لم تكن مفاجأة لي أن تؤسس جامعة الملك سعود كرسياً لدراسات السلام. أنا الآن أتوقع من هذه الجامعة الطموحة كل جديد ومفيد. معجب بها في مسيرتها الحالية. تخطت كل العقبات، قدمت مئات المشروعات الأكاديمية، تعمل على كل الجبهات، وهي الآن تحصد نجاحات محلية وإقليمية ودولية. ستكون بإذن الله في مصاف الجامعات العالمية. ولم أتفاجأ لأن إنشاء كرسي للسلام لابد أن يكون في بلد السلام، ولأن خادم الحرمين الشريفين هو عراب السلام، وهو رجل السلام. لقد ران علينا زمن ليس بالقصير ننشد دراسات السلام وأطروحات السلام من مراكز دراسات السلام في الغرب. فلماذا لا ننشد فكر السلام، ونظريات السلام، وبحوث السلام في جامعة الملك سعود بالرياض. وهو سبق يحسب لهذه الجامعة. إن هذا البلد حرسه الله هو بلد السلام قولاً وعملاً، وملك هذه البلاد هو داعية السلام، يعمل على إشاعة السلام ما وسعه العمل، ويعمل على معالجة التوترات الإقليمية والدولية التي من شأنها أن تهدد السلام العالمي. كان الملك عبدالله موفقاً في الإعلان عن مبادرته للسلام في الشرق الوسط، ومن توفيقه وسعيه أن تبنى مؤتمر القمة العربي المنعقد في بيروت سنة 2003 مبادرته، والتي عرفت فيما بعد بالمبادرة العربية. ثم واصلت هذه المبادرة مسيرتها الخيرة لتشهد قبولاً واضحاً وواسعاً في الأوساط الدولية، وتتبناها مجموعات ومنظمات دولية على رأسها منظمة الأممالمتحدة. وكان موفقاً عندما أعلن مبادرته لحوار الأديان والحضارات والثقافات، وهي مبادرة لقيت نجاحاً وقبولاً حتى تبنتها الأممالمتحدة. أعود لكرسي دراسات السلام الذي يحتضنه قسم العلوم السياسية بجامعة الملك سعود. وأرى أن إنشاء هذا الكرسي ضربة لازب في السياق المعرفي والتطبيق العملي لفلسفة السلم، والوقوف في وجه الظلم والعدوان بأطروحات فكرية، ليس بالضرورة أن تكون مصدرها العصف الذهني الغربي. وقال لي الزميل الدكتور عادل العبدالكريم المشرف على كرسي دراسات السلام أن الجامعة تتماهى مع تلك الفلسفة الجديدة، حيث تكون دراسات السلام تصدر من بيئة جديدة. وهو قال إن هذا أول كرسي أكاديمي من نوعه في منطقة الشرق الوسط، بل هو أول كرسي أكاديمي يتصدى لدراسات السلام في جامعات العالم الثالث. كان العالم الثالث عالة على مراكز دراسات السلام الغربية أو مراكز دراسات السلام الخاصة. هذا أمر يسر الخاطر، ويفرح القلب. لم لا، وهذا البلد هو بلد السلام، وحري بهذه الجامعة الرائدة أن يكون كرسي السلام أحد خياراتها العلمية الدولية. سيكون كرسي دراسات السلام بمثابة مركز للعصف الذهني، وبيت للخبرة السياسية والدبلوماسية الموجهة لدراسات السلام وما ينبثق منها وعنها من أطروحات وتطبيقات، تطال كل ربوع الدنيا. وفوق هذا سيكون هذا الكرسي ذاكرة قوية لتراكم معرفي ومعلوماتي لدراسات السلام المتزايدة كماً ونوعاً. وسيكون رافداً فكرياً للصناعة السياسية في بلادنا، ولمتخذي القرارات السياسية. وأزعم أن هذا الكرسي سيركز على دراسة التحديات الجديدة للأمن الوطني والدولي، وسيستقطب متحدثين وخبراء يغطون الجغرافية السياسية. وأرى أنه سيلتزم بتقديم المساعدة في تطوير الإدارة الحكومية في عصر العولمة، والمساعدة الأكاديمية والبحثية في برامج التقنيات والسياسات العامة والتجارة الدولية والطاقة. وسيبني تراكماً معرفياً بمثابة بنك معلومات أرشيفي يخص شبكات المتخصصين والمفكرين والقادة العالميين. ذكرني هذا الكرسي بكراسي مشابهة أعرفها في أوروبا وأمريكا مثل: المعهد الدولي لبحوث السلام بالنرويج، ومركز ستوكهولم لبحوث السلام بالسويد، ومعهد كارنيجي في واشنطن العاصمة الأمريكية، ومعهد كوبنهاجن لأبحاث السلام. ومركز دراسات السلام والصراع في استراليا، والمركز الأوروبي للأمن ونزع السلام ببلجيكا، ومركز ترودو لدراسات السلام والصراع بكندا، ومركز بيرسون للسلام بكندا، ومركز دراسات السلام والتنمية بأيرلندا، ومعهد تودا من أجل السلام العالمي باليابان، ومركز دراسات السلام وتسوية النزاعات بالنمسا، ومركز تامبري لبحوث السلام بفنلندا، والمركز الجامعي الأوروبي لدراسات السلام بالنمسا، ومعهد دراسات السلام والصراع بالهند، ومعهد هيروشيما لدراسات السلام باليابان، ومركز السلام والديمقراطية بأوكرانيا. ألا تلاحظون أن معظم هذه المراكز في البلاد المصنفة: دول العالم الأول. ومع أن السعودية ليست من دول العالم الأول، إلاّ أنني على ثقة بأن كرسي دراسات السلام في جامعة الملك سعود سيكون أوسع أثراً وتأثيراً في قضايا الشرق الأوسط والقضايا العربية والإسلامية، ذلك لأنه قريب من المنطقة، وقريب من النقاط الساخنة، وسيضم خبراء من أهلها، وفوق هذا لن يكون له أجندات تخدم مصالح ضغط سياسية مثل ما عليه الحال في المراكز الغربية. وسيولي جل اهتمامه عبر أنشطته البحثية، وبرامجه العلمية، وورش العمل والمحاضرات إلى دراسة الاختناقات السياسية والدبلوماسية في المنطقة. وثمة نقطة جديرة بالتنويه عنها وهي أن مكان هذا المركز يعد مكاناً لا تطاله الشكوك أو الاتهامات، بسبب أن المملكة لا تتبنى مواقف منحازة ضد الحق والصدق، وبالتالي لن يتأثر الكرسي ومخرجاته بسياسة ذات مصالح تقود إلى التدخل في شؤون الآخرين. هذا الكرسي يأتي في وقت نحن أحوج ما يكون لمثله، لتناول القضايا السياسية الساخنة، وتأمين السلام، وإبعاد شبح الحروب والفتن، وذلك عن طريق دراسات محلية ومعمقة، بعيداً عن بعض المنهجيات المنحازة التي صبغت معظم مخرجات مراكز دراسات السلام الغربية. وهي دراسات كانت ولا تزال تسيطر على 90% من مجمل أدبيات القضايا السياسية وفكرها. أتوقع لهذا الكرسي النجاح والشهرة الإيجابية. وفي هذا المقام أقترح تسمية الكرسي باسم: كرسي الملك عبدالله لدراسة السلام، واقترح أن تسعى الجامعة ووزارة التعليم العالي لدى المقام السامي ليتشرف هذا الكرسي الجديد باسم خادم الحرمين الشريفين ودعمه ومؤازرته. ذلك أن هذا الكرسي حلقة من حلقات التحديث التي يقوم بها الملك عبدالله في ميدان التعليم العالي والسياسة الخارجية السعودية.