شاركت في الأسبوع الماضي، بدعوة من سفير جمهورية كازاخستان في المملكة السيد خيرات لاما شريف، في فعاليات الطاولة المستديرة التي نظمت بالتعاون مع معهد الدراسات الدبلوماسية بمناسبة مرور خمسة عشر عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وجمهورية كازاخستان، حيث كان محور النقاش يدور حول السبل الكفيلة برفع مستوى العلاقة بين البلدين إلى درجة الشراكة الاستراتيجية. وكان من بين الأسئلة الكثيرة التي طرحت للنقاش سؤال حول الأسباب التي أدت إلى تحسن البيئة الاستثمارية في المملكة وتقدمها، في التقرير الذي أصدرته مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي، إلى المركز الثالث عشر في مجال ممارسة الأعمال من بين 183 بلداً شملها التقرير، لتتبوأ المملكة بالتالي مركز الصدارة في الشرق الأوسط والعالم العربي في هذا المجال. فما الذي يمكن قوله للإجابة على السؤال الذي طرحه الزملاء الكازاخستانيون؟ أعتقد أنه لا بد لنا من العودة بالذاكرة إلى نهاية القرن المنصرم، ففي تلك الفترة كان الشعور السائد في أوساط الأعمال والمهتمين بالشأن الاقتصادي في المملكة هو أننا ما عدنا بلداً مغرياً لجذب رؤوس الأموال الأجنبية. ففي خلال الفترة الواقعة بين 1984 2000 وصل المجموع التراكمي للاستثمار الأجنبي في بلادنا إلى 6.4 مليارات دولار، بينما بلغ حجمه 75 مليار دولار في سنغافورة خلال ذات الفترة المشار إليها. ولهذا فقد تدنت حصة استثمار رأس المال الأجنبي إلى الناتج المحلي الإجمالي في بلدنا من 26% بداية الثمانينيات إلى ما يقارب 18.4% عام 2001. في حين أن المتوسط في الدول النامية هو 27%. وهذا التدني وصل إلى درجة أن أصبح صافي المتوسط السنوي للتدفقات الاستثمارية إلى تكوين رأس المال الإجمالي في المملكة نحو 1.3% فقط خلال الفترة 1993 2000، في الوقت التي بلغت هذه النسبة في سنغافورة وماليزيا 30.8 و18.2% على التوالي. ولهذا صرنا نطرح على نفسنا سؤالاً معاكساً لما طرح على الطاولة المستديرة السعودية- الكازاخستانية: لماذا تتدفق الاستثمارات على جنوب شرق آسيا مثل السيل في الوقت تتراجع تدفقاتها علينا؟ ولهذا وللرد على ذلك التحدي قررت قيادة المملكة إجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية لوضع البلد في مصاف البلدان الأكثر جذباً للاستثمار في العالم. فبتوجيهات من المجلس الاقتصادي الأعلى الذي يرأسه خادم الحرمين الشريفين- حفظه الله- الذي كان حينها ولياً للعهد تم إنشاء الهيئة العامة للاستثمار عام 2000، وذلك بهدف الارتقاء بالمناخ الاستثماري في المملكة ليصبح منافساً ليس فقط على المستوى العربي وإنما العالمي. ومنذ ذلك الحين بدأ المناخ الاستثماري في المملكة يتحسن باضطراد. فقد صدر نظام جديد للاستثمار الأجنبي ولائحة تنفيذية له ورافقها العديد من القوانين المتصلة بتشجيع الاستثمار. كما تم التوقيع على 17 اتفاقية مع الجهات الحكومية ذات العلاقة بالاستثمار تضمنت آليات وحلول عملية للتغلب على التحديات التي تواجه رجال الأعمال والمستثمرين عند إقامة مشروعاتهم الاستثمارية بالمملكة حيث ركزت تلك الاتفاقيات على تحسين بيئة الاستثمار بالمملكة وتهيئة المناخ الملائم لاستقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية. كما تم وضع برنامج 10 في 10 وتأسيس المركز الوطني للتنافسية في عام 2006 بهدف متابعة وتقييم التطور في تنافسية المملكة بصورة مستمرة. هذا بالإضافة إلى إنشاء المدن الاقتصادية التي سوف تعطي دفعاً قويا لتنويع القاعدة الاقتصادية وتعدد مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط. وترافقت هذه التغيرات الاقتصادية المهمة مع تطوير مناهج التعليم والارتقاء بالتعليم الجامعي، حيث جاء افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ليسجل نقلة نوعية جديدة في تطور هذا القطاع الحيوي. وهذا سوف تكون له آثاره البعيدة على مناخ الاستثمار في المملكة. فاليد العاملة المدربة الماهرة تعتبر من عوامل جذب الاستثمار. حقاً إن تجربتنا في التحول من بلد غير جذاب للاستثمار إلى مستقطب له هي تجربة رائدة ومفتوحة لكل من يرغب الاستفادة منها. بيد أن هذا لا يعني، بأي حال من الأحوال، أننا قد وصلنا درجة الكمال. إذ لا يزال أمامنا العديد من المهام والإصلاحات التي يفترض أن ننجزها في المستقبل.