جوزيف بريسنو البالغ من العمر (27) عاماً هو أحد الجنود الذين تعرضوا لأخطر الإصابات في أرض القتال ضمن من ظلوا على قيد الحياة حيث استقر عيار ناري في مؤخرة رأسه في أحد أسواق مدينة بغداد عام 2003م مما أدى إلى إصابته بالشلل بالإضافة إلى تلف المخ كما فقد بصره تماماً بيد أنه ظل مع ذلك محتفظاً بوعيه مدركاً لحالته. وقد ظلت أمه إيفا بريسنو تنهض بأعباء رعايته في منزلها الكائن في ضواحي فيرجينيا حيث تحولت غرفة المنزل إلى وحدة عناية مكثفة تضم جهاز التنفس الصناعي والأنابيب التي يحتاج إليها جوزيف لكي يبقى حياً. لقد أصبح برنامجها اليومي مكرساً بأكمله للعناية بابنها المقعد وتعهده بالرعاية الحقة بدءًا بتنظيف جسده وأسنانه بالفرشاة والمعجون وسحب السوائل من رئتيه وإجراء تمارين العلاج الطبيعي لأطرافه الساكنة بلا حراك فضلاً عن تقليبه على السرير لئلا يصاب جسده بالبثور والتقيحات. وتظل الأم على هذا الدأب فلا تكاد تذوق للنوم طعماً. أما الخروج من المنزل، فهو أمر معدوم تماماً إذ لم تصطحب زوجها لتناول العشاء خارج المنزل إلا مرة واحدة فقط خلال سبع سنوات. وقد كان بإمكانها أن تعيش بشكل أفضل لو أنها ارتضت إرسال جوزيف إلى إحدى دور الرعاية والتمريض أو إذا استفادت من ممرضات الرعاية الصحية المنزلية اللاتي توفرهن الحكومة بيد أنه نداء الأمومة الذي يلح عليها بأن تتكفل بنفسها برعاية ابنها وهي لا تشعر بأي أسى أو أسف على ما تقوم به هي وإنما على ما ألمّ به هو. ومع ذلك فهي تستجير من ضيق العيش بفسحة الأمل بأن يحدث تطور طبي مستقبلي ينهي آلام ابنها ويضع حداً لمعاناته. أما زوجها جوزيف الأكبر الذي تعرفت عليه منذ المرحلة الدراسية الابتدائية في بلدهما الأم، الفلبين، فقد كان فخوراً أيما فخر بزوجته. لقد كان ابنها طالباً في ربيعه العشرين بجامعة جورج ماسون في عام 2003م حيث كان مفعماً بالأمل بأن يصبح متخصصاً في مجال العلوم العدلية. ولشدَّ ما كانت دهشته أنه سرعان ما تم استدعاؤه بمجرد التحاقه بالجيش الاحتياطي. لم تكن الأم في بادئ الأمر تشعر بأي قلق لا سيما وأن ابنها قد تم تكليفه بمهام مدنية تتمثل في بناء العلاقات مع المجتمع المدني بالعراق. وما هي إلا أشهر قليلة حتى أتت الأخبار تحمل في طياتها ما لا يسر حيث ورد أن أحد هؤلاء المدنيين الذين يستهدفهم جوزيف الأصغر قد صوب عليه طلقة استقرت في مؤخرة دماغه مما أدى إلى تناثر الحبل الشوكي كما أن النوبات القلبية المتكررة أفضت إلى تلف المخ الأمر الذي أفقده القدرة على الإبصار وأقعده عن الحركة. أما والدته ووالده فقد تركا عملهما وأنفقا مدخراتهما في سبيل العناية بابنهما بعد أن غادر المستشفيات ودور النقاهة ومراكز إعادة التأهيل عائداً إلى المنزل. وأما شقيقتاه الصغريان ماليري وشيريلين فقد بذلتا ما في وسعهما في رعاية شقيقهما كما أن الوالد لم ينس نصيبه من ذلك. بيد أن العبء الأكبر كان يقع بطبيعة الحال على عاتق الأم. الأم إيفا تطمئن على راحة ابنها في كرسيه المتحرك في منزلهم في مانساس بارك بولاية فيرجينيا (أ ب) في بادئ الأمر ظلت الأم تتولى رعاية ابنها في قبو المنزل بالطابق تحت الأرضي وبعد ذلك تم الانتقال إلى الأدوار العلوية للمنزل. وكانت تملأ له وقته بأن تقرأ عليه الأخبار وتقول له كيف أن مظهره أصبح رائعاً وملابسه أضحت جذابة كما أنها كانت تقوم بتشغيل الأعمال الموسيقية والغنائية المفضلة لديه. لا مراء في أن العناية به تتطلب برنامجاً في دقة وصرامة البرامج العسكرية حيث أن المشاوير إلى البقالة أو إلى اي مكان لا بد أن تتم بموجب تخطيط مسبق قبل يومين من تنفيذ المهمة. يبدأ البرنامج في السادسة صباحاً بإعطائه الأدوية المقررة ومن ثم قياس ضغط الدم ودرجة حرارة الجسم وبعد ذلك تبدأ مهمة المساعدة على الإخراج وما يصاحب ذلك من معاناة وإعطاء التحاميل. بعد ذلك يتم تنظيف أنبوب التنفس الملحق بجهاز الإنعاش والتنفس الصناعي وبعد الظهيرة يوضع على الكرسي المتحرك ومن ثم يتم حقن المغذيات في أنبوب التغذية الخاص به بينما يستمتع بأن يستمع إلى الموسيقى. في فترة الأصيل يبدأ برنامج العلاج الطبيعي وجلسات الطقوس ثم يأتي المساء والعلاجات الخاصة بالتنفس وتفريغ كيس التبول ووزن محتوى الكيس لأن التغيير في حجم المحتوى قد يعني وجود مشكلة ما. تتحدث أيفا في هذا الخصوص واصفةً ما تقدم بقولها إنه عندما يتم الاعتناء والقيام بمثل هذه الاحتياجات الأساسية للأطفال فإنك "تراهم وهم يكبرون أمام ناظريك يوماً بعد يوم" مما يشعرك بمتعة لا تدانيها متعة وأنت تراهم يتقدمون أمامك على مدارج التطور. أما بالنسبة لابنها فإن كل يوم هو عبارة عن نسخة طبق الأصل عن اليوم السابق له والتغيرات الوحيدة التي تحدث هي التغيرات نحو الأسوأ. قبل عام تعرض جوزيف لانتكاسة ففقد القدرة على البلع وقبل شهرين عانى من ألم في الكلية ومن نزيف داخلي إثر عملية لتفتيت الحصى في الكلى. عندما أوضح الأطباء حجم الإصابة في بادئ الأمر ورأت الأم بعينيها كبر الحجم وشرحوا لها كيفية العناية به ظنت في الوهلة الأولى أنها لن تستطيع الاعتناء به لكنها في واقع الأمر كانت في مستوى التحدي. أما درجة العناية التي نهضت بأعبائها عائلة جوزيف، عائلة بريسنو، فقد كانت استثنائية وخرافية وخارقة للعادة كما وصفها الدكتور ميتشل والين اختصاصي طب المخ والأعصاب بجامعة جورج تاون والمركز الطبي لشؤون قدامى المحاربين في واشنطن منطقة كولومبيا. وهو أحد الأطباء الذين باشروا حالة جوزيف. فقد تحدث الدكتور والين قائلاً: "إن معظم المرضى الذين يعانون من مثل هذه الحالة لا يستطيعون العيش في المنزل" واصفاً أسرة جوزيف بأنهم "يقومون بمجهود جبار وعمل لا يصدق. إنهم لا يأخذون ما يكفي من الراحة وإنما يكرسون كل وقتهم لخدمة ابنهم". ماليري بريسنو (22 عاماً) تتحدث إلى شقيقها جوزيف الذي لم يفقد الإحساس بمن حوله (أ ب) وقد كانت لدى والد جوزيف خطة تتمثل في تأسيس وكالة خاصة به لتقديم الرعاية الصحية المنزلية وذلك لتوفير الممرضات لابنه وللمصابين الآخرين في ميادين الحرب. وتحدث عن ذلك قائلاً: "إن الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها المضي قدماً في حياتنا تتمثل في إجراء المقابلات مع الممرضين والممرضات منذ البداية لأجل تعيينهم. وقد كانت إحداهم صريحة بأن قالت بكل وضوح إنها مستعدة لتقديم خدماتها لأنها تبحث عن المال. فنظر كل منا إلى الآخر وقلنا لها إنها جاءت إلى العنوان الخطأ وطلبنا منها عدم العودة إلى منزلنا مرة أخرى". تشعر عائلة جوزيف بالفخر والاعتزاز لخدمة ابنهما رغم الثمن الباهظ الذين يدفعونه جميعاً في الوقت الحالي. وقد تحدث والد جوزيف الذي أمضى هو نفسه في خدمة الجيش 17 عاماً فقال إن ما حل بابنه يعد من آثار الحرب، مضيفاً أنها تؤثر على الأسر واصفاً إياها بأنها قبيحة وأن الأمريكيين يجب أن يكونوا على علم بذلك". أما الأم فهي تعترف بأنها تشعر بالأسف ولكنها تشعر أيضاً بالاعتزاز. وقد قالت في هذا الصدد: "ربما تشعر الأمهات الأخريات بالندم بأن يذهب أبناؤهن أو بناتهن إلى الحرب وبصفة خاصة عندما يعودون إلى الوطن مصابين. ليس من السهل عليك رؤية طفلك في هذا الوضع"، وأردفت تقول: "اننا فخورون أيما فخر بابننا جوزيف ونحمد الله في كل يوم على أن وهبنا إياه ووهبه لنا".