يوجد في هذه الدنيا ثلاثة عوالم (مفرد كلمة -عالَم- بفتح اللام)، لا اعني التصنيف الموجود حالياً للدول ، دول العالم الأول والثاني والثالث، لأسباب يُستند عليها في هذا التصنيف ومنها تطبيق الديمقراطية والتطور في المجال العسكري والصحي والاقتصادي وغيرها من الأسباب المزعوم أنها هي الأسس في التصنيف لهذه الدول، أما المراد هاهنا بالعوالم فهي العوالم الطبيعية بتصنيف رباني مميز. ابتدِاء من عالمنا (عالم الأرض)، والذي نعيش فيه ونستمتع بمناظره ويا ليت بعضنا ينتبه إليه ليبقى بجماله المبهر وتضاريسه المختلفة والرائعة التي خلقها الله سبحانه بها (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ)، فهذا العالَم قد يُعتبر التفكر والتأمل لدى البعض فيه شيئا عادياً، لأنه أمام مرأى من أعينهم فلا يحسون بقيمة ونعمة التأمل فيه بعناية لأدق ما يوجد فيه أو عليه، بل يمرون عليه مرور كرامٍ ضعفاءٍ في البصر والبصيرة، ولو تحدثت عن هذا العالَم بأبسط ما يحتويه لما اتسع لنا المجال لنعطيه حقه، والذي يعاني من ويلاتنا حيث دُمر بعضه بحروب، ولوث بعضه الآخر بعذر يسمى بالتطور أو التطوير، وشُوّه الباقي بعبث العابثين. وأيضاً لا ننسى (عالم الفضاء) وما يحتويه من مناظر خلابة، حملت أجمل تفاصيل في الألوان والأشكال، سبحانك يا الله جعلت عبادة التأمل في هذه الطبيعة أسهل طريقة لبني البشر المتفكرين منهم لزيادة الإيمان في قلوبهم، (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)، ولو كانت زيارة هذه اللوحات بالأمر السهل لما ترددت للحظة بأن أذهب لأي مكتب سياحي لأشتري تذكرة سفر (الرياض - القمر - الرياض) لأروي جذور حُب قديمة من الاستطلاع والاستكشاف والإعجاب بها، ولكن غلاء هذه التذكرة وما يتخلل هذه الرحلة من مخاطر قد يحول بيني وبين الإقدام عليها، ولربما اكتفيت بفتح نافذتي وأنا أتنقل جواً من بلد إلى آخر لأدغدغ أحاسيسي بالاقتراب منها . أما آخر هذه العوالم فهو العالم الذي لابد لنا أن نزوره لا محالة (لمن أستطاع إليه سبيلا)، لعدم وجود مانع قد يمنعنا من زيارته إلا الجرأة للإقدام على هذه المغامرة، وما على زائره إلا أن يتعلم ويتجهز بالعتاد والعدة استعدادا لاستكشاف روعاته ، ألا وهو (عالم البحار) ، ولا أخفيكم بأن الله قد مَنّ علي بزيارة هذا العالَم لعمق ثلاثين متراً تقريباً ورؤية مخلوقاته وشُعبه المرجانية العجيبة في تشكّلها وتلوّنها، وما كان من ساكني هذا العالم إلا أن رحبوا بنا ترحيباً يليق بطبيعتهم، ولم تكن ردة فعلي آنذاك إلا أن اطلب ممن كان حولي أن يمهلني وهلة في هذا العمق لأسجد لله سبحانه تعظيماً وتبجيلاً له، لما رأيته من عجائب قدرته وعِظَم خلقه، فسجدت والابتهال والاستغراب يختلج بدمي لعظم ما رأيت ، ولكني تضايقت بعض الشيء حيث بدأ هذا العالم يلحقه ما لحق بإخوته من اعتدائنا عليه، حيث لا يكاد يخلو من المخلفات ممن يدعون أنهم يستمتعون به . التأمل .. هو مركبُنا الذي يجب علينا أن نمتطيه في حال رغبتنا في السفر للاستطلاع على هذه العوالم وهو منطلق العقلاء والمفكرين من المؤمنين - وهم ندرة - أما الذين يشكون من قلة إيمانهم فأنصحهم بالالتجاء إلى كثرة التأمل في حياتهم فلا يمشون في الأرض مرحا بدون تفكر وتأمل، وسيجدون أنفسهم على أقصر الطرق المؤدية إلى قوة الإيمان في قلوبهم ، أتعجب كثراً لما آل إليه أمر هذه العبادة وكيف أنها همشت وأهملت و لربما استهزئ بمن يحب أن يمارسها . تأمل في كل شيء حولك تأمل في نفسك وما يحتويه جسدك من أعضاء أعظم من الأجهزة، مرتبة في وظائفها ودقيقة في عملها، عجز الإنسان ولا يزال يقف عاجزاً أمام العجائب التي يكتشفها فيها ، تأمل في جميع الكائنات الحية وتفكر بها باختلاف أشكالها وأحجامها وأنواعها وكيف أنها تعلمت بأن تحافظ على سلالتها من الفناء، تأمل في خلق الأشجار، وفي هيبة البحار، وفي تقلب الليل والنهار، تأمل حتى تنهار من التأمل لجميع ما حولك دون أي استثناء ، ستعجز عن تفسير ما تتأمله، بل أجزم بأنك ستحاول - ما استطعت - بأن تحجب نفسك عن الجهيش والبكاء أمام عظمة ما تراه (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) . دمتم سالمين ...