"الله يطول في عمر البترول" دعاء ناجى به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ربه مستشرفاً المستقبل الزاهر لأبناء هذا الوطن الغالي، ومنطلقاً من بعد نظره - حفظه الله- حتى يكون في خزائن الأرض لأبنائنا وأبناء أبنائنا، مؤكداً أن مملكتنا الغالية ولله الحمد غنية بمواردها. وعند الحديث عن قصة النفط في المملكة يكون يوم الرابع من مارس من عام 1938م هو يوم حاسم في تاريخها وتاريخ صناعة البترول على المستوى العالمي، حيث تدفق البترول من بئر الدمام رقم (7) الذي يقع على التل المعروف باسم "جبل الظهران"، وعرف فيما بعد بالاسم الذي أطلقه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز "بئر الخير"، ومنذ ذلك التاريخ والمملكة تعد أكبر دولة في احتياطي البترول، وأهم مصادر الطاقة على مستوى العالم. وكما أن الحياة ارتبطت في أوائل القرن العشرين بالمناطق ذات الموارد الطبيعية، مثل المناطق الزراعية والمناطق الساحلية، حيث يعد البحر مصدر الكثير من تلك الموادر الاقتصادية، وهذا جعل عدداً من دول الخليج العربي مستهدفاً للاستعمار الخارجي للسيطرة على هذه الثروات المختلفة، ونظراً لأن المملكة كانت أرضاً شاسعة جرداء فقيرة يقطنها البدو رعاة الأغنام في زمن سيطر فيه الاستعمار على عدد من الدول العربية، فإن الاستعمار البريطاني الذي استوطن بعض دول الخليج المجاورة للمملكة كانت محاولاته يائسة لاستعمارها، وخصوصاً أن بريطانيا كانت تعتبر الخليج العربي بعد استعمارها للبحرين وحتى عام 1971م بمثابة بحيرة بريطانية وحلقة اتصال مهمة في الطريق إلى ممتلكاتها في الهند، ولكن أراضي المملكة في ذلك الوقت كانت في منأ عن الاستعمار، حيث الصحراء القاحلة، والبدو الرحل (رعاة الاغنام)، والفقر الذي اشتهر به أهلها لم يعطها أهمية تذكر عند البريطانيين، وهو ما جعلهم لا يفكرون الدخول إلى صحراء الجزيرة، حيث لم تكن تعلم -لتواضع إمكانات التنقيب في ذلك الوقت- أن هذه الجزيرة تملك في باطنها ثروة هائلة حباها الله من بين باقي الدول. تواضع إمكانات التنقيب وتدني دخل "بادية الجزيرة" لم يغريا "البريطانيين" كما أن استكمال توحيد المملكة على يد -المغفور له بإذن الله- الملك عبدالعزيز أسهم في ايقاف أطماع المستعمرين من الدخول إلى الجزيرة العربية، إلى جانب نظرته البعيدة بالتعاقد مع الشركات الأمريكية للتنقيب عن النفطن بعدما تم اكتشاف البترول في جزيرة البحرين المجاورة بكميات مشجعة في العام 1933م، مما جعل احتمالية كبيرة لوجود مخزونات من الذهب الأسود في الأراضي السعودية. وكان انطلاق البحث عن البترول قد تم بتوقيع مؤسس المملكة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - اتفاقية مع إحدى الشركات العالمية في تاريخ 4 صفر 1352ه الموافق 29 مايو 1933م، أعقبها توافد عشرات "الجيولوجيين" ومهندسي الحفر إلى المنطقة الشرقية، وبعد خمس سنوات من العمل الشاق المتواصل والبحث تحقق الانتاج في "بئر الخير"، وترتب على هذا الحدث الكبير أن أصبحت المملكة بعد سنوات في طليعة الدول المنتجة للنفط، وقد انعكس ذلك على كل شيء فيها، فازدهرت وتوافرت فيها عوامل البناء اللازمة لتشييد المستقبل، وأرتقت فكان لها صوت مسموع في المحافل الدولية، وفوق هذا وذاك انتقل شعبها نقلة حضارية عظيمة جعله يطوع كل تقنيات العصر لخدمته وازدهاره، وكان من نتائج هذا الحدث أيضاً إنشاء الشركة الوطنية التي يعرفها العالم اليوم باسم "شركة الزيت العربية السعودية" (أرامكو السعودية). الملك عبدالعزيز استعجل "الأمريكان" لبدء أعمال الحفر عام 1938م .. وعندما تم انتاج البترول بكميات تجارية سعت المملكة إلى تكوين حياة حضارية يكون فيها الإنسان الباني الحقيقي لهذا الوطن، فشهدت نقلة حضارية كبيرة والعديد من برامج التنمية التي جعلتها تقف في مصاف الدول الجادة في عمليات التنمية والتفوق الحضاري والصناعي، ولم يعد أبناء المملكة أولئك "البدو الرحل"، فقد أصبحوا اليوم يدرسون في أفضل الجامعات العالمية وفقاً لأفضل البرامج الأكاديمية، ويديرون أفضل المستشفيات وأكبر المصانع، بل ويقودون بكفاءة عالية أكثر الشركات ربحية ونجاحاً، حتى بلغت استثمارات المملكة أكثر من 63 مليار دولار كمصروفات رأسمالية على مدار السنوات الخمس الماضية، لرفع طاقتها الإنتاجية إلى مستواها الحالي، ومن المقرر أن تنفق 107 مليارات دولار أخرى على مدار السنوات الخمس القادمة في مجال الصناعة النفطية. إن مستقبل الاقتصاد السعودي والدور الذي يلعبه قطاع البترول في تشكيل ذلك المستقبل يتضمنه التخطيط للتنمية في المملكة والذي بدأ قبل نحو 40 عاماً، كانت تنمية الموارد البشرية والتنويع الاقتصادي على رأس أهداف الخطط التنموية المتعاقبة، من أجل تحقيق رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتوسيع نطاق واستثمارات العلوم والتقنية والوصول بهما إلى مستويات أعلى، حيث أُنشئت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية لتكون جامعة عالمية المستوى ومنارة دولية للمعرفة ومركزاً للتعلم، وقريباً سيتم إنشاء مركز الملك عبدالله لدراسات وأبحاث البترول في الرياض، ليقود حركة بحوث الطاقة والبيئة ودراسة السياسات المرتبطة بهما في المملكة، وأيضا لتقديم بحوث وتحليلات مستقبلية على نطاق عالمي، ومن المتوقع أن هذه المؤسسات الجديدة ستقود حركة البحوث في مجال الطاقة الشمسية والتقنية الحيوية والمياه والأنظمة البيئية وعلوم المواد وغيرها من المجالات، التي من شأنها أن تساهم في تحقيق الهدفين الرئيسين لتنمية الموارد البشرية والتنويع الاقتصادي. لقد أسهم اكتشاف البترول في إيجاد التنويع الاقتصادي وتعجيل حركة الابتكار التقني حيث كان البترول وسيظل مصدراً مهما للدخل وعاملاً مؤثراً في تحقيق هدف التنمية الاقتصادية والاجتماعية. الملك عبدالعزيز في زيارة استكشافية عام 1939م لبئر نفطي والاحتفاء بتدفقه بكميات تجارية جانب من مخيمات التنقيب عن النفط في صحراء المملكة لقطة المهمات الأولى لاستخراج النفط في المملكة مواطنان يديران العمل في أحد معامل النفط مد أنابيب البترول في الصحراء ضمن مشروعات أرامكو العملاقة