في الثمانينيات الميلادية، عندما كان الصيت للشعر والقصة، كان من يكتب قصة أو لديه بعض الخواطر المنشورة في بعض الصفحات الثقافية يحرص أن يقترن اسمه بكلمة "القاص"، الرواية في ذلك الوقت كانت غائبة، باستثناء بعض المحاولات، وكان مجرد أن يقال إن فلاناً قاص، يعني أنه متميز. تذكرت ذلك عندما رأيت حرص بعض الكتاب - وتحديداً كتاب السرد - على خلع عباءة القاص ليرتدي كل واحد منهم عباءة الروائي، بمجرد أنه كتب رواية واحدة – مثلاً -، أنا لا أدري لماذا هذه الحساسية.. في السابق قلت إن الزمن هو زمن الإبداع، وليس زمن الشعر، أو الرواية، أو القصة القصيرة، وديوان العرب رحب، حيث يدخل في بهوه الشاسع كل أنواع الفنون، حتى النقد. الملاحظ - وأنا أتحدث عن النقد - أن المتابعة النقدية شبه غائبة، ماذا يفعل المبدع لكي يقرأ أو يسمع رأياً نقدياً حول عمل كتبه، أعرف أن بعض المبدعين يرون أن القارئ العادي أهم من الناقد، وأصدق بالتواصل مع النص الإبداعي، ولكن، وبكل صراحة، هذا الزخم الكبير من الإصدار الروائي لماذا لم يواكبه حركة نقدية جيدة، سؤال سيبقى معلقاً. من جانب آخر - وكما لاحظته في بعض الملتقيات، إضافة إلى بعض الدراسات الأكاديمية التي قدر لي أن أطلع عليها - هنالك استسهال للبحث، بمعنى عدم الرجوع إلى كل ما هو منشور من أعمال إبداعية، نحن نعرف أن هنالك كثيراً من الأعمال الإبداعية الصادرة منذ الستينيات الميلادية وحتى الآن، لا تشملها كثير من الدراسات، هل السبب، لأن أغلبها صدر ووزع ونفد، ولم تقتن المكتبات الجامعية والعامة نسخاً من هذا الإبداع؟ أم أن الكاتب طبع كتابه "وهذا يحدث غالباً في النشر الخارجي" أقول طبع ذلك الكاتب أو المبدع كتابه وأخذ خمسين أو مائة أو مائتين، وقام بتوزيعها على الأصدقاء، واكتفى الناشر بما طبعه وأعطاه لذلك الكاتب، والأمثلة كثيرة، ولا أريد أن أذكرها حتى لا أتسبب بالضيق والحسرة لكثير من الأصدقاء، الذين ربما ليس لديهم أكثر من نسخة يقومون أحياناً بتصويرها، عندما يطلبها أحد الباحثين، هنالك أعمال إبداعية كثيرة، لا توجد مطلقاً في المكتبات، وليس هنالك المحفز لطباعتها مرة أخرى، هنالك من أصدر ديوان شعر أو مجموعة قصصية منذ سنوات، وتقلد اسم القاص أو الشاعر، واختفى، وهنالك كثيرون ممن بقيت أعمالهم موزعة على صفحات الصحف والمجلات المتفرقة، وغادروا الساحة الثقافية، هل سيحدث مثل ذلك لكثير من الأسماء التي ولجت الساحة الثقافية من بوابة الرواية.