قضايا الخلع داخل قاعات المحاكم مختلفة ومتنوعة، بحسب تنوع الدعاوى، واختلاف الظروف ومسبباتها للوصول إلى هذا «المطلب المر» من قبل بعض النساء ويزداد الإلحاح في هذا الطلب عندما تشعر المرأة بمرارة الظلم وهي تستحق الطلاق جراء ما لحق بها من ضرر جسدي يتبعه تلقائياً ضرر نفسي، لتجد الزوج رافضاً هذا المطلب مما يضطرها لطلب «الخلع» أمام المحاكم.وقد أوضحت دراسة من مؤسسة الأمير ثامر بن عبدالعزيز الخيرية اجمالي صكوك الطلاق بلغ 24428 صك طلاق بمعدل 66 صكاً يومياً، في الوقت الذي بلغ فيه اجمالي عقود الزواج التي تمت في المملكة خلال عام واحد 11549 عقداً بمعدل 316 عقد زواج يومياً. «الرياض» ترصد في الحلقة الثانية من هذا التحقيق آراء المختصين حول هذا الموضوع وتداعياته النفسية والاجتماعية على عدد من الأسر المتضررة من الخلع. مأساة متكررة في البداية أوضحت د. عائشة الشهراني أخصائية الطب والأمراض النفسية في وزارة الشؤون الاجتماعية أن الخلع هو انفصال المرأة عن زوجها لكرهها له وليس لعيب فيه لقوله تعالى (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف او تسريح باحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا ما أتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا الا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) هذه الآية تفيد ان المرأة الكارهة لزوجها بدون عيب فيه أو تقصير منه وتخشى لو بقيت معه ان ترتكب معصية ان تطلب الطلاق وتدفع له الصداق. وقالت إنها حالة مزرية ومحزنة ان تضطر المرأة الى الخلع ولم ينصفها احد في طلب الطلاق قبل هذا، مشيرة الى ان المرأة تعيش حالة من الكآبة والحزن والقلق والتوتر والخوف وعدم لإحساس بالأمان نتيجة عدم تحقيق طلبها بالانفصال عن زوجها. وبخصوص أكثر حالة أثارت د.الشهراني قالت: «الحالات كثيرة لا تحصى ولكن هناك حالة أمرأة عاشت يتيمة في دور الرعاية الاجتماعية وبعد أن بلغت سن الرشد تزوجت وأنجبت خمسة من الأبناء وعملت موظفة وكان زوجها عنيفاً يضربها ويعذبها ويعذب أبناءها والتقارير من المستشفيات تثبت ذلك وقد تبرع لها أهل الخير ببيت شعبي بسيط وعندما طلبت الطلاق ساومها الزوج بالتنازل عن البيت مقابل الطلاق والأولاد ولم يشفع لها يتمها والتقارير الطبية التي تؤكد عذابها المستمر بل تم انتزاع بيتها منها وثم تطليقها وإعطاؤها الأبناء بكامل مسؤولياتهم ونفقاتهم، لا استطيع أن أصف ما وقع لهذه الإنسانة إلا أنه ظلم وجور عظيم. ووصفت دور الرعاية الاجتماعية وأنظمة حماية المرأة من العنف بالضعيفة والمقيدة ولا تملك السلطة المفترضة للحماية وأن القوانين ما زالت حبراً على ورق. وعن تقييم الوعي القانوني بحقوق المرأة في المملكة ذكرت د.الشهراني أن الوعي القانوني بحقوق المرأة في المملكة ضعيف عند الأغلبية ويرجع سبب ذلك للأسرة التي تعزز نظرية أن المرأة لا بد أن تصبر على زوجها حتى وان ظلمها تحت مظلة الاحتساب، مشيرة إلى أن سبب لجوء معظم النساء إلى الخلع رغم أحقيتها بالطلاق كونها مجبرة، فلو أن هناك قوانين مشرعة لحماية المرأة والطفل لما لجأت للخلع. جبهات المواجهة.. وشرح د.أحمد الحريري القواسم والخصائص المشتركة بين نساء الخلع حيث تتركز في ثلاث مناحي أولها الخصائص والسمات الشخصية لنساء الخلع معظمهن يشتركن في ضعف الشخصية وعدم الثقة في النفس وعدم القدرة على إبداء الرأي والجهل بالحقوق الخاصة سواء الشرعية أو القانونية وخاصية التهور والاندفاع والاهمال واللامبالاة، لذلك لا غرابة أن تعيش المرأة التي طلبت الخلع فترة من «العذاب الزوجي» والقهر الأسري بسبب ضعف الشخصية وعدم الثقة في النفس ولا تستطيع أن تطالب بحقها ولا أن تدافع عن نفسها للمعايير التربوية والثقافية التي أملت وتملي عليها مثل «القداسة الخاصة» التي يجب أن تعطيها للزوج حتى لو كان شخصاً غير سوي، فهي تربت في بيت أهلها على أساس أن للزوج احتراماً واعتباراً لا يجب أن تتعداه ولكن سرعان ما قد تكتشف بالمعاشرة أن هذا الزوج قد يكون مريضاً نفسياً أو مضطرباً في شخصيته أو مدمناً أو حتى منحرفاً وتبقى تنتظر لعل هذا الزوج ينتهي من فعله أو يترك سلوكه غير السوي أو يتشافى من مرضه النفسي أو يعتدل وقد تنجب الطفل الأول والثاني وربما أكثر.. وعندما تريد الطلاق تبدأ قصة المحاكم وربما اصطدمت بقاض يقول لها في المحكمة (مالك إلا بيت زوجك!!) ثم تلجأ إلى أهلها وتجدهم يقولون لها (يمكن يتغير!!) وقد تقول الأم (صبرت على أبوك وهو أسوأ فلماذا لا تصبري على زوجك!؟) وربما اتهموها بالدلع أو عدم فهمها وقدرتها على التعامل مع الزوج فتكتشف أنها وحيدة تواجه عدة جبهات مختلفة، الجبهة النظامية المتمثلة في المحاكم وطريقة تطبيقها للأنظمة الشرعية، والجبهة الأسرية المتمثلة في الأسرة وتقبلها للواقع الجديد كون ابنتها تريد الطلاق، والجبهة الاجتماعية كونها تطلب الطلاق وقد يحكم المجتمع عليها أنها طلقت لعيب فيها وتبدأ قوله: «لو فيها خير ما طلقها» هذه الجبهات تسبب لها معاناة نفسية بينما قد يكون الطلاق رحمة أحلها الله كي تنقذ نفسها من زوج لا يخاف الله فيها ولا بد أن نعترف أن الأسرة تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية إزاء هذا المتقدم للزواج فهي المسؤولة عن السؤال عنه وهي تشارك بنسبة كبيرة في اختياره وقبوله وأحياناً إقناع الفتاة بالقبول به ولا نبالغ أحياناً إذا قلنا إجبار الفتاة على القبول به خاصة إذا كان من ذوي القربى وقد تكتفي الأسرة بالسؤال عن المتقدم للزواج هل يدخن؟؟ وهذه الأسئلة ليست معياراً في تقييم الشخصية السوية إذ إن المتقدم للزواج ربما كان لا يدخن ويصلي لكنه مريض نفسي أو مضطرب في شخصيته أو قد يكون حتى مطلوباً لدى جهات أمنية أو ذو اتجاهات عدوانية وأمنية خطيرة لذلك قد تكون الخصائص الشخصية للمرأة مثل ضعف الشخصية وعدم الثقة وعدم القدرة على التعبير عن الرأي أحد الأسباب التي تؤدي بالمرأة للوقوع في مثل هذه التجارب السيئة. أزواج أنانيون وعدوانيون وأشار إلى أن أغلب نساء الخلع متزوجات من رجال لديهم خصائص مشتركة مثل الأنانية وحب الذات والعدوانية وأسطورة سيطرة الذكورة والرجولة وفكرة أن الرجل أقوى ومعظم هؤلاء الرجال تنقصهم صفة التسامح والأخلاق الفاضلة والتنشئة الأسرية السليمة والتنازل والتفهم، فليس هناك شخص يحمل معاني الرجولة وسوي نفسياً وسلوكياً يمعن في إهانة امرأة أو يتمسك بامرأة لا تتقبله ولا تحبه، أما القاسم المشترك الثالث فهو الأمراض والاضطرابات النفسية فبعض نساء الخلع يشعرون بالاكتئاب والإحباط واليأس وفقد الأمل وبعضهن تعرضن لصدمات أو إصابات نتيجة العنف الذي مورس عليهن وهو عنف يصل لدرجة الضرب والإهانة والتقصير في أداء الواجبات الاقتصادية والشرعية والعاطفية من الأزواج كل هذه من صور العنف التي تُمارس على المرأة. وقال ان بعض الدراسات تشير إلى أن هناك (44%) من الزوجات اللواتي يتعرضن للضرب والعنف من أزواجهن لديهن اضطراب اجهاد ما بعد الصدمة وأشارت بعض الدراسات إلى أن أغلب المشاكل شيوعاً والتي تؤثر في ثلاث أرباع ضحايا العنف الزوجي هي مشاكل نفسية مثل القلق والعصبية ولوم النفس والغضب والخجل والنوم المتقلب.. كما أشارت بعض الدراسات الأخرى إلى ظهور بعض الاضطرابات مثل الخوف والارتعاش وعدم القدرة على أداء المهام العادية والخمول وقلة الاهتمام على أكثر من (40%) من ضحايا العنف الزوجي وأن (20% إلى 40%) من الضحايا يعانون من الاكتئاب والعجز والبكاء وفقدان الشهية والغثيان والتوعك. وأضاف انه يجب على المرأة المطلقة خلعاً أو المطلقة عموماً ألا ترضى بالوصمة التي قد يصمها مجتمعها بها ويجب أن تعبر عن نفسها ودورها الاجتماعي والأسري بكل اقتدار ويجب أن تنظر لحادثة الطلاق والخلع التي مرت بها بأنها تجربة فاشلة في محيط من التجارب الناجحة ولا يجب أن تخضع وعليها أن تتصرف بكل أريحية وأن هذا الخيار الذي أقدمت عليه كان الأفضل والأنسب لها (إذا كان الأفضل والأنسب فعلاً). المرافعات الشرعية ويرى المحامي حازم المدني أن من أبرز الصعوبات التي تواجه المحامي عندما ترغب امرأة في توكيله لتبني قضيتها في التفريق بينها وبين زوجها هي إجراءات إصدار الوكالة إذ يشترط أن يتم التوكيل بأصل دفتر العائلة وترفض صورته وغالباً ما يكون الدفتر مع الزوج وان كان يمكن للمرأة أن تستعيض عنه بجواز سفرها أو بطاقة أحوالها إلا أن كثيراً من النساء اللواتي يرغبن في التفرقة لا يحملن أىاً من هذين الاثباتين. وقال: في بعض الأحيان توافق كتابات العدل على إصدار وكال شرعية بصورة من مستخرج من دفتر العائلة صادر من إدارة الأحوال المدنية ولكن ليس دائماً وهذا الأمر صعب عليها مما يجعل بعضهن تذهب بنفسها للمحكمة لتقدم شكواها ويدفعها هذا في أحيان كثيرة إلى الموافقة على أي تسوية مهما كانت ظالمة وتنتقص من حقوقها لذا فإننا كمحامين لدينا مشكلة مع الأدوات المساندة للقضاء وليس في القضاء نفسه وهي الأجهزة التي تساعد القاضي في أداء مهمته مثل كتابات العدل ومراكز الشرط لتبليغ الخصوم ولتنفيذ الاحكام القضائية لان فيها مشقة على الناس والقضاة مما يؤدي الى التأخير في مواعيد الجلسات وإطالة في مدة التقاضي، موضحاً ان بعض النساء يتجهن عن جهل الى جهات ليست ذات اختصاص في قضايا الأحوال الشخصية كالشرط او امارات المناطق فهذه الجهات ستحولهن الى المحكمة ومما يؤدي الى الإطالة التي لا داعي لها. وأضاف ان هناك عدم التزام بين المتقاضين، فمثلا يحكم القاضي للأم بحضانة أولادها على أن يزوروا أباهم مرة أسبوعيا يأتي الأب فيأخذهم ويبقيهم عنده أسبوعا او أكثر لا تعرف الأم لمن تلجأ إذا ذهبت للشرطة قالوا لها هو أبوهم وماذا سنفعل له، او ان الشرطة تحيل الشكوى الى المحكمة مرة أخرى علما بأن مع المرأة حكم قضائي واضح وصريح، ومعروف ان مجتمعنا ذكوري بالمقام الأول فلا حيلة للمرأة عندئذ رغم أن معها حكم قضائي واجب التنفيذ. وأشار المدني الى واقعة تتكرر كثيراً جداً وتسبب ظلما للزوجة وهي عندما يتعرض الزوج لزوجته بالاهانة والعنف والضرب حتى إذا ذهبت الى المستشفى لتسجل حالة وجدت من يتوسط ويطالبها بالتنازل فإن تنازلت فلا حق لها، موضحاً أن «الأصيل يغني عن الوكيل» وهذه العبارة تعني انه اذا حضرت المرأة مع المحامي الذي وكلته الى الجلسة أمام القاضي فإن وجودها يلغي وجود المحامي ويتعامل القاضي معها مباشرة. مطالباً بوجود هيئة دفاع نسائية تتولى قضايا الأحوال الشخصية أمام محاكم مختصة بعد تفعيل عمل محاكم الأحوال الشخصية التي أقرت قبل عامين والتي في طريقها للتفعيل.