كما أن لأجسادنا عمرا افتراضيا تموت بعده ، فإن لعقولنا أيضا عمرا افتراضيا تهرم بعده وتصاب بالشيخوخة والخرف والنسيان .. غير أن هناك أربعة عشر عاما إضافية (من الفعاليات العقلية) يمكن أن يكتسبها الشيخ الكبير في حال واظب خلال حياته السابقة على الاطلاع والتعلم وممارسة التمارين الذهنية (حسب دراسة ظهرت مؤخرا من كلية تراينتي في دبلن) !! ... وهذه النتيجة تضاف الى دراسة سابقة تقول ان ممارسة الالعاب الذهنية (كالشطرنج والبنجو والمسابقات الثقافية) تساعد العقل على الاحتفاظ بحيوته لعمر متقدم . فبمقارنة مجموعتين من الشيوخ (المجموعة الأولى) أدمنت هذا النوع من الالعاب والأخرى لم تلقها بالا اتضح ان المجموعة الأولى حافظت على ذكائها لعمر متقدم، وعانت من خرف الشيخوخة بنسبة اقل، وتذكرت أحداثا نسيتها المجموعة الأخرى! ... ومن المعروف عموما أن الاعضاء البشرية تقوى بكثرة الممارسة والتمرين وتضعف بقلة الاستعمال والكسل . وهذه النتيجة قد تظهر بشكل طبيعي (وليس بالضرورة من خلال التمارين) إذا وضعنا أنفسنا في ظروف تستوجب ذلك ؛ فذراع الحداد مثلا تنمو وتتضخم (بدون قصد أو نية مسبقة) لأن عمله يتطلب الطرق المستمر على المعادن .. كما يتمتع سعاة البريد ومضيفو المطاعم (بحكم المهنة) بجسم رشيق وفخذين قويتين بفضل المشي المستمر، في حين يتمتع صيادو اللؤلؤ بصدر وسيع ورئتين قويتين بفضل الغوص الدائم و»كتم النفس» ... ودماغ الانسان بدوره يزداد قوة وذكاء بازدياد التمارين العقلية والمواقف الذهنية التي يواجهها.. وهناك بيئات طبيعية تنشط عقل الطفل بلا قصد منه (كما يحدث لذراع الحداد) وتهبه رصيدا ذهنيا يخدمه زمن الشيخوخة.. فوجود الطفل مثلا في بيئة علمية نشيطة يرفع مستواه الذهني بدون ان يشعر، ووجود الكتب حوله يشجعه على فتحها ومحاولة فهمها، وحين يدمن على الاطلاع يزيد ذكاؤه بالتدريج ويرى روابط وتوافيق ذهنية لا تتاح لأقرانه .. أما ممارسة الهوايات والالعاب الذهنية الصعبة فتزيد من تدفق الدم الى الرأس (كما اتضح من خلال أجهزة الرنين المغناطيسي) في حين يساعد حل المشاكل الذهنية على وضع المشاكل الحقيقية في «قوالب» يسهل الاتكاء عليها والعودة إليها لاحقا ! ... على أي حال ؛ كما ان هناك تمارين لزيادة العضلات وصقل الجسم سأقترح عليك «تمارين ذهنية» لشحذ العقل وتنمية الذكاء: فعلى سبيل المثال لماذا لا تبحث داخلك عن الهواية الذهنية التي تستهويك أكثر من غيرها وتمارسها باستمرار (كالشطرنج والكلمات المتقاطعة) ! أما ثانيا فحاول الالتزام بوقت معين للاطلاع ولا تعتذربقلة الوقت (حتى لو فعلت ذلك من خلال الصحف اليومية) وحين تقرأ لاتقبل الأمور على علاتها بل تأملها وانتقدها وابحث عن المتناقضات فيها (فهذا من شأنه تنمية ملكة النقد لديك) ! رابعا : احرص على أن تكون ثقافتك (متوازية وشاملة) لأن التركيز على جانب واحد يضعك في قوقعة من الالتزام وضيق الرؤية وتقديس المصدر.. خامسا : احتكاكك بالثقافات والحضارات الأخرى يوسع مداركك ويجعلك أكثر فهما وتقديرا لعادات وطبائع الشعوب المختلفة ، أما إتقان لغة أجنبية فيعد بمثابة فتح نافذة كبيرة على عالم جديد ومختلف! سادسا : اختلاطك الدائم بالعلماء والأذكياء والموهوبين يجعلك (بقصد أو بدون قصد) تقتبس مزاياهم الذهنية الراقية وتطور أسلوبك في التفكير والاستنباط . سابعا : ومع هذا أنصحك بعدم التعصب لرأي أو تقديس لمصدر كي لا «تؤجر» عقلك أو تصيبه بحالة من التصلب والتحجر الفكري ... وأخيرا : لا تنس ان التحيز، والاعتقاد المسبق، والتطرف في الرأي، واقحام العواطف، وضعف النقد، وضعف المصدر، وتغليب المغيبات على الحقائق... كلها من المعوقات التي تحول دون التفكير السليم والحكم بشكل منطقي ! .. وبطبيعة الحال الاستعداد الوراثي عنصر أساسي ومؤثر ؛ ولكن تحفيز الذهن بهذه الطريقة قادرعلى تعويض معظم النقص العضوي وإيقاف أي تدهور ذهني أو عقلي محتمل .. (والشايب يبلغ الغايب) !!