ويعزو المريض إلى إجهاد أو التهاب في منطقة الرسغ. أما بالنسبة للتشخيص فعادةً مايبدأ في الفحص السريري الذي يبين وجود ألم وتورم في المنطقة المصابة كما يكون هناك ألم شديد عندما يضغط الطبيب بإصبعه على المنطقة الواقعة عند قاعدة الإبهام والتي تقع فوق عظمة الرسغ الزورقية مباشرةً. بإضافة إلى ذلك فإن تحريك الرسغ يميناً ويساراً يؤدي إلى زيادة هذه الآلام. بعد ذلك يتم عمل أشعة سينية متخصصة بالعظمة الزورقية. وفي حالة كان الفحص السريري إيجابياً لوجود كسر في العظمة الزورقية ولكن فشلت الأشعة السينية في إظهار هذا الكسر فإنه يجب اعتبار أن هناك كسراً ويجب وضع جبيرة طبية متخصصة لعلاج العظمة الزورقية لمدة عشرة أيام يتم بعدها فحص المريض مرة أخرى وإعادة الأشعة مرة أخرى. وفي حال أظهرت الأشعة الجديدة وجود الكسر فإنه يتم التأكد من وجود الكسر وعلاجه كالكسر في العظمة الزورقية. أما في حالة كانت نتيجة الأشعة الثانية سلبية فإنه يمكن اعتبار الإصابة بأنها رضة وهنا يكون الطبيب والمريض متأكدين من عدم وجود هذا الكسر. وفي بعض الحالات المزمنة قد يلجأ الطبيب إلى طلب أشعة مقطعية أو أشعة رنين مغناطيسي تبين بوضوح مدى الكسر ومدى تزحزح العظام عن بعضها البعض وعما إذا كانت هناك حالة موت لأجزاء من العظمة الزورقية. هذه الأشعات المتخصصة تكون مهمة جداً في الحالات المزمنة والتي يتم اكتشافها بعد أسابيع أو شهور من وقوع الإصابة. الخطة العلاجية عندما يتم تشخيص هذه الحالات مبكراً وعندما تكون العظمة الزورقية في وضعية جيدة وتكون أجزاء الكسر متقاربة من بعضها البعض وغير متحركة فإن العلاج يكون عن طريق وضع جبيرة طبية لمدة قد تستمر من 9 إلى 12 اسبوعاً. هذه الجبيرة تغطي الساعد وتغطي كف اليد والإبهام. وهذه الجبيرة يجب فحصها كل بضعة أسابيع للتأكد من ثباتها وأنها تقوم بدعم المنطقة وأن هناك انعداما للحركة في منطقة الكسر حتى يمكنه الالتئام. وبعد هذه الفترة وعندما يظهر في الأشعة السينية بأن الكسر قد التئم تماماً يمكن للطبيب إزالة هذه الجبيرة. وفي الحالات التي لا تستجيب لهذه الخطة العلاجية ولا تلتئم في الأشعة السينية بعد استخدام الجبيرة لبضعة أشهر فإنه يمكن اللجوء إلى استخدام بعض أجهزة التنشيط والتحفيز الكهربائي في محاولة لتحفيز العظام لكي تلتئم. أما إذا لم تلتئم هذه العظام فإن التدخل الجراحي قد يكون ضرورياً. التدخل الجراحي عادةً مايكون لازماً منذ البداية في الحالات التي يكون الكسر فيها متزحزحاً وتكون العظام مائلة بدرجة مختلفة. والهدف في هذه الحالة هو إعادة التصاق العظام ببعضها وإعادة شكل العظمة الزورقية لوضعها الطبيعي ثم يتم تثبيتها باستخدام برغي طبي وبعد ذلك يتم وضع الجبيرة الطبية لمدة ثلاثة أشهر. وهناك «براغي طبية» متخصصة لتثبيت العظمة الزورقية تكون قادرة على تثبيت هذه العظمة بشكل ممتاز أثناء التئام الكسر. أما في الحالات التي يتم تشخيصها بعد شهور من وقوع الكسر والتي تعتبر الآن كحالات عدم التئام فإنه يكون من الضروري إجراء تدخل جراحي يتم تنظيف منطقة الكسر من خلاله وإزالة أي أغشية ليفية تكون قد تكونت في منطقة الكسر وبعد ذلك يتم وضع طعم عظمي يأخذ في معظم الأحيان من جسم المريض من ناحية الحوض. هذا الطعم العظمي يتم وضعه في منطقة الكسر بعد تنظيفها وبعد ذلك يتم تثبيته وإدماجه مع الأجزاء الأخرى من العظمة الزورقية. والهدف من هذا الطعم العظمي هو ملء الفراغ الذي ينتج عن تفتت أجزاء العظمة الزورقية المكسورة أو التي تم تنظيفها خلال العملية وكذلك توفير عظام جديدة يمكن للكسر أن يلتئم من خلالها. وهذه الطريقة ممتازة جداً لعلاج الكسور المزمنة في العظمة الزورقية وهي ذات نسبة نجاح تفوق %90 بإذن الله. وأخيراً فإنه في بعض الحالات المتقدمة والتي يتم اكتشافها بعد مرور أشهر طويلة أو سنين من الإصابة والتي تكون العظمة الزورقية فيها قد تفتت وتكون هناك خشونة في المفاصل الصغيرة التي تحيط بهذه العظمة فإن التدخل الجراحي يكون من نوع آخر وقد يستلزم إجراء عملية دمج لهذه المفاصل الصغيرة مما يؤدي إلى انعدام الحركة فيها وذلك لتوفير الدعم والثبات لمفصل الرسغ ولتوفير يد خالية من الآلام عند هؤلاء المرضى. ولكن هذه المراحل تكون متقدمة والهدف الأول من علاج هذه الكسور هو محاولة منع الحالة والكسر من الوصول إلى هذه المراحل المتقدمة التي يكون فيها العلاج الجراحي صعباً ومعقداً وتكون نتائجه غير مرضية تماماً حيث انه على الرغم من أن الألم يقل بدرجة كبيرة إلا أن المريض أو المريضة سوف يفقد جزءًا كبيراً من حركة الرسغ بعد هذه الجراحات في كثير من الأحيان. مرحلة التأهيل في جميع حالات كسور العظمة الزورقية في الرسغ والتي يتم علاجها سواء بالطرق التحفظية أو عن طريق الجبيرة أو بالطرق الجراحية فإنه يلزم عمل برنامج تأهيلي وعلاج طبيعي بعد إزالة الجبيرة وذلك بهدف إعادة المرونة والحركة لمفصل الرسغ وإعاضة القوة للعضلات المحيطة بالذراع واليد. هذا البرنامج التأهيلي يتم عن طريق جلسات علاج طبيعي تحت إشراف أخصائي العلاج الطبيعي وبعد ذلك يمكن للمريض القيام بهذه التمرينات في البيت. ويجب تفهم أن العودة إلى الوضع الطبيعي بعد هذه الكسور قد تستغرق وقتاً يتراوح مابين أسابيع أو شهور. ولذلك يجب على المريض التحلي بالصبر والمثابرة على التمرينات الطبية واتباع نصائح الطبيب بدقة حتى يضمن الشفاء الكامل بإذن الله. النصائح والتوصيات العظمة الزورقية حساسة جداَ وتقع في مكان إستراتيجي ويتوقف على سلامتها وظيفة اليد بكاملها. ولذلك فإنه يجب عدم التردد في إجراء الأشعة السينية لمنطقة الرسغ عند حدوث أي إصابة مباشرة كبيرة لهذه المنطقة لكي يتم تشخيص كسور العظمة الزورقية مبكراً والمباشرة بعلاجها مبكراً. وذلك لأن إهمال العلاج وتأخر العلاج لبضعة أسابيع أو أشهر أو سنوات يؤدي إلى عواقب وخيمة وإلى أن تكون نتائج العلاج غير مرضية تماماً. أما في حال اكتشاف الكسر مبكراً فإن العلاج يكون سهلاً بإذن الله وتكون النتائج ممتازة ويستطيع المريض أو المريضة العودة إلى ممارسة حياتهم بشكل تام وطبيعي.