أتوقف كثيراً عند ذلك المبدأ الإسلامي العظيم الذي غالبا ما تحمله جملة من ثلاث مفردات أو من مفردتين " العفو عند المقدرة " أو " فصفحا جميلا " ، وعاء بالغ الضيق يستوعب من المعاني ما يملأ الأرض، أمر للمسلم أن يكون رحيما بمن واجهه بالأذى والخطأ، ولكنه أمر رحيم لا يغفل حق المسلم المعتدى عليه، ويمنحه هامشا من الخيار أن يطبق شريعة العين بالعين والسن بالسن دون أن يلام على التمسك بحقه، هذا ما تعنيه " عند المقدرة " وما تعنيه صفة الجمال في الصفح.. أمر اسلامي يقدر كمد المظلوم ووجع المبتلى فيقف عند حدود الشرط بأن يكون قادرا على نسيان كمده أو تجاوز غيظه إن قدم الصفح على الانتقام. المسلمون الطيبون قدموا صورا شتى لأنواع الصفح .. من سُرِق منه ماله فعلم أن السارق كان تحت وطأة العوز والمرض فعفا عنه، ومن تلقى اهانة لا يستحقها، أو روجت عنه الأقاويل والحكايا الكاذبة ثم اعترف أمامه الجاني بأنه قد أخطأ فعفا عنه في وقت كان بمقدوره أن ينال منه حقه .. الى آخر تلك الحالات، فديننا الاسلامي الحنيف دين التسامح والرحمة.. لكنني أود أن أسأل واحداً ممن وجد في نفسه قدرة الصفح كيف يكون الأمر لو أنه داهمه انسان لا يعرفه وهمّ بقتله بلا سبب أو ضغينة أو ذريعة في الثأر لشيء لكنه فشل، هل كان يجد في نفسه " مقدرة الصفح الجميل" عمن واجهه بالعدوان؟ . لا أظن أن واحداً من البشر لديه قدرة الصفح هذه ولهذا كان المبدأ الإسلامي عادلاً في تقدير سكيولوجية المظلوم فمنحه حق المقدرة . منذ يومين نشرت الصحف خبر العفو الملكي الكريم عن اثنين من الأطباء المدانين في وقائع الاعتداء على حقوق بعض المواطنين واللذين أمضيا فترة من عقوبة السجن، قرأت الخبر وقرأت بعض التعليقات عليه، وقرأت ما نشر عنه في الصحف خارج المملكة، بعض الكتابات تركت الأحداث والوقائع وراحت تبدي دهشتها من شخصية خادم الحرمين الشريفين.. إنه رجل شديد الغيرة على أبنائه وشديد الحب لهم، لكنه مسلم ليس كأي مسلم، ففي عروقه وضميره وقلبه تنبض عظمة الدين بكل قوة ويريد لأبنائه أن يكونوا على شاكلته، في كل الظروف والأحوال لا تعوزه قدرة الصفح الجميل، وهل بعد أن صفح عن أناس جاءوا ضيوفاً على المملكة فأكرمتهم وقدمت لهم كل ما يحتاجون، فاذا بهم قد جاءوا يضمرون الشر له شخصياً، جاءوا متآمرين عليه وبلا سبب يتربصون به، وما أن آلت اليه مقاليد الحكم حتى بادر بالعفو عنهم وتركهم للعودة الى بلدهم.. هل هناك " مقدرة " على الصفح الجميل في قلب رجل آخر بخلاف خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله وشمله برعايته وأثابه على عمله _ تمكنه من الصفح عمن جاء يتربص به ويترصده؟