جمعتني الطفولة البريئة بسوزان .. اجتمعنا .. ارتبطنا .. تزاملنا .. تصادقنا .. تصاحبنا منذ نعومة أظافرنا. أكثر من أربعة عقود من الود الخالص بيننا أمسكنا بأطراف خيوطه منذ الحضانة بمدارس النصيفية مع صديقتي ورفيقة عمري الأستاذة الدكتورة سوزان محمد بترجي رحمها الله .. ثم فرقتنا المدارس جسداً ولم تفرقنا أبداً روحاً ونفساً ومشاعر .. ثم اجتمع الجسدان بالروحين مرة أخرى حين جمعتنا الدراسة بكلية العلوم ... التصقنا أكثر كمعيدات ومحاضرات ثم عضوات هيئة تدريس حتى وصلنا معاً إلى درجة الأستاذية.... وكأن القدر يريد أن يرسخ رابط الأخوة ويؤكده فأراد لنا أن نتزامل حتى في مجال الإدارة كوكيلات لكلية العلوم .. ولم تكن زمالة عادية بل كانت زمالة وصداقة مميزة لم يحدث يوماً بيننا ما يحدث عادة من اختلاف الرؤى ووجهات النظر بين الزملاء، وإنما كان هناك توافق وتآلف وود .. ولم يكن لارتباط على هذه الدرجة من الخصوصية أن يمر دون علاقات عائلية راقية ومتميزة جسدت صورة الصداقة الحقة في أسمى معانيها .. كانت تحرص – رحمها الله – على أن تقضي العشر الأواخر من رمضان في مكةالمكرمة وكانت تبادرني بالاتصال من الرحاب المقدسة سواء كنت في مكةالمكرمة أو خارجها فيتأكد لدى كل من يقترب منها كم كانت متدينة وورعة .. كم كانت مهذبة ومخلصة وصادقة وصدوقة .. كم كانت كريمة ومجاملة .. كم كانت خفيفة الظل وحاضرة البديهة ولطيفة المعشر .. تلك خيوط شخصيتها، وذلك سر تفردها وسر حب ودعاء الناس لها حتى ودعت هذه الدنيا مبطونة شهيدة – بإذن الله تعالى – فأحسن الله ختامها وتقبلها الله بقبول حسن .. فإلى جنة الرضوان يا سوزان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .. إنا لله وإنا إليه راجعون. سوزان .. توأم روحي .. ورفيقة دربي .. وصديقة عمري : ما جال في خاطري أني سأرثيكِ وما ظننت وأحلامي تسامرني أني سأبكي في ذكرى لياليكِ أضفى إلهي عليكِ ظل رحمته وظل من منهل الرضوان يسقيكِ تبلى العظام وتبقى الروح خالدة حتى تُرَدُّ إليكِ يوم يحيكِ وأسال الله سبحانه وتعالى أن يعوض والديها وأبناءها وزوجها وإخوانها وكل محبيها عنها خيراً وأن يلهمهم الصبر والشكر والاحتساب وأن يبارك في أبنائها ويحفظهم من كل سوء فهم – بإذن الله – خير خلف لخير سلف.