هذا العام يصادف الذكرى المئوية لقصيدة العلم والإيمان لشاعر النيل حافظ إبراهيم والتي ألقاها في حفل افتتاح مدرسة للبنات أقيم في مدينة بورسعيد عام 1910م. وعلى العموم لازال بعض قليل يتربص بزلات الآخرين ويجعل من الحبة قبة ولازال بعض قليل من الآخرين أيضاً يبحث عن الوهج الإعلامي بأي أسلوب أو تصريح أو فتوى أو مقال وقصيدة العلم والإيمان تطرقت وعالجت عدة قضايا من جوانب متعددة. ومن الغريب والمعيب أيضاً أن تلك القضايا لازالت عالقة لم تُحل ، ولازال الصخب والجدل يدور حولها على الرغم من أن كثيراً منها كان يجب أن يصبح من البدهيات التي لا تثير جدلاً، إما لوضوح الرؤية حيالها أو لأن القانون والنظام من القوة بحيث تصعب ممارستها، فالفساد وسوء الخلق وإساءة ممارسة التخصص وحقوق المرأة والفقر والغنى والعلم والأخلاق كلها أمور كانت تشغل الناس ولازالت تشغلهم وسوف تظل كذلك ما لم تتفوق التربية والتعليم وسيادة القانون على أصحاب النفوس الضعيفة التي لا تستشري إلا في ظل الاستكانة والتسيب اللذين يعمّان كثيراً من دول العالم الثالث. فخلال مئة عام انطلق العلم والمعرفة بسواعد تبني وعقول تفكر فنهض الغرب وصنع حضارة اليوم وتبعته شعوب من الشرق فهيمنوا على العالم ببضاعتهم ومنتجاتهم وثقافتهم وقوتهم الاقتصادية والعسكرية وبقيت الشعوب المستكينة مكانها تراوح في جدلية بيزنطية لاتقدم ولا تؤخر. هذا وقد كان مطلع القصيدة المذكورة: كم ذا يكابد عاشق ويلاقي في حب مصرَ كثيرة العشاق إلى أن قال: لهفي عليك متى أراك طليقة يحمي كريم حماك شعب راقي كلِفٌ بمحمود الِخلال متيم بالبذل بين يديك والانفاق ثم عرج على الاخلاق والصفات الحميدة مشيداً بهما فقال: إني لتطربني الخلال كريمة طرب الغريب بأوبة وتلاقي وتهزني ذكرى المروءة والندى بين الشمائل هزة المشتاق فإذا رزقت خليقة محمودة فقد اصطفاك مقسم الأرزاق ثم بعد ذلك صنف الناس حسب حظوظهم فذكر أن بعضهم حظه في المال ، وبعضهم حظه في العلم وآخرون حظهم في مكارم الأخلاق فقال: فالناس هذا حظه مال وذا علم وذاك مكارم الأخلاق والمال إن لم تدخره محصناً بالعلم كان نهاية الأخلاق والعلم إن لم تكتنفه شمائلٌ تعليه كان مطية الإخفاق بعد ذلك دخل في وصف الممارسات اللاأخلاقية التي يمارسها بعض المتخصصين سواء كانوا ممن يحسبون على الفقهاء أو الأدباء أو الأطباء أو المهندسين أو غيرهم فقال: كم عالم مد العلوم حبائلاً لوقيعة وقطيعة وفراق وفقيه قوم ظل يرصد فقهه لمكيدة أو مستحلّ طلاق يمشي وقد نُصبت عليه عمامة كالبرج لكن فوق تلّ نفاق يدعونه عند الشقاق وما دروا أن الذي يدعون خدن نفاق وطبيب قوم قد أحل لطبّه ما لاتحل شريعة الخلّاق قتل الأجنة في البطون وتارة جمع الدوانق من دم مهراق أغنى وأثمن من تجارب علمه يوم الفخار تجارب الحلاق ومهندس للنيل بات بكفه مفتاح رزق العامل المطراق تندى وتيبَس للخلائق كفه بالماء طوع الأصفر البراق لاشيء يلوي من هواه فحدّه في السلب حد الخائن المسراق وأديب قوم تستحق يمينه قطع الأنامل أو لظى الإحراق يلهو ويلعب بالعقول بيانه فكأنه في السحر رقية راقي في كفه قلم يمجّ لعابه سُماً وينفثه على الأوراق يرد الحقائق وهي بيضٌ نصّع قدسية علوية الإشراق فيردّها سوداء في جنباتها من ظلمة التمويه ألفُ نطاق عريت عن الحق المطهر نفسه فحياته ثقل على الأعناق لو كان ذا خلق لأسعد قومه ببيانه ويراعه السبّاق بعد ذلك عرج على تربية النشء الجديد وحض البنات والأمهات باعتبار المناسبة افتتاح مدرسة للبنات فقال: من لي بتربية البنات فإنها في الشرق علة ذلك الإخفاق فالأم مدرسة إذا أعددتها أعددتَ شعباً طيّب الأعراق الأم روضٌ إن تعهّده الحيا بالريّ أورق أيما إيراق الأم أستاذ الأساتذة الأُلى شغلت مآثرهم مدى الآفاق إلى أن قال: أنا لاأقول دعوا النساء سوافراً بين الرجال يجلن في الأسواق كلا ولا أدعو أنا أن تسرفوا في الحجب والتضييق والإرهاق ليست نساؤكم حلى وجواهرا خوف الضياع تصان في الأحداق ليست نساؤكمُ أثاثاً يُقتنى في الدور بين مَخادع وطباق تتشكل الأزمان في أدوارها دولًا وهن على الجمود بواقي فتوسطوا في الحالتين وأنصفوا فالشر في التقييد والإطلاق ربّوا البنات على الفضيلة إنها في الموقفين لهن خير وثاق وعليكمُ أن تستبين بناتكم نور الهدى وعلى الحياء الباقي نعم الحياة تتغير ومتطلبات الزمان والمكان تتغير ، ووسائل التواصل والاتصال تتطور وأساليب التلقي والتثقيف وطرق التربية والتعليم تتقدم، وأصبح حراك الحياة لايعتمد على نصف المجتمع وهو الرجل، فللمرأة دور بارز أصبحت تضطلع به. وعلينا أن نتحرك في الاتجاه الذي يضمن لنا الاستفادة من القوى البشرية المتوافرة بكامل طاقتها من رجال ونساء وأن نستغني عن الاتكالية التي قتلت شبابنا وبناتنا والتي من أهم أسبابها الاعتماد على الخادمة والسائق في تسيير أمور حياتهم ؛ فكبروا وأصبحوا اتكاليين في كل شيء لايجيدون أو يتحملون أبسط المسؤوليات. ويظل التنظير والافتراض هو المسيطر على أسلوب إدارتنا ومطالبنا لشؤون حياتنا وبعد ذلك نطالبهم بأكثر مما يتحملون. وعلى العموم لازال بعض قليل يتربص بزلات الآخرين ويجعل من الحبة قبة ولازال بعض قليل من الآخرين أيضاً يبحث عن الوهج الإعلامي بأي أسلوب أو تصريح أو فتوى أو مقال ولذلك فإننا بحاجة إلى فلترة وليس حجباً أو منعاً لتلك الممارسات حتى لا تكون هي الطاغية على السطح خصوصاً أنها لا تستحق ذلك، والأبعد من ذلك حتى لانظل نناقش ونتخاصم في بدهيات لا طائل من ورائها. أعود مرة أخرى إلى قصيدة العلم والإيمان الآنفة الذكر والتي لا زلنا نتمثل في كثير منها في عالمنا العربي على الرغم من حلول الذكرى المئوية لإلقائها.. والله المستعان.