على الرغم من أن الدول النامية ومنها دول العالم العربي قد حققت قدراً من التقدم العلمي، فإن إنجازاتها في هذا المجال لا يمكن مقارنتها بما حققته الدول الغربية، فالدول النامية ما زالت متخلفة عن ركب التقدم العلمي والتقني ومعظمها مستهلك للتكنولوجيا الحديثة أكثر من كونه منتجاً لها. ولقد تضافرت عوامل كثيرة أدت إلى تأخر نهضة الدول النامية العلمية والتقنية، ربما كان أهمها ضعف بنيات ونوعية التعليم وقلة الاهتمام بالبحث العلمي. وتكفي الإشارة هنا إلى أن إسرائيل مثلاً تنفق على البحث العلمي 17ضعف ما ينفقه العرب مجتمعين على هذا المجال الحيوي، وهذه الظاهرة المؤسفة تنعكس سلباً على التنمية في العالم العربي وتؤدي إلى هجرة العقول العربية النابغة مما يفقد الأمة خيرة كوادرها التي تشق اليوم طريقها بنجاح في عالم العلوم والتقنية في أوروبا وأمريكا. فما هي أهم عوامل التخلف العلمي والتقني العربي؟ وكيف يمكن معالجة هذا الخلل الذي يؤثر مباشرة في مستقبل العالم العربي ومقومات قوته؟ الحياة خارج العصر: بداية لا يخفي د.باسم أحمد أبو السعود من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ألمه من حقيقة الاعتراف بأن كل البلدان التي تشكل المنظومة العربية دون استثناء تعيش واقعاً مراً بالنسبة للتقدم العلمي بشكل عام وبالنسبة للتقدم التقني على وجه الخصوص. فتلك البلدان تبدو وكأنها تعيش خارج العصر فجلها لا يزال سادراً في تضييع الوقت في أمور عفا عليها الزمن، أمور قد تجاوزها العالم المتحضر بعشرات وربما بمئات السنين. لقد استسلم العالم العربي إلى العوامل التي أدت إلى ذلك التخلف العلمي استسلام من استمرأ الطعم فلم يحرك ساكناً لنفض غبار التخلف، ولم يتبن أية خطوة جادة للتخلص أو حتى تصحيح السهل منها - وهي كثيرة - التي هي في متناول اليد. لنأخذ مثلاً عامل البحوث التي تعتبر العمود الفقري للتقدم العلمي والتقني، فليس من الخافي بأن معظم الدول العربية، إن لم تكن كلها، تكاد تخلو من مراكز البحث إلا النذر اليسير الذي لم يحقق أي إنجاز علمي حتى هذه اللحظة، هذا مع أن الكثير من دول النفط العربية تنام على ثروات مالية ضخمة يمكنها أن توفر الأفضل من مراكز البحوث لو أحسن توجيهها ليس ذلك فحسب بل إن مناهج وطرق ومواد التدريس في كل المراحل لا تساعد على نمو الرغبة في البحث العلمي إن لم نقل إنها تعمل على خنق تلك الرغبة في المهد، وكيف يمكن تحقيق أي تقدم في مجال التقنية دون بحوث علمية تشد من أزرها! أنا لم أرم هنا إلى جلد الذات؛ ولكن لا بد لأي كان أن يصاب بالإحباط إذا علم أن مجموع ما تصرفه الدول العربية على البحوث العلمية لا يتعدى جزءاً من واحد في المائة مما تصرفه إسرائيل على بحوثها العلمية، ومن الغني عن التبيين بأن قائمة المثبطات التي أدت إلى التخلف العلمي والتقني تطول وتطول بل وتنمو بمرور الوقت ولا يتسع المجال في هذه العجالة لتحديد وتفصيل تلك العوامل ومعالجتها. ويعتقد د.أبو السعود أن الواقع المعاش يفرض على العالم العربي أن يبادر إلى إعادة النظر في وضعه المتخلف، ويتطلب منه التشمير عن السواعد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والسعي إلى مواكبة الركب العلمي التي تكاد آثاره تغيب عن أنظار العالم العربي بسبب البون الشاسع بينه وبين ذلك الركب. قبل إنهاء هذه العجالة. ويضيف: أسمح لنفسي أن أقول بأن أقصر الطرق إلى اللحاق بركب العلم والتقنية لا بد أن يمر عبر رصد ميزانيات كافية للبحوث العلمية وفتح مراكز بحوث لكل الفروع العلمية والتقنية، واستقطاب علماء بحوث للإشراف على تلك المراكز والمشاركة في البحوث لإذكاء روح البحث العلمي، وتغيير مناهج وطرق التعليم في كل المراحل مع الاقتداء بالدول المتقدمة في المجالات العلمية والتقنية وابتعاث بعض العاملين في الحقول العلمية (من طلاب وأساتذة وموظفين) إلى المعاهد العلمية المتقدمة من أجل التدريب وكسب المهارات العلمية والبحثية والتنظيمية فيما يختص بمراكز البحوث. وأخيراً العمل على إعداد الطلاب وتهيئتهم وزرع الرغبة فيهم للبحوث العلمية منذ المراحل الدراسية المبكرة. وضع ضعيف ويرى د. عدنان بن عبدالله الشيحة أستاذ الإدارة العامة المشارك، المدير التنفيذي لمركز الأمير سلمان للإدارة المحلية أن وضع الصناعات التكنولوجية متشرذم وضعيف فالجامعات ومراكز البحث ما زالت تتعامل مع التقنية بشكل استهلاكي وليس إنتاجي، والبحوث التطويرية لا تحتل أولوية وهي في مجملها صورية شكلية لا تسعى للبحث عن حلول تطبيقية إبداعية جديدة ولا إضافة أصيلة للجسم المعرفي، وإنما عملية اجترار لما يقدمه الآخرون تارة وصفاً تحليلياً لطرق الاستخدام دون استيعاب كامل ودون أخذ المحددات الثقافية وما ينسجم مع المعطيات والبيئة المحلية بعين الاعتبار. وهكذا تكون التقنية غريبة على المجتمع لا نحسن التعامل معها تماماً مثل بقية المنتجات والسلع والأفكار القادمة إلينا من مجتمعات أخرى. فالتقنية في العالم العربي ترديد لما يقوله الآخرون دون أن يكون لنا تداخل في عملية التطوير ومساهمة فاعلة وأصيلة في إحداث برامج ومشاريع تقنية. حتى استخدامات التقنية ما زال يواجه تحديات وصعوبات في التطبيق في معظم البلدان العربية فلا تجارة إلكترونية ولا حكومة إلكترونية ولا غيرها من التعاملات الإلكترونية التي تأخذ في الدول المتقدمة أسماء وأشكالاً وأساليب متعددة بتعدد الاختصاصات والاستخدامات، وتدخل في جميع مناحي الحياة وتبقى محاولات الدول العربية في هذا المضمار محاولات خجولة ضعيفة تراوح مكانها. وكمؤشر لضعف الإسهام في التقنية فإن معدل تبادل المعلومات على الشبكة العالمية للمصادر العربية أو المعلومات التي تقدم باللغة العربية يصل لما يقارب 1% بينما يمثل عدد السكان العرب ما يقارب 5% من مجموع سكان العالم، وهو دليل واضح ومؤشر للعجز الثقافي الذي تعاني منه الدول العربية. وحسب التقرير الثاني للأمم المتحدة عن التنمية الإنسانية في المنطقة العربية لعام 2002م فإن هناك ضعفاً في نسبة ما يخصص للبحث العلمي من مجموع الناتج المحلي في البلاد العربية مقارنة للدول الصناعية؛ إذ لا يتجاوز نصيب البحث العلمي والتقني في البلاد العربية سوى 0.002% من الناتج المحلي مقابل ما يزيد عن 2% بالنسبة لمعظم الدول الصناعية يصل في بعضها إلى 5%. كما أن إنفاق القطاع الخاص على البحث والتطوير في البلدان العربية يسجل نسبة ضئيلة لا تتعدى 3%، بينما تزيد هذه النسبة في الدول المتقدمة عن 50%. وفي مجال الاختراعات فإن البراءات المسجلة في أهم وأكبر دول عربية "مصر" لا تزيد عن (77) براءة اختراع خلال الفترة 1980- 2000م في حين بلغت في كوريا (16328) اختراعاً للفترة ذاتها. وتشير إحصاءات الأممالمتحدة أن عدد الحواسيب لكل ألف شخص في العالم العربي هو 18بينما يصل هذا العدد إلى 78في بريطانيا. هذه الإحصاءات محبطة ومخيفة وتدلل على إشكالية في التفكير وعجز إداري من حيث أن العرب يرون التقنية والبحث العلمي ترفاً وسلعة استهلاكية، وليس عنصراً هاماً في المنافسة الاقتصادية العالمية التي هي على أشدها وتعتمد على المعلومات والمعرفة والتقنية، من يفكر أولاً يفوز أولاً هذا قانون اللعبة العالمية في التقدم الاقتصادي والتحكم السياسي والسيطرة العسكرية وعلى الدول العربية إدراك ذلك والعمل من أجله. مصادر قوة ولكن.. وتحضرنا هنا رؤية للدكتور أحمد زويل، العالم العربي الكبير الوحيد الحائز على جائزة نوبل في العلوم سبق أن طرحها عبر عدة كتابات في صحف أجنبية من الضرورة بمكان أن نسجلها هنا؛ حيث يرى د.زويل أن العالم العربي الآن، هو نفسه الذي صنع أعظم الحضارات في تاريخ الإنسانية. وأن يكون هذا هو حاله اليوم في الإطار العلمي بصفة خاصة، فمعنى هذا أن ثمة "خطأ جسيماً حدث". ويعتبر د.زويل أن العرب قادرون - على وجه اليقين - على استعادة ماضيهم العظيم، ولديهم كل مقومات ذلك. فالعرب لديهم ثلثي احتياطيات النفط في العالم. ولديهم سوقهم الكبير وإمكانات قيام "الاتحاد العربي". والدول العربية في موقع حيوي في العالم. وشعوب المنطقة لديها ثقافة ثرية تنطوي على قيم نبيلة، ودينها متسامح. والعرب لديهم القدرة على الابتكار الخلاق، و لديهم نصف السكان تقريباً من الشباب. وهذه كلها مصادر قوة للوطن العربي وعوامل للتقدم؛ لكن بشرط أن تندرج في إطار مشروع متكامل للنهضة العلمية الشاملة. و يقترح د. زويل دعائم أربع للتغيير يجب أن تقوم عليها هذه النهضة التاريخية المنشودة، و هي على النحو التالي: أولاً: تأسيس نظام سياسي جديد، في القلب منه دستور يحدد ويحترم مبادئ الحريات وحقوق الإنسان والانتخابات التنافسية الحرة ويوائم بين المبادئ والقيم الدينية وبين مبادئ وقيم الحكم العصري. ثانياً: أن حكم القانون يجب أن يسري على كل فرد في المجتمع بغض النظر عن طائفته أو دينه أو خلفيته الاجتماعية لا أن يتم تنفيذه بشكل انتقائي. وتطبيق القانون بهذا الشكل الانتقائي هو سبب رئيس للأداء الاقتصادي السيئ ويفرز الفساد الذي يشل الاستثمارات ويهدر الموارد ويفقد الناس الثقة في النظام السياسي. ثالثاً: إن تطويراً جذرياً لا بد أن يطرأ على التعليم العربي، و على الممارسات الثقافية، والبحث العلمي. والهدف المحوري هنا يجب أن يكون تطوير وتشجيع التفكير النقدي، ونظاماً عقلياً للقيم يشجع النظام وعمل الفريق. وهنا، يجب أن تولي الحكومات العربية اهتماماً أساسياً للتعليم الابتدائي، وتحرير التعليم الجامعي من القيود البيروقراطية والسياسية. رابعاً: إن إصلاح الإعلام العربي ضرورة أساسية. والقضية هنا أن هناك اليوم أعداداً هائلة من القنوات التليفزيونية الفضائية وما يسمى "بالمدن الإعلامية" يتم الإنفاق عليها بسخاء أكثر بكثير من الإنفاق على مراكز البحوث؛ لكن غالب هذه القنوات تجارية و دعائية لا تفيد كثيراً. والحاجة ملحة إلى إعلام حقيقي يكون هدفه المحوري هو تشجيع التفكير النقدي وإدارة حوارات حضارية والارتقاء بالعقول وطرائق التفكير. في رأي د. زويل أنه عبر هذه الأعمدة الأربعة يمكن تحقيق التقدم العربي المنشود. مؤكداً أن العرب يجب أن يثقوا في أنفسهم وقدراتهم، وأن يكفوا عن الاكتفاء بإلقاء اللوم على الآخرين، فكما يقول القرآن الكريم "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". من التعليم نبدأ وثمة رؤية أخرى يطرحها الدكتور "رجا كمال"، عميد كلية الموارد البشرية في كلية هاريس بجامعة شيكاغو الأمريكية قائلاً إن تخلف النظام التعليمي العربي هو بلا شك من أكبر الأسباب الكامنة وراء التخلف العام، وفي مجال التنمية الاقتصادية خصوصاً. معتبراً أن النظام التعليمي العربي "متخلف" -حسب تعبيره- على كل المستويات وبالذات في مجال العلوم والرياضيات، والخريجون العرب مستواهم أقل بكثير من نظرائهم في العالم. أما عن أسباب "تخلف" النظام التعليمي، فيقول د. كمال: إن نقص التمويل يمثل سبباً رئيسياً؛ إلا أنه حتى حين يكون التمويل كبيراً فإن النتيجة تظل كما هي. ويبدو الوضع كما لو أن هناك "حائطاً" بين النظم التعليمية العربية وبين العالم الذي نعيشه. وفي رأيه أن المشكلات الجوهرية التي تشل النظم التعليمية على هذا النحو تتمثل في مشكلتين كبيرتين. جمود وتخلف المناهج الدراسية.. و الأوضاع المتردية للمعلمين.فإصلاح أحوال التعليم في العالم العربي هو البداية الصحيحة، وبدونها لن يكون تقدم عربي حقيقي. ومن الأهمية بمكان، وحتى لا ننظر إلى النصف الفارغ من الكوب أن نذكر أن ثمة جهوداً حقيقية تبذل في الوطن العربي فهناك مؤتمرات كثيرة عقدت لبحث حال "التخلف العلمي" في الوطن العربي في مختلف العواصم العربية. قدمت فيها دراسات جادة محترمة تقدم الحلول وترسم الطريق..وهناك مبادرات مهمة تم طرحها في السنوات الماضية. نشير بصفة خاصة إلى المبادرة التي تقدم بها الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز "رحمه الله"، لرصد أول وقف خيري للبحث العلمي في العالم العربي، هي الخطوة الأولى في مشوار الألف ميل لإلحاق أمتنا العربية بركب التقدم التكنولوجي العالمي. عقول لبنان في المهجر لقد أدى الإهمال وقلة الميزانيات المخصصة للبحث العلمي وعدم تقدير العلماء إلى هروب العقول الواعدة إلى الخارج، ولعل بلداً عربياً صغيراً مثل لبنان يعكس صورة حية لهذا الاستنزاف للعقول العربية، فقد برزت في أوروبا وأمريكا وأمريكا اللاتينية وأستراليا أسماء لبنايين تركوا بصمتهم في مجالات العلوم والطب والإدارة وكثير من هؤلاء هاجروا بعدما وجدوا التجاهل أو عاقهم ضيق الإمكانات فاتجهوا بأحلامهم وطموحاتهم إلى المؤسسات العلمية والبحثية في الدول المتقدمة ليجدوا الترحيب والفرص اللامحدودة وليخسر لبنان والأمة العربية كوادر ثمينة، فقد تمكن الباحث اللبناني ميشال عبيد ( 25عاماً) من تطوير اكتشافاته لعلاج السرطان التي حقق أولى إنجازاتها العام المنصرم، مستنداً إلى فهم جديد لآلية عمل المرض. غير أن هذه الاكتشافات تهددها الضياع في مواجهة أكبر الكارتلات العالمية المصنّعة لأدوية السرطان، رغم حصوله هذا العام على براءة اختراع عالمية لعشرة منها. وتواجه اكتشافات عبيد خطر التبدد فيفقد مرضى السرطان أملاً بالحياة مقابل الجشع المالي. وقد استدان هذا الباحث العربي نحو نصف مليون دولار من البنوك للحصول على براءة اختراع لاكتشافاته التي يواجهها سوق دواء يتعدى 200مليار دولار سنوياً، لافتاً إلى أن عليه دفع مئات آلاف الدولارات سنوياً لتجديد براءات الاختراع، وإلا فقدها. وأثارت اكتشافات عبيد اهتمام العلماء وشغلت الصحف العالمية، وكتبت عنه العام الماضي جريدة لو باريزيان الفرنسية تحقيقاً بعنوان "السرطان: الاكتشاف الذي لا يصدق لباحث في ال24"، كما نشرت مجلة نيتشر ميديسين تحقيقاً مماثلاً. وتبنته هذا العام أكاديمية العلوم الفرنسية التي يرشح المنتمون إليها للحصول على جوائز نوبل، وصنفه معهد أمريكان بيوغرافيك الذي يحصل على معلوماته من وزارة الأبحاث والصحة الأميركية، بين أول ألف من كبار أدمغة القرن العشرين. كما أدرج اكتشافه في فرنسا بين أهم ستة اكتشافات تم يوم 10يونيو/ حزيران 2007م. واختارته اللجنة الوطنية للأبحاث الطبية الفرنسية التابعة لوزارة الصحة الفرنسية، واحداً من أهم باحثي 2007م. ونجح عالم الرياضيات اللبناني رشيد متي، الذي امتد بحثه لقرابة نصف قرن، في برهان ما هو معروف ب (المسلمة الخامسة لاقليدوس)، التي أطلقها مؤلف العناصر عام 300قبل الميلاد، وتقول بأحادية الخطوط المتوازية في السطح القويم. وقد وضع المهندس اللبناني رشيد متي بتصرف علماء الرياضيات ثمانين برهاناً تؤسس لقواعد جديدة في الرياضيات والعلوم، وتنقض ما بنيت عليه هذه العلوم طيلة قرون من الزمن اعتقاداً أن برهان هذه المسلمة مستحيل. ونشر عام 2006م كتاباً يفند فيه براهينه، أسماه ثلاثمائة عام من الضلال في الجيوميترية؛ حيث شرح متي في مقابلة مع شبكة CNN الأمريكية أن علماء عرباً كثراً عملوا على برهان هذه المسلمة ما بين القرنين الثامن والخامس عشر. الفجوة الرقمية الكبيرة ويبدي أستاذ كلية العلوم في جامعة الكويت د.سعد الخالد رأيه حول واقع النهضة التكنولوجية في العالم العربي قائلاً: بالتأكيد لدينا أسماء أعلام في مجال البحث العلمي إلا أن العالم العربي يفتقد لاحتضان مثل هؤلاء؛ وإن كان هناك اهتمام بهم فهو ليس بالمستوى المطلوب كما في الدول الغربية التي تحتضن المفكرين والباحثين والعلماء وتقدم لهم كل أدوات البحث والنجاح لتكون لديهم قاعدة صلبة من خلالها ينطلقون؛ وهذا بارز وملموس من خلال أسماء عديدة تظهر على الساحة من وقت لآخر. ويتابع قائلاً: على مستوى الدارسين هناك بعض الطلبة المتميزين إلا أن الظروف لا تشجعهم على تقديم أي مشاريع؛ لأننا لا نولي العلماء اهتماماً كبيراً ما يجعلنا نتأخر عن الركب في عالم التقنيات؛ ولعل هذا يطلق عليه الفجوة الرقمية أي الفراغ بين المستوى التكنولوجي العالي والمستوى المتوسط أو العادي، مشيراً إلى أن الفجوة الرقمية قد تبدو في مختلف القطاعات. أما عبد المحسن أيوب مشرف في النادي العلمي بالكويت فيرى بأن المجتمعات العربية مجتمعات استهلاكية أكثر من أنها منتجة، الأمر الذي يدفع البعض للتقاعس عن أي مشروع أو بحث علمي وقال: على سبيل المثال بعض أعضاء النادي لديهم أفكار عديدة إلا أن الدعم المادي يقف أمام تحقيق طموحاتهم بالرغم أن هناك دعماً؛ لكن بعض المشاريع كبيرة وتحتاج مبالغ، هذا الحال يدفع البعض للتوقف عن ما لديهم من أعمال وأحياناً يتوجهون إلى جهات تؤمن لهم مثل هذه المشاريع. كذلك التشجيع له دوره في دعم الطاقات العلمية، وأحياناً لا يكون التشجيع مادياً بقدر ما يكون معنوياً. وتقول سوسن العبد الكريم إحدى عضوات النادي العلمي إنه يجب علينا الاستفادة من خبرات الآخرين في مجال التطور التكنولوجي والتقدم والسير على نهجهم مع إضافات وتحديث للمناهج والبرامج، والمتابع لليابان مثلاً يرى كيف احتضنت القطاع التكنولوجي والصناعات وأصبحت من كبرى الدول المنتجة والمصنعة؛ وهكذا حال عدد من الدول وما علينا إلا اتخاذ القرار للدخول في أغوار المعرفة والعلم والوقوف أمام الفجوة الرقمية؛ لا سيما أنه لا تنقصنا الإمكانات ولا العقول ولا حتى الأيدي العاملة، مجرد دعم وتشجيع ومتابعة ليعود النفع على مصلحة عالمنا. تحفيز الشباب من جانبها تقول الدكتورة افتكار الربيع رئيسة جمعية إبداعات في اليمن -التي تعني بتشجيع الشباب من الجنسين على ارتياد المجالات الإبداعية المختلفة وتأسست في العام 2001م اعتبرت في حديثها لليمامة "إن ثمة مشكلة حقيقية في تحفيز الشباب والشابات سواء من طلاب المدارس أو الجامعات للاهتمام بجوانب الإبداع العلمي، وأن هذه المشكلة لا تتوقف على اليمن بل تمتد إلى سائر الأقطار العربية"، مشيرة إلى ذلك بالقول "لا يوجد اهتمام حقيقي وجاد بتشجيع الشباب من الجنسين لخوض المجالات العلمية، البحث العلمي في اليمن لا يزال متخلفاً، وهو كذلك في كل الأقطار العربية، في الولاياتالمتحدةالأمريكية هناك أكثر من مليون مركز للبحث العلمي في حين أنه لا يوجد في العالم العربي الذي يمثل "21" دولة سوى 30ألف مركز فقط، ومعظم هذه المراكز ليست متطورة بالشكل المطلوب، المشكلة من وجهة نظري تتمثل في غياب الثقافة العلمية لدى الأفراد والحكومات العربية". هذا الوضع حدا بالحكومة اليمنية إلى اتخاذ عدد من الإجراءت والتدابير التي كان من أبرزها زيادة الموازنة المالية لوزارة البحث العلمي بما يقدر ب 150مليون ريال عن العام المنصرم 2004م وتنظيم عدد من المعارض العلمية في عدد من المناطق كصنعاء وآب وعدن لعرض ابتكارات الشباب، وحث القطاع الخاص على تشجيع المبتكرين اليمنيين وتقديم الدعم المالي اللازم لإخراج ابتكاراتهم إلى حيز الوجود بالشكل اللائق. ويؤكد "أحمد مرشد جوبح " وهو شاب يمني تمكن قبل عام ونصف من ابتكار محرك بدائي لسيارة تعمل بالمياه بدلاً عن البترول والحصول على براءة اختراع أن مساهمة الشركات والمؤسسات التجارية الخاصة تكاد تكون منعدمة في تبني إنتاج الابتكارات العلمية الشبابية أو المساهمة في تمويل إنجازها.. مشيراً إلى تجربته الشخصية في هذا الصدد بالقول "لقد أنجزت اختراع محرك مبتكر لسيارة تعمل بالمياه بدلاً عن البترول، وقمت بتجربة الاختراع ونحج نجاحاً نسبياً، والنتيجة كانت ستختلف لو أني تلقيت دعماً مناسباً لإخراج اختراعي بالشكل المطلوب". وأضاف: "وقد توجهت إلى العديد من رجال المال والأعمال وشرحت لهم فكرة الابتكار وطلبت منهم الدعم لإنتاج نموذج مكتمل للاختراع، ولم أتلق للأسف سوى وعود لم يتحقق منها شيء، هم يستكثرون الدعم وما يؤلمني أنني شعرت أنهم لم يحترموا ما قمت بإنجازه، في اليمن للأسف لا يكرمون سوى الشعراء والأدباء، لدينا أكثر من عشرة آلاف شاعر؛ لكنهم لا يهتمون بأن يكون لدينا ولو مخترع واحد". واقع غيرمؤسساتي ويعتقد الدكتور عبدالجليل التميمي، الأستاذ بجامعة تونس والمدير المؤسس لمؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات أن الواقع العربي الحالي "متدنٍ غير مؤسساتي ولا يزن في المعادلات الدولية شيئاً، وهذا نظراً لعدم استشراف دقيق لتداعيات المدّ العولمي الجارف والعاصف والذي سيطرعلى الكون كله؛ حيث استهدف ليس فقط المؤسسات التربوية بل العمق الحضاري بثوابته ومبادئه وقيمه وتقاليده العريقة، من خلال سيطرة الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات الاقتصادية والمالية والتجارية، وهي أصبحت تمسك بمقدرات الشعوب وتفرض عليها نماذجها وقوانينها".. ويقول: "كما برز نتيجة لذلك زمن المستضعفين تكنولوجياً وثقافياً ومعرفياً، وهم الذين دحرجتهم العولمة الجارفة إلى أسفل السافلين وأبعدتهم تماماً عن الاستفادة من تداعياتها الإيجابية والعمل على تفادي مضارها المدمرة عليهم ثانياً". ويتحدث الدكتور عبدالجليل التميمي عن عدم استفادة الدول النامية وخاصة الدول العربية منها من الوسائط المعرفية ومن العولمة المعرفية ومن التواصل مع الخبراء والمتخصصين في كل حقول المعرفة في العلوم الإنسانية: على الرغم من أن هذا التواصل قد أصبح أمراً سهلاً ويسيراً جداً من خلال تقليص المسافات في بعديها المكاني والزماني، وهنا يضرب الدكتور التميمي مثلاً بالعولمة الإنترناتية وما توفره للتعليم العالي والبحث العلمي والتي جسدتها بعض الجامعات الرائدة اليوم، ويقول إن هذه الجامعات الكبرى في الغرب "انضم إليها عشرات الملايين من الأفراد عبر العالم لتلقي العلم بالوسائط السمعية البصرية مجاناً، ناهيكم أن معهد ماستشوسيتس للتكنولوجيا M.I.T مثلاً لديه حالياً 1800صفّ تؤمّن الدروس مجاناً، وأن 35مليون شخص جربوا دورات هذا المعهد، والتي تؤمن لخريجيها أن يبقوا على اتصال بالجديد الجديد في البحث العلمي بل والمشاركة فيه من خلال تعميم الشراكة البحثية الدولية وتحقق المصلحة العامة، إن الأفكار والمال يتخطيان الحدود بطريقة سريعة ومدهشة لم يسبق لهما مثيل في التاريخ البشري". انتهى زمن الجامعات التقليدية وفي توصيفه لأسباب التخلف العلمي والتكنولوجي العربي حالياً، يقول الدكتور عبدالجليل التميمي: "لقد انتهى زمن الجامعات العربية التقليدية، كما أن زمن احتكار المعلومات في وجوه الباحثين وإعاقة الاستفادة من أرصدة المعارف المختلفة، هي ظاهرة بائسة، ما زال سدنة المكتبات والأرشيفات العربية يمارسونها بل ويمنعون حتى مواطنيهم من الاطلاع عليها. والحقيقة أن هذا الأمر قد انتهى وحلّت محله الآن فلسفة ومبدأ الوصول الحر للمعلومات.