عن دار كلمة، صدر ليمنى سالم، مجموعة نثرية وسمتها بعنوان ( عروس الكون ) في إحدى وستين صفحة من القطع المتوسط، حملت بين طياتها جملة من الرؤى التي استهلتها المؤلفة ب( دائرة الغياب) التي رسمتها الكاتبة بريشة شرفة تطل على مواقع القلوب، وتشرف من خلالها على الكثير مما تتشكل به حياتنا اليومية، بأدوات مختلفة استطاعت بها يمنى أن تتجاوز أرصفة الحياة، إلى أغوار سراديب القلوب لتسمع تسابيح الصلوات حينا، وتبشر برجوع العائدين في قوافل الأيام حينا آخر.. عبر نوافذها الجنوبية التي تظل معها ليست بحاجة إلى نوافذ في جهات أخر، لتنظر منها المؤلفة إلى الليل والذكريات والسفر والنجوم. لم تكن أبابيل الوجع أشد ألما لدى الكاتبة من تحطم الآمال مرتين، الأولى عدما تحولت أسراب الطيور المبشرة بقدوم إلى طيور أبابيل.. والثانية عندما رفض العابرون أن يقرأوها سرا، عندما أبكوا القمر من أجلها، والتهموا ما بقي ليمنى من فتات الأمل، وتركوها تختزل أفراحها على قارعة العتمة مغلقين في طريقها كل باب كانت تؤمله مسلكا لتوبتها، لتظل حبيسة صمتها، عندما لم تحسن سوى الكتابة بأصابع الريح عن سرها، الذي يتساقط من سبورة فضاء الليل إلى ظفائرها.. لتظل كالمستغيثة من الرمضاء بالنار، عندما لم تجد سوى معالجة حزنها بمرارة من أساها.. لتتساقط طفولتها في تلك الليلة لتعود مرة أخرى تكتب رسالة للريح (الضوء الذي غزلني كان عتيقا، حمل معه خلاصة أساطير الشعوب، وخرافات الأمم فعلمني كيف أرتشف جمال الأساطير، وكيف أخلق خرافة لا تخص أحدا سواي). لقد أيقنت الكاتبة بأن صمتها خطيئة لا تغتفر، وما تكتبه من شعر غواية تستمر وتتدفق عبر (معجم الغواية) الذي لا يزال مكب صمتها في قلب نهر لم يغرق فيه سوى دواوين معاجم شعر للعشاق، حكاياتها كهوف، وقوافيها اشتياق، وتفاعيلها وشوشة ليل، ومعانيها مخبأة في عيون غفت ذات يوم ولم تفق بعد. أما عروس الكون فقد ألقاها طائر خرافي، عاش على الأرض بضعة وخمسين وجعا، ريشه محطم في أياد الريح، إلا أن ريشه سرعان ما يتحول إلى أدوات للكتابة لكونه مغموسا في محبرة الفضاء.. ذلك الريش الذي لا يمكن أن يكتب عن أي شيء في وجود الكاتبة إلا عن سرية عروس متفردة.. خطبها الكون لنفسه، فراحت تفترش فضاءاته، وتتوسد أقماره، وتلتحف البياض.. ساكنة أهداب الليل، لتعزف قيثارة من كلماتها التي اتخذت منها لحنا مقامه الشعور، وسلمه العشق، وصوته ألوان الطيف.