تبدو الأنباء التي تحدثت عن «هجوم إلكتروني» يستهدف البرنامج النووي لإيران وكأنها فصل جديد في رواية جاسوسية حديثة. ويستهدف فيروس «ستكسنت» شديد التعقيد منشآت كثيرة، أخطرها المنشآت النووية المثيرة للجدل في إيران، التي تعتبرها الولاياتالمتحدة دولة راعية للإرهاب. ويعلم خبراء الأمن منذ شهور بشأن إمكانية مهاجمة الفيروس للمعدات التي يتم التحكم فيها عبر الحواسيب والتي تتولى إدارة خطوط النفط ومنشآت الكهرباء والمحطات النووية، وخاصة البرامج والمعدات من إنتاج شركة «سيمنز» الألمانية. ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز، فقد زودت الشركة الألمانية في تموز/يوليو الماضي عملاءها ببرنامج للكشف عن الفيروسات بعد علمها بنبأ ظهور الفيروس. وأوضحت الشركة أن الفيروس مصمم بحيث يتمكن من «انتزاع» البيانات من الشركات الصناعية التي تستخدم برامجها، وكشفت أنها رصدته خلال عمليات تحديث روتينية لبرامجها مع عميل ألماني في مجال الصناعة. وأكدت إيران أن شبكة الحاسوب الصناعي الموجودة بها سقطت ضحية لهجوم إلكتروني وأن العديد من أجهزة الكمبيوتر أصيب بفيروس «ستكسنت». ونقلت وكالة أنباء «مهر» الإيرانية عن مسؤول في تكنولوجيا المعلومات في وزارة المناجم والثروة المعدنية الإيرانية قوله إن 30 ألف جهاز كمبيوتر موجود في وحدات صناعية أصيب بالفعل بالفيروس. ورغم أن المسؤول لم يشر إلى المواقع النووية الإيرانية، والتي تتضمن محطة لإنتاج الكهرباء في بوشهر ومنشأة لتخصيب اليورانيوم في نطنز، إلا أن وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إسنا) ذكرت أن منظمة الطاقة الذرية عقدت حلقة نقاشية مؤخرا حول سبل مواجهة فيروس «ستكسنت». ويقول آلان بنتلي، نائب رئيس شركة «لومنشن» الأمريكية للحلول الأمنية،: «ستكسنت هو أخطر فيروس يتم اكتشافه»، موضحا أن سبب الخطورة هو عدم وجود هدف تخريبي أو مالي له، وإنما الهدف هو نقل المعلومات من مؤسسات البنية التحتية الحيوية. ووفقا لوسائل الإعلام وبعض المصادر فقد أعلن خبراء من بيلاروس (روسياالبيضاء) وألمانيا رصد الفيروس في تموز/يوليو الماضي. ويستهدف الفيروس أنظمة سيمنز بشكل أساسي من خلال استخدام أربع نقاط خلل أساسية في برامج «ويندوز» التي تنتجها شركة «ميكروسوفت». وتمكن الخبير الأمني الألماني رالف لانجنر وفريقه من تحديد هذه النقاط. وفي مطلع آب/أغسطس أصدرت ميكروسوفت ملحقا لتفادي هذا الخلل. ويفضل نحو 80% من مستخدمي الحاسب الآلي في العالم برامج ويندوز. وتحدث لانجنر عن «قرصان العقد». وأشار على إحدى المدونات إلى المبررات المحتملة لجعل إيران هدفا للهجوم. وقال إن الفيروس صنعته جهات بالداخل تهدف إلى تخريب هذه المنشآت، وأشار إلى أن المشكلات الفنية التي عانت منها إيران خلال الأسابيع الماضية لم تكن وليدة الصدفة. وتبين مؤخرا أن مفاعل بوشهر يستخدم نسخة غير مرخصة من برنامج إدارة صناعية من إنتاج سيمنز، والأسوأ أنه لم يتم تشغيل البرنامج بصورة سليمة. وقال لانجنر: «لم أر مثل هذا أبدا في حياتي، ولا حتى في أصغر متجر للمخبوزات». ولا نستغرب أن تسري شائعات عبر الشبكة العنكبوتية تتكهن بأن إسرائيل أو الإدارة الأمريكية هي من وراء الهجوم. وهناك اتهامات بأن الولاياتالمتحدة تختبر قيادة الحرب الإلكترونية التابعة لوزارة الدفاع بعد إعادة تنظيمها. إلا أن ديريك ريفرون، أستاذ الأمن القومي والخبير في تكنولوجيا المعلومات بكلية الحرب البحرية الأمريكية، نفى هذه التكهنات في حديث تلفزيوني. ورغم أنه قال إن مدى تعقيد هذا الفيروس يبرر هذه التكهنات، فقد أشار إلى أن الولاياتالمتحدة نفسها لم تنج من الهجوم الذي وصل أيضا إلى إندونيسيا وماليزيا وباكستان، وتطلب تعاونا حكوميا لمواجهته. وقال في مقابلة مع قناة الجزيرة إن السيناريو الأسوأ هو أن يتمكن القراصنة من التحكم في نظام ما بحيث يمكنهم التأثير على نظام العمل أو التسبب في تدمير موقع ما. ويرى بعض الخبراء أن هذا الفيروس بهذه الخطورة التي يمثلها يستحيل أن يكون من إنتاج أفراد وأن من المؤكد أن حكومة دولة ما أو على الأقل شركة تتلقى دعما حكوميا هي من يقف وراء الهجمات.