في عالم المخدرات شباب مراهقون.. وكبار تاهت بهم السبل.. أرواح قلقة وبيوت مهدمة لا تعرف الاطمئنان.. كم من فتى أضاع مستقبله.. وكم من فتاة تعيش في عالم المجهول.. قصص وحكايات.. ربما لا تراها ولكن ضحاياها وآثارها واضحة لمن يعيشون في دائرة الظلام والوهم.. دائرة المخدرات. ؟ تواصل صفحة الأمانة العامة للجنة الوطنية لمكافحة المخدرات حوارها مع المتعافين من الإدمان وهم يحكون مرارة أيام التعاطي وما مروا به من ألم وحسرة في عالم الضياع. ليحدثنا أحد التائبين عن حياته قبل وبعد التعاطي وكان معه هذا الحوار: اسمي: ع.ع.ع وعمري: 50سنة حالتي الاجتماعية: متزوج. وحالتي الوظيفية: بدون عمل. @ كيف بدأت مأساتك مع المخدرات؟ - بداية مأساتي عندما تناولت أول سيجارة دخان ومن بعدها أول كأس من الكحول ثم الحبوب المنبهة حتى أصبحت في أحضان المخدرات وتنقلت من مخدر إلى مخدر حتى وصلت إلى درجة أنني لا أستعمل شيئاً حتى أروجه لكثر شراهتي في استعماله وكل ذلك أنشد النشوة الأولى التي أحسست في أول استعمال حتى وصلت لدرجة الإفلاس الديني والدنيوي. @ ما أبرز صور المعاناة التي تعرضت لها؟ - المعاناة كثيرة في عالم الإدمان ومنها وفاة جدتي (يرحمها الله) التي احتضنتني وأعطتني الحنان في طفولتي وربتني لقد حزنت بعد وفاتها لأنها دخلت المستشفى وماتت ولم أزرها أو أكلمها لأنني في مرحلة التعاطي وفاقد الإحساس والقيم والمبدأ، وقد رافقت جنازتها للمقبرة لدفنها ولم أحزن لذلك المنظر فقط الحاضر الغائب حتى طهارتي كانت غائبة والعياذ بالله. ومن المواقف الخالدة في ذاكرتي ومحزنة عندما أصيب والدي بجلطة ونقل إلى المستشفى من جنوب المملكة إلى مستشفى الرياض المركزي وكان اخوتي متأثرين ويبكون لحالته ولم أتأثر وكأن الأمر لا يعنيني في شيء وجلس في العناية أكثر من أسبوع وأنا (لم أزره ولا كلمته) والغريب بالأمر أنه كان يسأل عني وعن صحتي وهو مقعد وأنا أبحث عن التعاطي. ومن المواقف المحزنة دخولي السجن والحكم عليَّ بتسع سنوات وخلال تلك الفترة توفي جدي وأنا بالسجن وتزوجت أختي الكبرى وأختي التي من بعدها وكنت ألوم نفسي بأنني أنا السبب في عدم حضوري فرحتهم وأنا السبب في جلوسي بهذا المكان وأقصد داخل السجن والكل يعلم ما هو السجن. @ موقف حصل لك وتتمنى من الله أن لا يعود هذا الموقف ولا يحصل لغيرك؟ - عندما أدخلت المستشفى بعد تعرضي لحادثي وأنا تحت وطأة المخدر، وكانت إصابتي بليغة ويوجد بي كسور وكدمات متفرقة في كامل جسمي وقد نقلت للمستشفى وأنا في غيبوبة تامة، وعندما أفقت من غيبوبتي وكان وقت زيارة المرضي، وكان معظم جسمي ملفوفاً بشاش وجبس وارتدي ملابس التنويم الخاصة بالمستشفى وقابلني والدي عند مدخل المستشفى قادماً لزيارتي وأنا خارج وفي حالة يرثى لها وبدون السماح لي بالخروج لأن صحتي لا تسمح بأن أتحرك من السرير وهذه من المواقف العالقة في ذهني وكان سببها تعاطي المخدرات. @ هل حاولت البحث عن علاج؟ - نعم حاولت كثيراً وتوقفت كثيراً ولكن كان ذلك لأجل أهداف وطلبات أفرضها أنا على الأهل وعندما أحصل عليها أرجع للتعاطي مرة أخرى (فما بني على باطل فهو باطل) ورفقاء السوء شر معين على الاستمرار في التعاطي ويحزنون إذا واحد تعافى أو بحث عن علاج وينظرون له نظرة جبان وخواف. @ رسالتك لمن يظن أن علاج أي مشكلة قد يواجهها تكون بواسطة المخدرات؟ - أخي الذي لا يزال يعاني من مشاكل المخدرات وتعاطيها، أقول لك ومن باب التجربة لو أني أقدر أن أحل أبسط مشاكلي بالمخدرات لما تركتها بل العكس صحيح فإنها تجسد الأمور وتعقد المشاكل ولا تجني منها إلا الخسران والضياع وخيبة الأمل في أي موضوع تكون المخدرات علاجه وحله. @ مواقف ندمت فيها؟ - من المواقف التي أنا نادم عليها وتحزنني كل ما أتذكرها هي عندما قمت ببيع غرفة نومي الخاصة ومكيفات منزلي وجلوس أطفالي بدون مكيف في عز الحر. ولم أتوقف عند ذلك الحد بل سرقة اسطوانة الغاز التي تستخدمها زوجتي بالطهي وتسخين الحليب لأولادي وكل ذلك من أجل جرعة مخدر تبعد عني الرحمة والشفقة بهم. @ ماذا تقول للوالدين؟ - أقول عليكم بمراقبة الأبناء منذ الصغر مراقبة شديدة غير مباشرة والتوجيه الصحيح واحتضان المنحرف من بداية مشواره حتى لا يستفحل الأمر، وعدم تركه لرياح رفقاء السوء تعصف به حتى الموت. @ ماذا تقول للمجتمع؟ - أقول لهم يجب عليكم احتضان المتعافي ومد يد المساعدة له والوقوف معه حتى يستقيم وأن يقفوا مع كل مدمن ويبحثون له عن علاج ولا يترك يتمادى في جهله ومرضه حتى لو بلغ الأمر العقاب الرادع. @ ماذا جنيت من تجربة التعاطي؟ - لقد جنيت الضياع والندم والحسرة والعيشة الضنك، وتخلي الجميع وابتعادهم عني حتى أقرب الناس لي. وللمعلومية المخدرات والله محصورة بين ثلاثة لا مناص عنهم (السجن، المصحة، الموت). @ ما شعورك بعد التعافي؟ - شعوري طيب ومتفائل وأقول الحمد لله الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور، ونسأله الثبات والعافية وأن يبدل سيئاتنا حسنات إنه سميع مجيب. @ كلمة أخيرة - أقدم اعتذاري لاختصار بعض النقاط ليس عجزاً عن التعبير بالواقع الأليم الذي عشته ولكن قد أدلى به غيري بدلوه من المتعافين وهذه قواسم مشتركة ومعاناة يمر بها كل من تعاطى المخدرات وعلى كل متلق أن يصدق كل ما قيل لأن المخدرات والله تعمل أشد من ذلك، والحمد لله الذي أخرجنا من عالمها عالم الأموات ومدنا بالعمر لكي نحاسب أنفسنا قبل أن تغرغر الروح. وفي آخر المطاف أقدم شكري وتقديري للقائمين على اللجنة وكل الجهات الأخرى ذات العلاقة التي تقمع هذه الآفة وتحارب مروجيها وتعالج ضحاياها.