ذكرنا الأربعاء الماضي مشاهدات عدة توضح أن الرعاية الصحية في المملكة - وبخاصة في مستشفيات وزارة الصحة - تعيش واقعاً مؤلماً نتيجة لعدد من السلبيات المتراكمة، والخلل التنظيمي الذي يعاني منه القطاع، والخلل الإداري الذي تعاني منه الوزارة . وكان الحل من وجهة نظر عدد ممن علّقوا على المقال مشكورين في موقع "الرياض" على النت هو إلغاء وزارة الصحة، وقد سبقهم أحد أعضاء مجلس الشورى الذي طالب بإقالة الوزير. ومن وجهة نظري أن معالجة واقع الرعاية الصحية "المؤلم" تستوجب العمل المنهجي "الجاد" على المسارات الرئيسية الثلاثة التالية : أولاً: مع الميزانية الكبيرة المخصصة لوزارة الصحة وقدرها في ميزانية 2008م 25.8مليار ريال يمكن إصلاح الكثير من السلبيات، بشرط التركيز على الجودة ثم الجودة ثم الجودة (ثم الكم )، بحيث يتم مثلا بدلا عن افتتاح أربعة مستشفيات في محافظات متجاورة (لا يثق بها أحد كما هو واقع الحال !) تشغيل مستشفى واحد يخدم هذه المحافظات بشرط أن يكون متكاملا من حيث الاستشاريين والأخصائيين وطاقم التمريض، وكافة الأجهزة الحديثة، مع إعطاء أهمية لنشر المستشفيات المتخصصة في كافة مناطق المملكة، وبخاصة المنطقتين الشمالية والجنوبية، ومواصلة وزارة الصحة جهود إصلاح الخلل الكبير في تجربة مراكز الرعاية الأولية، والتي وصفها أحد وكلاء الوزارة بأن "الجودة فيها للأسف معدومة تماماً" !. ثانياً: إعطاء مجلس الوزراء الموقر أولوية قصوى للإسراع في دراسة وإقرار المشروع المنتظر لتطوير النظام الصحي، وفقا لرؤية وطنية إستراتيجية شاملة تعالج جذريا الخلل التنظيمي الحالي، مع أهمية اعتماد تصور متكامل للمشروع يتضمن متطلبات التنفيذ الفعال والسريع، وحل المعوقات التي تواجهها حاليا هيئتا الغذاء والدواء والتخصصات الصحية، ودون ذلك فإن التطبيق المتكامل للمشروع قد يحتاج عشر سنوات ! وقد يصبح مجرد إضافة عبء على أعباء !!. وقد تضمن المشروع المقترح عدة مواد مهمة تنسجم مع التجارب الدولية المتميزة في مجال الرعاية الصحية، ومن تلك المواد إنشاء صندوق صحة وطني من ضمن مهامه التأمين الطبي على المواطنين، وإنشاء هيئة مستقلة تشرف على المستشفيات بدلاً عن وزارة الصحة، وإنشاء هيئة مستقلة لاعتماد المنشآت الصحية وتقويم أدائها وفقاً لمعايير موحدة للجودة . ثالثاً : يجب أن لا يكون انتظار تنفيذ مشروع التطوير الشامل للنظام الصحي، مبرراً لمزيد من الإخفاقات والأخطاء التي يمكن تلافيها بل يجب أن يكون هناك آليات فعالة لمراقبة أداء كافة المستشفيات الحكومية والخاصة، وإيجاد علاقة سليمة لخدمة المريض بين شركات التأمين والمستشفيات، ومحاسبة حازمة لجميع العاملين في مجالات الرعاية الصحية والجهات المشرفة عليها حين يرتكبون أية تجاوزات .. ويمكن مثلاً تشكيل لجنة متخصصة من قبل مجلس الشورى تتابع عن قرب مدى توفر آليات فعالة للمراقبة في مجال الرعاية الصحية ويكون جزءاً من دورها التقييم المستمر والسريع - وفقا لأسس منهجية - لأداء وزارة الصحة والجهات المشرفة على المستشفيات الأخرى والهيئات التي أنشئت حديثا في مجال الرعاية الصحية. وفي موازاة هذه المسارات الثلاثة هناك حاجة إلى التنظيم والإشراف الفعال على تقديم القطاع الخاص للخدمات الطبية، وتشجيع وتحفيز المنشآت المتميزة وبخاصة التي تدرب وتؤهل أبناء وبنات الوطن، وحل المعوقات العديدة التي تواجهها، وتلك قصة "مؤلمة" أخرى!!