لا واهني اللي مع العيد عيّد ما غاب عن عينه خليل يوده (ناصر بن زبار السبيعي "رحمه الله") مع أن العيد مناسبة سعيدة للاحتفال وإبداء مشاعر الفرح والابتهاج بإتمام أداء ركن من الأركان التي يقوم عليها ديننا الحنيف، ومع كونه من أنسب الفرص للالتقاء بالأقارب والأحباب ومشاركتهم أفراح العيد، وكذلك إعادة التواصل مع أناس قد تكون مشاغل الحياة قد منعتنا من مواصلتهم طوال أيام السنة؛ إلا أن هناك حزناً يولد في عمق الفرح، حزن يكون مصدره وباعثه غياب أحباب شاركونا فرحة العيد منذ خروجنا إلى هذه الحياة، وكانت لأعيادنا معهم وبهم أجواء بهيجة لا يمكن أن تُمحى من الذاكرة، فغياب أحد الوالدين الأبدي لا يمكن أن يغيب عن ذهن الإنسان حتى في أسعد لحظات حياته، ومن الشعراء الذين استدعت فرحة العيد أحزانه بغياب أحد والديه الشاعر الكبير سعود الردعان الهاجري، الذي يستهل قصيدته بمساءلة العيد عن والدته التي غيّبها الموت، فصار صباحه من بعدها موحشاً وحزيناً في نظره: يا عيد وين اللي للأحباب ملفا اللي معاها تكتمل فرحة العيد من عقبها كل الأحاسيس تلفا تغيّرت حتى مواريك يالعيد ما عاد به جمعا ولا عاد ولفا ما عدت عيد.. ولا أنت يا عيد بسعيد دار الزمان وعوّد الوقت صلفا تحوّلت خضر الفياض إلجراهيد وقامت تراجع بيض الأيام خلفا مستقبله من عجف الأيام تهديد كن لي مع صدمات الأيام حلفا دايم تذكرني بها زود تأكيد جرح الزمن عدا على جرح شلفا قامت تصدّع منه صم الجلاميد دنيا يعيش بها سفيه وهلفا وتضيق بعيون الرجال الأجاويد فباستثناء البيتين الأولين اللذين أشار فيهما الشاعر لوالدته الغائبة ولتغير إحساسه بالعيد من بعد رحيلها، نلاحظ بأن تركيزه في بقية القصيدة قد انصب على الحديث عن الزمن وقسوته: (دار الزمان، عود الوقت صلفا، عجف الأيام، صدمات الأيام، جرح الزمن)، في مقابل ما سنرى في قصيدة نموذجنا الثاني وهو الشاعر المبدع عبدالله الدوسري، الذي نجد في قصيدته (ذيك السنة عيدي) - التي يستهلها بإنكار معرفة العيد لاختلافه في نظره عن الأعياد الماضية التي كانت تطل عليه بوجه والده - نجد تعبيراً عن حبه لوالده الراحل، وذكراً لبعض الصفات أو القيم التي يرى الشاعر أنها قد غابت بموته؛ وكذلك يمكن ملاحظة أن منبع الحزن لدى الدوسري بعد رحيل والده هو ما يراه من تغير في الناس لا في الزمن: العيد ما هو ذا.. ذيك السنه عيدي يوم الحبيّب يصبّحني بعيديه يا أبوي لو أنت عنّي غبت وبعيدي ما أنساك ياللي زرعت الطيب في ايديّه مرّت ثلاثين وهمومي تصاعيدي من رحت والناس بقلوب حديدية ما أحد يطالع ظروفي والتجاعيدي مالي جدا إلا المراسيل البريديه ما شفت مثلك يوفي بالمواعيدي يا سابق بالكرم عصر المجيديه عساك في جنة الفردوس وسعيدي يعطيك ربي جزا حسناك عيديه ولا نملك حينما تحضر لأذهاننا ذكرى الأحباب الراحلين في هذه المناسبة السعيدة إلا الدعاء لهم بمثل دعاء الشاعر المبدع عبدالله الدوسري لوالده، سائلين الله عز وجل أن تكون الجنة هي مثواهم و(عيديتهم) نظير ما قدموا لنا في هذه الحياة.