مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    الاتفاق يواجه القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج للأندية    تركيا: نستهدف رفع حجم التجارة مع السعودية إلى 30 مليار دولار    اتحاد الغرف يطلق مبادرة قانونية للتوعية بأنظمة الاستثمار في المملكة والبرتغال    الاحتلال لا يعترف ب (الأونروا)    «الكونغرس» يختار الرئيس حال تعادل هاريس وترمب    المملكة تستحوذ على المركز الأول عالمياً في تصدير وإنتاج التمور    النصر لا يخشى «العين»    الهلال يمزق شباك الاستقلال الإيراني بثلاثية في نخبة آسيا    المملكة ومولدوفا تعززان التعاون الثنائي    «التعليم»: 5 حالات تتيح للطلاب التغيب عن أداء الاختبارات    الأسمري ل«عكاظ»: 720 مصلحاً ومصلحة أصدروا 372 ألف وثيقة    الاختبارات.. ضوابط وتسهيلات    «جاهز للعرض» يستقطب فناني الشرقية    «حديقة السويدي» من ثقافة باكستان إلى الأسبوع اليمني    شتاء طنطورة يعود للعُلا    «الأسبوع العربي في اليونسكو».. ترسيخ المكانة الثقافية في المملكة    12 تخصصاً عصبياً يناقشه نخبة من العلماء والمتخصصين بالخبر.. الخميس    برعاية الأميرعبدالعزيز بن سعود.. انطلاق المؤتمر والمعرض الدولي الرابع لعمليات الإطفاء    ليلة الحسم    المحميات وأهمية الهوية السياحية المتفردة لكل محمية    سلوكيات خاطئة في السينما    إعادة نشر !    «DNA» آخر في الأهلي    العلاج في الخارج.. حاجة أم عادة؟    1800 شهيد فلسطيني في العملية البرية الإسرائيلية بغزة    ربط الرحلات بالذكاء الاصطناعي في «خرائط جوجل»    رئيس الشورى يستقبل السفير الأمريكي    مسلسل حفريات الشوارع    للتميُّز..عنوان    لماذا رسوم المدارس العالمية تفوق المدارس المحلية؟    تنوع تراثي    منظومة رقمية متطورة للقدية    الأمير عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في قيادة القوات الخاصة للأمن والحماية    الأمير تركي بن طلال يستقبل أمير منطقة الجوف    زرًعِية الشبحة القمح العضوي    غيبوبة توقف ذاكرة ستيني عند عام 1980    نحتاج هيئة لمكافحة الفوضى    في شهر ديسمبر المقبل.. مهرجان شتاء طنطورة يعود للعلا    كلمات تُعيد الروح    قصص من العُمرة    " المعاناة التي تنتظر الهلال"    في الجولة الرابعة من دوري أبطال أوروبا.. قمة بين ريال مدريد وميلان.. وألونسو يعود إلى ليفربول    الاستقلالية المطلقة    تشخيص حالات نقص افراز الغدة الدرقيه خلال الحمل    النظام الغذائي المحاكي للصيام يحسن صحة الكلى    سعود بن بندر يهنئ مدير فرع التجارة بالشرقية    ترمب وهاريس في مهمة حصاد جمع الأصوات    أمير تبوك يستقبل قنصل بنغلاديش    «تطوير المدينة» تستعرض التنمية المستدامة في القاهرة    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على مناطق المملكة حتى السبت المقبل    وزير الدفاع يستقبل نظيره العراقي ويوقّعان مذكرة تفاهم للتعاون العسكري    السعودية تؤكد دعمها لجهود التنوع الأحيائي وتدعو لمؤتمر مكافحة التصحر بالرياض    قائد القوات المشتركة يستقبل الشيخ السديس    الأمين العام للتحالف الإسلامي يستقبل وزير الدفاع العراقي        حرس الحدود بعسير يحبط تهريب 150 كلجم من القات    مقال ذو نوافذ مُطِلَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«مرضى الشمال».. البسطاء عاجزون عن سداد «فواتير الفقر»!
السعوديون في الأردن يبحثون عن العلاج والتعليم المفقودين (1-4)
نشر في الرياض يوم 21 - 06 - 2009

لم يتردد عدد من المواطنين عن بيع ممتلكاتهم ومقتنياتهم الشخصية وإثقال كاهلهم بالديون وتحميل أنفسهم ما لا يطيقون؛ بحثاً عن العلاج في المستشفيات الخاصة في عدد من الدول المجاورة بعد أن أجبرتهم ظروفهم الصحية على ذلك، حيث كشفت إحصائيات العام الماضي أن عدد المرضى السعوديين في المستشفيات الأردنية بلغ حوالي 23000 مريض. وتساءل المواطنون لماذا تكدست الجامعات والمعاهد الأردنية بالطلاب السعوديين بمختلف أعمارهم وتنوع تخصصاتهم ومراحلهم الدراسية– سواءً من المبتعثين أو الدارسين على حسابهم الخاص-، وما هي الأسباب الحقيقية التي دفعت بهم لقطع مئات الكيلو مترات لمواصلة دراساتهم العليا في الخارج والبحث عن فرصة دراسية لم تتوفر لهم في الوطن مع إمكانية توفرها، رغم أن الدولة رصدت ربع ميزانيتها لدعم التعليم في المملكة؟.
وارتأت «الرياض» أن تستشف من خلال سلسلة تحقيقات ميدانية في المملكة الأردنية أهم الأسباب التي دفعت عدداً من المواطنين لمغادرة أرض الوطن بحثاً عن العلاج والتعليم، وتبدأ «الرياض» اليوم تحقيقاً موسعاً عن السعوديين الذين يتلقون العلاج في الأردن، ونقل معاناتهم وقصصهم الإنسانية المؤلمة، للإجابة عن السؤال الأهم لماذا سافروا لتلقي العلاج؟
العلاج في الأردن
تتجه أنظار أبناء المناطق الشمالية، خاصة في القريات، والجوف، وعرعر، وطريف، ورفحاء، كلما مر بهم عارض صحي، أو مشكلة مرضية إلى مستشفيات الأردن، بعد أن تجرعوا مرارة المعاناة من نقص الخدمات التي يحتاجها المريض، وقلة الأجهزة، وغدوا ضحية للأخطاء الطبية، والتشخيص الخاطئ، إلى جانب معاناتهم من ضعف إمكانيات الكادر الطبي في مستشفيات مناطقهم، وغياب عدد من الاختصاصات المهمة.
وأكد أبناء تلك المناطق ل "الرياض" حالة الذهول التي تنتابهم باستمرار نتيجة لما عايشوه واقعاً حياً ملموساً من مراجعين يدخلون المستشفيات سيراً على أقدامهم ويخرجون بعد ذلك محمولين إلى غرف العناية، أو على تابوت ينقلهم إلى مثواهم الأخير، مضيفين: " في الوقت الذي شحت عليهم المستشفيات المتخصصة في الرياض بسرير يحفظ لنا شيئاً من حقوقنا كمواطنين، قبل أن يكون محضناً لعلاج متقدم، وعندما ضاقت أمامنا فرص الأمل في مستشفيات وطننا، رحلنا بآلامنا وآمالنا إلى مستشفيات عمان، التي غدت خياراً وحيداً أمامنا"!.
مرض الأم وتضحية الأبناء!
مواطنة دخلت المستشفى سيراً على الأقدام وخرجت بغيبوبة وجرثومة، وفي الوقت الذي خرج فيه مسئول صحي ليصف لنا رحلة قاصدي عمان للعلاج بأنها بمحض إرادتهم كان اللقاء الأول ل(الرياض) بمواطنين سعوديين في مستشفى التخصصي في عمان مذهلا بحق، ولم يستطع أن يتمالك أحدهم نفسه ويحبس دموعه، وقال: صرفت كافة مستحقاتي بعد التقاعد، وبعت سياراتي، ولو وجدت أحدا يشتري شيئاً من أعضائي لبعتها من أجل "أمي".
واستأنف شقيقه باتل بن سعد الرويلي قصة بر أخيه بأمه، في مقابل عقوق مستشفيات وطنهم لهم، وقال: ذهبت بأمي إلى عيادة العيون بإحدى مستشفيات سكاكا (تحتفظ الرياض باسمه) قبل أشهر للمراجعة، وبعد عودتنا إلى المنزل بساعات شعرت والدتي بدوران، فتوجهت بها مرة أخرى إلى نفس المستشفى، وكانت في تلك اللحظة تسير على قدميها، وبعد تشخيصها ذكروا أن معها بداية جلطة، وتم تنويمها في إحدى غرف التنويم العامة.
وأضاف: بعد يومين تأزمت الحالة وتطورت، وتم تنويمها في غرفة العناية المركزة بقسم الرجال، وبعد خمسة أيام أو أكثر وضعت في قسم النساء، وعند ذلك طلبت منهم، نقلها إلى مستشفيات متخصصة، ورفعت عدة برقيات، ولم نجد تجاوباً إلا من مستشفى الملك فهد الذي أعطانا موعداً في الثامن عشر من شهر شوال المقبل.
وأكد انتقال جرثومة من المستشفى إلى والدته، بسبب انتشار الحشرات في أروقته، وسوء حال نظافته، لافتاً إلى أن والدته دخلت المستشفى سعياً على أقدامها، وخرجت منه جسداً ملقىً على السرير، مبيناً أن حالتها بدأت تزداد سوءًا، واعتمدت على التنفس الصناعي 001%.
وقال: لم نجد حلاً بديلاً في الجوف أمام هذا الموقف سوى استئجار طائرة أردنية بمبلغ سبعة وخمسين ألف ريال، لنقلها إلى مستشفيات الأردن، منوهاً بأنهم تفاجأوا بعدم دقة تشخيص حالتها الذي أصدره أحد مستشفيات سكاكا (تحتفظ الرياض باسمه)، وأن نتائج فحوصاتها غير مطابقة لواقع المريضة في كثير من جزئياتها، مشيراً إلى أن حالة والدته في تحسن مستمر وأن نسبة التنفس الصناعي انخفضت من 001% إلى 53%، مؤكداً على أن مرتبه لا يغطي تلك التكاليف، وأن الحاجة الملحة وأعباء المعيشة أقحمته جبرياً للاستدانة وتأمين المصاريف اللازمة لتغطية تكاليف العلاج، إلى جانب انعدام قدرته وشقيقه على مواجهة غربة الوطن والعوز!!
المعاناة مستمرة!
ولم يكن المواطن صلاح بن ربيع الشمري بعيداً عن حالة والدة الرويلي، فقد عانى هو الآخر من نفس المستشفى، وسافر لنفس الغرض، مبيناً أن والده تعرض لارتفاع شديد في الضغط، وأنه قام بإدخاله في الطوارئ بأحد مستشفيات سكاكا.
وقال عندما تمت الفحوصات اللازمة تم اكتشاف نزيف داخلي بالدماغ، وتم تحويل والدي إلى قسم العناية المركزة، كما طلب مني الطبيب المباشر لحالته إحضار علاج (Nimotop)، وقمت بالبحث عنه في جميع الصيدليات الخاصة بالمنطقة، ولم أجده إلا في عمّان.
ويواصل الشمري حديثه عن إهمال المستشفى، قائلاً: تمت معالجة أبي في قسم لا تتوفر فيه العناية المطلوبة، وفي اليوم الخامس من تنويمه، ارتفع معه الضغط مرة أخرى، وهو داخل القسم، وتعرض إثرها لنزيف آخر وجلطة بالجهة اليمنى، وحينها ألححت بطلب تحويله للمستشفيات التخصصية بالرياض، وتم الرفع بتقرير طلب ترحيل لكل من مستشفى الملك فيصل التخصصي ومستشفى الملك خالد الجامعي ومدينة الملك فهد الطبية ومستشفى الحرس ومجمع الملك سعود الطبي وكل من هذه المستشفيات ردت بالاعتذار لعدم وجود سرير، وتمت مخاطبتها مرة ثانية و ثالثة ولا جدوى، وحصلت على موافقة رسمية بترحيل والدي ومعالجته بمستشفى الملك فيصل التخصصي على نفقته الخاصة، ورفض المستشفى بحجة عدم وجود سرير، وعندما تأزمت حالة أبي وتدهورت يوماً تلو الآخر وهو داخل العناية اضطررت إلى نقله بإسعاف مستأجر إلى دولة الأردن لقربها من منطقة الجوف وعلى حسابي الخاص وأدخل المركز العربي الطبي بعمان في تاريخ 51 / 5 / 0341 ه وأجريت له الفحوصات والعلاج اللازم، فتحسنت حالته، ولله الحمد يوماً بعد يوم، ولكن كثرت علي مصاريف المركز التي تبلغ يومياً ما يقارب 0001 دينار أردني من تنويم وفحوصات وأشعه وعلاج، فضلاً عن مصاريف الإيجار اليومية في الشقق التي لا تقل يوميتها عن 05 ديناراً، ولأني طالب أدرس بالجامعة، و أنا أكبر إخواني و أخواتي، ولا أستطيع دفع تكاليف المركزقمت باستلاف مبلغ معالجته كاملا، ثم ذهبت على الفور للقنصلية السعودية بالأردن وواجهت رئيس قسم الرعايا الأستاذ محمد الطوالة، وتم رفع خطاب للسفارة السعودية بالأردن التي تأخرت في توقيع الخطاب لمدة أسبوع، وبعدها تم رفع الخطاب لوزارة الخارجية بالرياض، ووقتها أشارعلينا الطبيب المعالج بإخراج والدي لأنه في وضع أفضل من السابق، فقمنا بإخراجه والمجيء به إلى منزله بين أولاده، حيث تحسنت حالته،عدا الجهة اليمنى فهي لا تزال تعاني من أثر الجلطة ولا تتحرك إلا قليلا.
ويتساءل الشمري: أين وزارة الصحة؟ ولماذا هذا الإهمال الذي تعاني منه منطقة الشمال بشكل عام؟ وإلى متى؟ وكيف حالي ومثلي كثيرون قد أثقلتهم الديون بسبب علاج ذويهم في الخارج؟ ولماذا أغلقت المستشفيات التي في بلدهم أبوابها أمامهم؟،وما الحلول؟.
تشخيص خاطئ!
والتقينا بالمواطن عبدالله الهذيل(64عاما) من منطقة الجوف، حيث وجدناه يرقد في المركز العربي بعمان، فقال: راجعت مستشفيات الجوف دون فائدة، ولم أستفد من تشخيصهم ولا علاجهم، حيث كانت تشخيصاتهم خاطئة، ويقولون مثلاً: بطنك ملآن بالماء،وعندك استسقاء، لكنهم لم يعرفوا الأسباب، وهناك مكثت في العناية المركزة أسبوعا، ثم ذهبت إلى الرياض فراجعت إحدى المستشفيات الكبيرة، ولم أخرج بنتيجة، بعدها لم أجد حلا إلا في الذهاب لمستشفيات الأردن، وهنا شخصوا حالتي، وستتحدد إقامتي على ضوئها، وقد يكلفني ذلك مبالغ كبيرة، فقد أبلغت أنها قد تتجاوز 00051ريال، غير تكاليف السفر وسكن المرافقين والمواصلات، وسأقدم خطابا لسفارة حكومة خادم الحرمين الشريفين لتحمل نفقات العلاج.
وفي مستشفى الاستشاري بعمان قابلنا الشيخ خالد بن عبدالله بن شاهر وتحدث عن سبب مجيئه إلى عمان، وقال: تعرضت ابنتي لعارض صحي، فذهبت بها إلى مستشفى الملك خالد في حائل، ولم يشخص المرض، ثم إلى مستشفى كبير بالرياض وعجز عن تشخيص المرض أيضا، ولعدم توفر أسرة في المستشفيات المتخصصة، وعدم تشخيص واضح للمرض اخترت دولة الأردن لما سمعته عن تقدم الطب فيها، وهناك حولت من قبل السفارة الى إحدى المستشفيات الكبيرة في عمان، فأشرف عليها نخبة من الاستشاريين وتم تشخيص الحالة، وتم البدء في علاجها، وتحسنت إلى 04% وهي في تطور مستمر.
وفي مستشفى الأردن كان لنا لقاء مع المواطن محمد بن عيادة العنزي (طالب ثانوي 71 عاما)، وكان يرقد على السرير الأبيض، وقد حدثنا عن علته فقال: راجعت مستشفى القريات العام ولم أظفر بنتيجة، فكل طبيب يصف لي مرضا مختلفا، بعيدا عن الآخر كل البعد، فأحدهم ذكر لي أن معي حمى مالطية، وصرف لي 12 إبرة علاج لها، وآخر قال: التهاب بالمسالك البولية، حيث مكثت أربعة أيام أتعاطى إبرا حسب وصفة هذا الطبيب، والأخير قرر لي عملية استئصال الزائدة الدودية مع أنني قد أجريت عملية استئصال لها قبل أعوام طويلة، وبعد ذلك قرر والدي الذهاب بي للأردن لتشخيص حالتي، حيث إنني أعاني من مغص شديد استمر أكثر من 21 يوما، وقد اكتشف طبيبي المعالج في مستشفى الأردن أن معي انسدادا في الأمعاء، وكان ذلك بمجرد أن وضع سماعته على موضع الألم، وعرف الأعراض، ثم قام بمعالجتي، وتحسنت حالتي، ثم بعد عودتي أخذت فترة فعاد لي عارض صحي مرة أخرى، وحين ذهبت لمستشفى القريات وسألوني عن المرة الأولى فأبلغتهم أنها انسداد في الأمعاء، سمعوا ذلك فوصفوا حالتي الجديدة بأنها انسداد في الأمعاء، والغريب أنني عندما طلبت تحويلا لمستشفى متخصص قال لي الطبيب: أنت لا تحتاج ذلك، وحينها عدنا للأردن مرة أخرى، والطريف أن هذه المرة لم يجد الطبيب انسدادا في الأمعاء، مما يعني أن بعض الأطباء في مستشفى القريات يكررون تشخيصاتهم الخاطئة، ولذلك نتكبد السفر وتكاليف العلاج في الخارج وندفع فوق طاقتنا!
قرحة المعدة تتحول إلى جلطة
وخلال جولتنا التقينا بأحد المواطنين الذي يراجع بأحد ذويه فذكر لنا قصة غريبة لشقيقه حدثت قبل أعوام في مستشفى طريف، حيث أصيب أخوه بإجهاد، وأدخل إثر ذلك العناية المركزة في مستشفى طريف، وحضر له طبيب القلب من عرعر، وذكر أنه مصاب بجلطة، ويضيف: حينها أخرجته على مسؤوليتي وذهبت به إلى عمان، وأدخلته أحد مستشفياتها، فقال لي الطبيب الذي تولى علاجه: معه قرحة معدة فقط، ويؤكد هذا المواطن أن أخاه إلى الآن بصحة تامة، وأن ذلك تشخيص طبيب عرعر كان خاطئا!.
الجيوب الأنفية!
عبدالله بن إبراهيم من عرعر سافر إلى عمان بعد تجربة مريرة له في مستشفيات عرعر الحكومية، حيث حوله مستوصف الحي إلى مركزي عرعر إثر شكواه من آلام حول الجيوب الأنفية والتقى باختصاصي الأنف والأذن والحنجرة الذي حوله إلى طبيب الباطنية، وتفاجأ الأخير بغرابة التحويل، وقال له: أنت تشكو من أنفك فلماذا حولوك إلي؟، وحينها قام الطبيب الباطني بتحويله إلى طبيب أنف وأذن آخر، فقال له: عندك التهاب في الجيوب الأنفية، وعندما أجهد عبدالله من تكرار المراجعات التي لم تأت بنتيجة قرر المغادرة إلى عمان بحثا عن علاج، وهناك اكتشفوا أنه معه تضخم بالجيوب الأنفية وقرروا له عملية، وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض لها عبدالله فقبل ذلك فر بابنه إلى عمان بعد أن أخطأ أطباء مستشفيات عرعر الحكومية في تشخيصه، واكتشف أطباء الأردن سبب علته.
مختبر بلا مواد
كما التقينا في عمان أيضا علي الصقري الذي كان يجري فحوصا عن الزلال لمعرفة النسبة رقميا، إذ لم يتهيأ له حيث قيل له: إن المواد التي يحتاجها هذا الاختبار غير متوفرة أما الجهاز فموجود، يقول الصقري: اضطررت حينها لقطع أكثر من 0031 كم ذهابا وإيابا من أجل فحص مختبري بالإمكان توفره في مختبر عرعر!
ولا يقف الأمر عند هذا فحسب، حيث يعاني علي من عدم انتظام السكري، ويأخذ علاجا سبق أن حصل عليه من إحدى مستشفيات عمان، وبعد نفاده ذهب إلى الأخصائي في مركزي عرعر فأعطاه علاجا سماه "بديلا" يقول علي: بعد ثلاثة أشهر أجريت فحصا مختبريا في عمان فاكتشفوا أن هذا العلاج البديل تسبب في زيادة نسبة السكر وتراكم الدهنيات بالدم، وعندما سألني الطبيب المعالج أبلغته بالسبب، فقال: هذا خطأ، والعلاج البديل لا يناسبك، ويضيف علي: المشكلة الآن أن العلاج يكلفني أكثر من 046 ريالا شهريا، ومركزي عرعر لا يصرفه لي، ولهذا نضطر مرغمين إلى الذهاب إلى الأردن في كل كبيرة صغيرة، وندفع مبالغ فوق مقدرتنا، فضلا عن أنه لا يوجد في مركزي عرعر إلا طبيب واحد للسكري وهو يتنقل بين المرضى ويتابع الحالات، ولا يمكن أن يقوم وحده بكل هذه الجهود، فلماذا لا يتم التعاقد مع آخر!
أطباء متفرجون
علي الصقري نفسه يقص حكايات سفره لعمان للعلاج فليست واحدة ولا اثنتين، يقول: تعرضت شقيقتي لالتواء بالركبة ولم يستطع مركزي عرعر اكتشاف الحالة، خلال أسبوع من المراجعات، فاضطررت إلى الذهاب بها إلى عمان بعد أن تضاعفت آلامها، وكانت تسير على عكاز، وهناك لم يفعل الطبيب المختص أكثر من تحريك مفصل الركبة، ومن ساعتها سارت على قدميها معافاة.
ويحكي الصقري قصة أخرى مفادها أن ابنة أخته تعرضت لحادثة سيارة فشخص أطباء عرعر حالتها بشعر في الحوض، وقلقت الطفلة وامتنعت عن الحركة ثم ذهبنا بها إلى مستشفى في عمان فقال الطبيب: ليس بها شيء إطلاقا عدا كدمات بسيطة وأمرها بالجري فأخذت تجري فرحة، واكتشفنا أن تشخيصها السابق خاطئ.
الركض إلى عمّان
يبدو أن الفجوة بين أبناء المناطق الشمالية، على اختلاف مدنها وقراها، وبين مستشفيات مناطقهم أصبحت واسعة جدا، ومرد ذلك إلى قلة إمكانيات هذه المستشفيات ونقص خدماتها وغياب تخصصات يحتاجها المواطن، أو لكثرة أخطائها التشخيصية والعلاجية، فمن الناحية الأولى وجدنا المواطن سالم الزمام من محافظة طريف الذي حضر بوالدته إلى عمان لتركيب مفصل ركبة بعد نجاح عملية مماثلة لوالده، ويؤكد الزمام أن ما دعاه إلى ذلك أن هذا النوع من العمليات غير متوفر في المناطق الشمالية، وأن الأردن أقرب إلى طريف من مستشفيات الرياض.
أما المواطن حامد الرويلي فجاء به والده من محافظة طريف-أيضا- لطول معاناته مع فقر الدم، وهذا يعني أن أبناء المناطق الشمالية قد كابدوا مشقة السفر وتكاليف العلاج في أمراض أولية ينبغي أن يجدوا خدماتها في مناطقهم على أقل تقدير.
إجراءات روتينية
سعودية ترهن جوازها..وطبيب أردني يكفلها بعد أن قال لها موظف سفارة بلادها:" أكل العنب حبة حبة"
"أريد أن أقابل السفير إذا لم تحلوا مشكلتي" كانت هذه بعض عبارات "أم عبدالعزيز" التي أطلقتها في بهو السفارة السعودية، وقد ناضلت بقوة دفاعا عن سبل إنقاذ حياة أخيها(ش.ح) التي تخطفها الخطر، وتعود تفاصيل القصة كما ترويها أم عبدالعزيز ل"الرياض": أخي يمكث منذ فترة في دولة الأردن الشقيقة لأعمال خاصة، وفي 72/5/9002م اتصل بي فجرا يخبرني أنه تعرض لأزمة صحية ثم انقطع صوته إذ لم يستطع مواصلة الاتصال، وجئت أنا وزوجي وابن أخي وحضرنا إلى الأردن فوجدنا أن حالته متدهورة وأن القسطرة التشخيصية التي أجريت له اكتشفت إصابته بثلاث جلطات رئيسية في الشرايين المغذية للقلب، وجلطات أخرى في شرايين فرعية، وأمام الطلبات المادية وبعض الظروف التي تعرضنا لها قرر أخي أن يذهب إلى السعودية ليكون بين أبنائه وأهله وأن يعالج هناك، ولكن حالته تدهورت مرة أخرى ونقلناه إلى مستشفى خاص، وكان ذلك يوم الجمعة، وبعد إجراء الفحوصات تبين أن في مرحلة بداية المضاعفات وعنده استسقاء رئوي حاد أدى إلى ضعف عضلة القلب، وتواصل أم عبدالعزيز حديثها: بعد ذلك اتصلت بالسفارة وأبلغتهم أنني مواطنة سعودية وشرحت ماحدث لأخي وبينت لهم حالته الخطرة، فقال لي الموظف: أنا مناوب اليوم ومهمتي للطوارئ وأن الدوام يوم الأحد، وطلبوا مني أن أذهب إلى شؤون الرعايا، ومن حسن الحظ أن وجدت شخصا اسمه محمد الطوالة من شؤون الرعايا تابع معي عبر الهاتف، ولأنه في مثل حال أخي تقوم السفارة عادة بتحمل تكاليف العلاج طلبنا من بعض المستشفيات علاجه حتى دوام السفارة يوم الأحد، وطلب منا المستشفى الجديد 0008دينار لاستقباله وعلاجه، وبقيت محتارة وتدهورت صحة أخي يوم السبت ودخل العناية الحثيثة وطلبوا مني خطاب التغطية من السفارة، هذا غير مبلغ 7806 دينارا دفعناها للمستشفى السابق، وقد قرر أحد الأطباء حاجته لعملية قلب مفتوح وأصر عليها،ولما جاء يوم الأحد كتبت شؤون الرعايا لنا خطابا للسفارة لتغطية العملية.
وتكمل أم عبدالعزيز سرد حكاية الإجراءات الروتينية التي لا تحتملها حياة أخيها المهددة بالخطر فتقول: أمام تأخر الحل كتبت برقية علاج لاستعجال البت في الموضوع وانتظرت خطاب التغطية المؤقت من السفارة، وذهبت إلى صاحب القرار بالسفارة فحولوني إلى المكتب الصحي، وهناك وجدت موظفا "واسع الصدر"، وأنا في وضع صعب، وقد قال لي: ادفعوا الآن وسنعوضكم، ووقتها لم يكن معي شيء، كما عانيت من مادية بعض المستشفيات، واهتمامها بما يدفع أولا، ومر الوقت يخنق أنفاسي، وفي يوم الاثنين ليلة الثلاثاء اتصلنا بطبيب آخر وعرضنا عليه حالة أخي، فأوصى بعمل دعامتين للشريانين الرئيسين ونقله إلى مستشفى عمان الجراحي، ثم ذهبنا يوم الثلاثاء إلى السفارة وطلبنا مقابلة بعض المسؤولين أصحاب القرار، وتفاجأت بأحد الموظفين يسألني عن المعاملة وهي عندهم ثم قال لي( اصبري، أكل العنب حبة حبة) وتواصل : القصة طويلة، وقد خرجت وقبل نقل المريض طلب مني المستشفى السابق دفع فرق الفواتير فتكفل أحد موظفي السفارة وهو خلف الشمري بدفعها من حسابه الخاص، وفي المستشفى الجديد كفلنا الطبيب علي حجازي كفالة مادية خطية، وتم رهن جوازي وجواز أخي، وأجريت العملية ولله الحمد، ولكن خطاب التغطية لم يصل، وعندما طلبت من السفارة استرداد جوازي وجواز أخي طلبت منا التوقيع على تعهد مالي بالسداد بعد رجوعنا للسعودية، إلى أن يأتي رد بتحمل التكاليف، وقالوا: لا ندري تأتي الموافقة أم لا! وإلى الآن جوازاتنا مرهونة وقد تركت أبنائي وليس عندهم أحد في السعودية، فضلا عن عملي، وأنا أناشد خادم الحرمين الشريفين –يحفظه الله-لحل مشكلتنا.
انتظار طائرة إخلاء
وفي مستشفى الاستشاري في عمان قمنا بزيارة المواطن صقر بن ضليل الشراري الذي يرقد على السرير الأبيض بعد حادث سير تعرض له هو وأخوه، داخل الحدود الأردنية، وأدى إلى كسر في عظام رقبته تسبب في شلل بأطرافه مع وجود جروح متهتكة وعميقة في فروة الرأس، ورضوض مختلفة في الجسم والأطراف، وأجريت له عملية استئصال للفقرة العنقية السابعة المتكسرة، وإزالة الغضروف الضاغط، مع وضع اسطوانة مكان الفقرة المتكسرة، وقفص مكان الغضروف وتثبيت الفقرات بواسطة صفيحة وبراغٍ، ومازال يرقد في المستشفى من تاريخ 2/4/9002م، وقد أفاد الأطباء المعالجون وأطباء المستشفى بأن المريض بحاجة ماسة إلى مراجعة مركز تأهيل متقدم، ويؤكد أخوه عبدالله الشراري أنه بعث برقيات للعلاج من أجل نقل شقيقه بطائرة إخلاء طبي ل"الرياض" لأن حالته لا تسمح بنقله براً، علما بأن تكاليف علاجه الحالية تدفعها السفارة، ويضيف: أنا ووالدتي وبعض إخوتي نخرج يوميا من القريات ونقطع مسافة 003كم ذهابا وإيابا، كما نقوم بدفع إيجارات بشكل مستمر، وقد كلفنا ذلك أكثر من خمسة وعشرين ألف ريال حتى هذه اللحظة، غير الجهد النفسي والمعنوي، ويؤمل الشراري أن ينقل أخوه إلى مدينة الأمير سلطان للخدمات الإنسانية بالرياض، لأن عدم نقله سيسبب له مضاعفات كثيرة وتقرحات بالجسد، خاصة وأن المريض محتاج لتأهيل لما يمر به من بعض الظروف الصحية التي لا يمكن ذكرها، والتأهيل سيعيد حالته-بإذن الله-تدريجيا إلى قريب من طبيعتها.
خيار الغربة المر!
كشفت لنا هذه الزيارة التي قمنا بها لدولة الأردن الشقيقة مدى المعاناة المعنوية والمادية التي يتحملها أبناء المناطق الشمالية عرعر، الجوف، القريات، حائل، طريف، رفحاء وغيرها، والتي دفعهم إليها نقص الخدمات التي تقدم لمرضى هذه المناطق، والأخطاء الطبية في التشخيص والعلاج التي يتعرض لها المريض والمراجع، ثم قضية أخرى عانى منها سكان هذه المناطق، وهي تذييل كل طلب عاجل بالنقل إلى المستشفيات المتخصصة بالرياض بعبارة" لا يوجد سرير" دون أن تتحرك الجهات لحل هذه المشكلة، بل أخذت الجهة المسؤولة دور المتفرج، والموت والمرض يفتكان بمن لا قدرة له على الحل البديل " السفر إلى عمان" ، فإلى متى هذا الوضع؟ وهل تمر بنا طفرات اقتصادية أكبر مما مرت؟ ألم يقل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز –حفظه الله- "إن هذه المناطق لم تأخذ حقها" فلماذا أغلق بعض المسؤولين أذنيه في الوقت الذي تضاعف فيه حزم حقائب السفر بحثا عن علاج خارج الحدود؟ وبكى العاجزون عن دفع التكاليف أمام أسرة ذويهم هناك حيث وقفوا مقهورين بين الغربة والعوز!! وفي المقابل رأينا من خلال حديث مسوؤل هناك أن مستشفيات تلك الدولة يقصدها أكثر من مواطني 84 دولة، فأين نحن من هذه التجربة، خاصة في ظل الوفرة المادية التي نملكها...ألم يأن الوقت لمواجهة واقعنا بصراحة كي نستفيد من أخطائنا فتكون تلك أول خطوات النجاح!!
وإذا لم تكن هناك حلول حاسمة سنردد كما ردد أحد المواطنين الذين قهرهم المرض وبعد المسافة والحاجة بعيدا عن أبنائه" هيئوا لنا خدمات جيدة في مناطقنا حتى وإن كانت برسوم، ودعونا نعالج في مستشفياتنا، أو على الأقل "نموت بين أهلنا وأبنائنا" !!
كم تمنيت أن يسمع بعض مسؤولي وزارة الصحة رجع صوته الحزين الذي بحه المرض والغربة، وأن يروا غزارة دموعه، ليعلموا أن المواطن السعودي سافر لأنه لم يجد خيارا عن السفر!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.