كما أن الإعلام يمكن ان يكون وسيلة لتمرير معلومة اقتصادية؛ يمكن إيضاً أن يكون معول هدم، أو وسيلة بناء.. لذات الهدف؛ ومن هنا فإن التناول الاعلامي لسوق دبي العقاري؛ حمل بعضهم على رسم صورة تتحدث عن انهيار هذا السوق، وأفلاس الشركات.. نعم بالتأكيد أن دبي تأثرت بتداعيات الازمة العالمية - مثل غيرها - من مناطق العالم؛ وصحيح أن التاثير كان فيها أوضح؛ وأكبر؛ ولكن الاستفادة من تلك التداعيات كانت أبلغ، حيث وجهت واقعياً و(اعلامياً) نحو هدف واحد وهو امتصاص المعروض من الوحدات العقارية السكنية منها والتجارية. وتعد دبي أول من ابتكر تجربة الطفرة العقارية في 2002 وهي قادرة على ابتكار وصياغة الوسائل الداعمة لتلك الطفرة وكيفية ديمومتها؛ كما أشعلت تجربتها المتفردة فتيل المنافسة في المنطقة لتقود قاطرة النمو العقاري. ولم تترك الطفرة تسير من دون أن تضفي عليها الأطر القانونية التي تحمي حقوق جميع المتعاملين فكان التنظيم العقاري سلاحها الفعال بوجه بعض الممارسات الخاطئة التي لا يخلو أي سوق عقاري منها في العالم، ولكن يبقى أن ما حصدته المدينة من التنظيم محط إعجاب وتقدير دولي قبل أن يكون محل تقدير وثناء المتعاملين في السوق. ويرى العديد من المطورين العقاريين في الأزمة العالمية التي أصابت العديد من القطاعات الاقتصادية، بارقة امل للنهوض من جديد على أسس متينة، خصوصا ان العقاريين الموجودين في الساحة اليوم هم الكبار الذين أداروا الأزمات خلال الفترة السابقة واتخذوا الاستراتيجيات المناسبة لحماية استثماراتهم من التدهور. الشفافية العقارية جعلت دبي مركز جذب للمستثمرين في منطقة الخليج وراغبي التملك حتى بعد تداعيات الأزمة وواجهت سوق عقارات دبي تحديات كبيرة منذ حالة الاضطراب التي حلت بالأسواق العالمية منذ العام 2008، ما دفع كثيرين إلى إبداء استيائهم من الصفقات التي اعتبرت فيما مضى جاذبة، وأدى ذلك إلى حتمية إعادة التفاوض والهيكلة ودائرة من النزاعات، ما يحمل بين جنباته تبعات كثيرة على الوضع القانوني في سوق العقارات. وعلى الرغم من العرض المرتفع في إمارة دبي يرجحه خدمات التمويل المميزة، إلا أن إمارة دبي تراهن على استقطاب الخليجيين الوافدين إليها والراغبين في التملك والسياحة والمشاركين في المؤتمرات وذلك بارتفاع الطلب، كما أن الإمارة تدخل وبقوة في حركة تصحيح جديدة للسوق يمنح المستهلك (من الخارج) من خلالها إعادة استثمار وتملك وإقامة 99 عاماً، إضافة إلى ما تنعم به الامارات عموماً من استقرار أمني وسياسي. ولا يستبعد الخبراء في الشأن العقاري أن يشهد سوق العقارات في دبي مفاجأة على مستوى الطلب بالرغم من ارتفاع مستويات العرض عن الطلب والخوف من تبعات الأزمة المالية العالمية، لافتين إلى أن قطاع العقار والنمو في دبي يعتمد على مشاريع الاستثمار الضخمة في البنية التحتية وعلى موقع دبي المميز الذي يجعلها الخيار الاستثماري الأنسب للدول المجاورة بفضل ما تتمتع به من حرية اقتصادية جاذبة ومن مقومات متميزة على صعيد قطاعات الأعمال. وكانت عدة جهات سعودية وخليجية حذرت من خطورة عدم الاهتمام بإنشاء وتطوير مشاريع عقارية سكنية تستهدف الشرائح المتوسطة ومحدودة الدخل، والكف عن تطوير المشاريع التي لا يقدر عليها سوى فئة محدودة من المشترين والمستثمرين الميسورين. وهناك حاجة إلى 1.5 مليون وحدة سكنية جديدة في السعودية خلال السنوات الخمس المقبلة، غير أن ارتفاع أسعار الأراضي والافتقار إلى التمويل يمكن أن يعيقا النشاط في سوقي الدخل المتوسط والأدنى، حيث يشتد الطلب. ويرتبط ارتفاع أسعار العقار في معظم بلدان العالم بمؤشرات العرض والطلب إلا أن ما يحصل في منطقة الخليج بصفة عامة والسعودية والإمارات ودبي بصفة خاصة من ارتفاعات في أسعار الأراضي تحديدا لا يرتبط بالمؤشرات الواقعية لحجم الطلب وإنما بالمستثمرين الكبار والمضاربين في أسعار الأراضي، وليس المواطن الفرد هو المشتري النهائي الذي يمثل الطلب الواقعي في السوق؛ لأن المقيم هو مستهلك مهم إيضاً. ويؤكد بعض المطورين العقاريين أن الحلول العملية للحد من ارتفاعات أسعار الأراضي والعقارات هي وجود تقويم وتثمين عقاري عادل من خلال معايير واضحة وليس من خلال مبررات بعيدة عن مؤشرات السوق والتقييم الواقعي. وكشفت الدراسات أن هناك انطباعاً عاماً، لاسيما من جانب المستثمرين، وتركيز كبير في حماية المشاركين في كفة العرض على حساب المشاركين في جانب الطلب، وأبرزت تصدر القطاع العقاري في دبي جميع دول الشرق الأوسط من ناحية الشفافية العقارية وكذلك في الصعيد العالمي خلال العامين الماضيين. ولكون سوق إمارة دبي العقاري هو من اشد الأسواق تأثرا بالأزمة في المنطقة، إذ سبق ان شهد قطاع العقارات في الامارة معدلات نمو تجاوزت أي مكان آخر في العالم من حيث ارتفاع اسعار الايجارات والعرض والطلب، على الرغم من أنها سوق ما زالت تشق طريقها. واليوم، أضحت دبي تشكل جاذبا مهما للعديد من المستثمرين المحليين والأجانب للاستفادة من تراجع الأسعار ومواصفات الأراضي والوحدات العقارية الى جانب متانة البنية التحتية والتشريعية في الإمارة. وتشير الدراسات إلى أن السوق العقاري في دبي مهيأ لتشكيل فرصة للمستثمرين العقاريين على المدى الطويل، خصوصاً مع توفر المزيد من الخيارات أمام المستثمر سواء من ناحية موقع العقار وجودته، وبالنظر الى قدرة سوق دبي على التعافي بصورة اسرع من غيره بسبب عوامل الجذب التي يمتلكها والتي لم تتوافر في غيره من الاسواق، مما يساعده على التعافي بصورة أسرع واقوي من غيره. ووصف عقاريون السوق العقاري في دبي بأنه كان في إجازة وبات على وشك الانتهاء منها، كما أنه يعد العدة ويستعد لطفرة ثانية أقوى من الأولى في عدة نواح مدعومة بالمزيد من التنظيم والنضج وستتحكم به عوامل جديدة تنافسية الأسعار والخدمات إلى جانب العوامل التقليدية المتعلقة بالعرض والطلب والجودة. وسيلعب التنافس بين المطورين دوراً مهماً في ترسيخ الوضوح فيما يتعلق بالأسعار والجودة. ورفضوا بأن تراجع الأسعار التي شهدتها عقارات المدينة سببها تداعيات الأزمة المالية العالمية التي أطاحت بالعديد من أسواق المال والعقار في العالم. وقالوا إن الأسعار لم تتراجع إلى الدرجة التي يصورها بعض أصحاب المصالح والمستفيدين من ذلك التراجع، إضافة إلى أن ما يسمونه بالتراجع السعري لم يخرج عن إطار التصحيح الذي كان مطلوباً ليس من السوق فقط بل كان من ضمن ما عُمل على تحقيقه لإيقاف المبالغات التي أحاطت بالأسعار في إطار حملتها الناجحة لجعل السوق أكثر تنظيماً ويتمتع بشفافية عالية. ورأوا أن بعضهم ينظر بعين الخوف إلى السوق العقاري؛ لأنه يريد ذلك وليس لأن السوق مخيف معللين ذلك بأن النتائج التي حققها السوق والعوائد فوق المجزية المتعاملون فيه على مدى 6 سنوات أو أكثر، مؤكدين أن السوق سيدخل دورته الجديدة بمزيد من الحيوية والانتعاش خلال النصف الأول من العام المقبل في ظل محافظة دبي على مكانتها كأفضل الملاذات الاستثمارية الآمنة. وتوقعوا بأن تتلاشى مشاعر الخوف من تداعيات الأزمة العالمية وربطها بتأرجج الأسعار مع نهاية العام الجاري، لاسيما مع ظهور مؤشرات قوية على وضوح الرؤية لدى أطراف العملية الاستثمارية في السوق العقاري، مبينين أن الجميع يشاهد ثبات المشاريع والتزام تنفيذها ويتحكم في هذا الثبات قوة التنظيم العقاري والتزام غالبية المطورين تعهداتهم وزيادة هامش أرباح شركات التطوير عقب تراجع تكلفة التشييد. وقدرت تقارير إقليمية أن أسعار العقارات في دبي تراجعت خلال الشهور الستة الماضية بين 15 و30 في المائة بحسب المنطقة، ما يعزز سعي المستأجرين إلى البحث عن عقارات أو وحدات سكنية أفضل، سواء لناحية الموقع أو المواصفات والمساحة. وعلى رغم أن مسؤولين في مؤسسة تنظيم العقارات في دبي، أشاروا إلى تراجع في أسعار العقارات في الإمارة بين 10 و15 في المائة، فإن مستأجرين يؤكدون أن التراجع بلغ 30 في المائة في بعض المناطق، ورجحت المؤسسة العالمية أن تشهد السوق العقارية اتّجاهات أخرى خلال الأشهر المقبلة، مثل زيادة عمليات الدمج والاستحواذ بين شركات التطوير، ومواصلة خفض تكاليف البناء، لتسريع وتيرة الانتعاش الاقتصادي خلال الربعين الأخيرين من السنة الحالية.