قرأت في صحيفة البلاد بتاريخ 21 11 1431ه، قصيدة لمعالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة بعنوان «في حضرة النور» فكرتني ب ملحمة رسول الله عليه السلام التي نضمها الشاعر الكبير عمر أبو ريشة والتي بدأها بمطلع: أي نجوى مخضلة النعماء رددتها حناجر الصحراء سمعتها قريش فانتفضت غضبى وشبت مشبوبة الأهواء ولعل شاعرنا أهدى إلينا قصيدته النورانية الرائعة فأثلجت صدورنا، وأيقظت فينا الغيرة على نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم للدفاع عنه، ومقارعة أعداء الدين، ذلك أن أعداء الإسلام جددوا حروبهم وإشاعة الأباطيل التي ألصقوها الى الرسول صلى الله عليه وسلم وبزوجاته الطاهرات رضوان الله عليهن أجمعين. الوعي مجدداً بقيم النبوة: الكتابة عن الكتابة شيء من الوجع، لا سيما إذا كانت الرؤية تستحضر أقوالا سابقة وتشخص صورا حاضرة في المشهد الآني، وتحيلنا الكتابة إلى نقد الذات عبر المقروء ونقد الآخر أثناء الكتابة، وفي كلا الحالتين تعبير محرض على التقصي من خلال تمرير الذائقة على غربلة النص وإسكاته في حضن اليقين بدلا من بقائه ملتاعا في ثورة الذات. تمهيد لا أكثر للدخول إلى النص، فالنص بيت الكائن، والدخول إلى البيت يقتضي المعبر كي لا تنعمي الدروب إليه، لذك.. وجب علي النبش في ذاكرة التاريخ الشعري من خلال استدعاء قصيدة البردة للشاعر كعب بن زهير التي كتبها معتذرا للنبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: نبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول وقد أتيت رسول الله معتذرا والعذر عند رسول الله مقبول مهلا هداك الذي أعطاك نافلة القرآن فيها مواعيظ وتفصيل لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب وقد كثرت في الأقاويل واعقبه البصيري بقصيدته التي مطلعها: مولاي صلي وسلم دائما أبدا على حبيبك خير الخلق كلهم ولا أعدت من الفعل الجميل قرى ضيف ألم برأسي غير محتشم لو كنت أعلم أني ما أوقره كتمت سرا بدا لي منه بالكتم لم يكن البصيري مأخوذا بالحياة بقدر ما كان وفيا للعودة إلى نص وذاكرة خالدة تسري بنا إلى الطهر وأننا في استجابة دؤوبة، ولهذا يكمن الحس النبيل في كل شطر من قصيدته، ليعلمنا كيف يمكن لشاعر أن ينتمي لرسالته ويجدد روحا كتلك الروح المحلقة حول وهج النبوة. وجاء أمير الشعراء أحمد شوقي ليجدد الذكرى العطرة بقصيدته (البردة) و(الهمزية) اللتين جدد بهما الذكرى العطرة لخاتم رسل الله صلى الله عليه وسلم. فنقرأ أبياتا من قصيدة البردة بقول شوقي: رزقت أسمح ما في الناس من خلق إذا رزقت التماس العذر في الشيم لزمت باب أمير الأنبياء ومن يمسك بمفتاح باب الله يغتنم فكل فضل وإحسان وعارفة ما بين مستلم منه وملتزم محمد صفوة الباري ورحمته وبغية الله من خلق ومن نسم وصاحب الحوض يوم الرسل سائلة متى الورود وجبريل الأمين ظمي سائل حراء وروح القدس هل علما مصون سر عن الإدراك منكتم كم جيئة وذهاب شرفت بهما بطحاء مكة في الاصباح والغسم ان الشمائل ان رقت يكاد بها يغري الجماد ويغري كل ذي نسم هناك أذن للرحمن فامتلأت أسماع مكة من قدسية النغم هنالك ثمة مشتركة، وحراك متجدد يصل هذه القصائد عبر نبرة حب لخير خلق الله وإحساس متصل، وهذه القصائد المتخمة بالاعتذارات، تحيلنا إلى معترك الخطايا التي تبدر من الكائن البشري.. ومن هنا جاءت قصيدة وقصائد (البردة) حيث إنها تلهج بالثناء على خير خلق الله، فقد سبق كل قائل الحق في الثناء على عبده بقوله: «وإنك لعلى خلق عظيم». إذاً فلمسة الغفران في هذه القصائد هي من رب العباد وخالقهم وحين نعبر إلى قصيدة الدكتور عبدالعزيز خوجه بذات الرؤى في الثناء على رحمة الله للعالمين كما شكلت القصيدة عنوانها (في حضرة النور) وحين نحلل عنوان القصيدة كما ينبغي نجده يهدف إلى تلك الإشعاعات، فالنور يأتي كماح للعتمة. يقول الشاعر: قد أبشر الكون لما جاء مولده وطاح إرث من الإيمان بالصنم لا رب إلا إله واحد أحد لا عهد إلا على عهد من الشيم مجدت باليتم حتى صار مأثرة وأكرم الحجر المرموق باليتم جزت الفصاحة يا طه إذا أكتملت فيك البلاغة من رأى ومن كلم لو أردنا تفكيك بنية النص بحسب نظرية جاك دريدا لوصلنا إلى ذات القيم النبيلة التي أوردها كعب بن زهير في بردته الأولى، وهي لا تختلف عن غفران البصيري وعن ميمية أحمد شوقي رغم اختلاف تسلسل الفكرة بحسب البناء الكلاسيكي، ولكن الروح المشبعة بالحب الدافق نجدها تذوب في لحظة العرفان حيث الروح أصل الأشياء بحسب تعبير الكلاميين. في استدلال آخر من قصيدة الدكتور عبدالعزيز خوجه على أن هاجس الغفران، ولحظة العزلة في زوايا الدعاء، وفي مقطع جلي وصريح إذ يقول: حاشاه ربك ما سدت على أحد أبواب رحمته من زلة القدم فاشفع إذا ظلموا لعلهم ندموا كم يغفر الله رحمي ذنب متهم فلطف ربك موصول برحمته وأنت شفيع الخلق من قدم أنت الذي لا يرد الله دعوته فاغسل ضمائرنا من حوبة السأم واختم طرحي بصورة فاضت فيها وشائج الشاعر لتبين حالنا اليوم لأننا مشغولون عن الله وعن الإسلام الجوهر المصفى، إننا اليوم كثرة ولكننا كما يقول الحديث، غثاء كغثاء السيل: إليك أشكو وصايا الغدر في زمني وبعض شكواي جرح نازف الحمم فأمة العرب والإسلام ناشجة على الغوابر في عصر بلا ذمم ما حكموك لخلف طال بينهم وكم تناءوا عن الآيات في الصمم