(شرق) من مؤلفات أ.د. سالم عبدالجبار آل عبدالرحمن , زميل الإتحاد الدولي للعلماء المهندسين وخبراء الذكاء الصناعي والحاسوب : مرت العلاقة بين العلم والانتاج بسلسلة من المراحل التطورية، بحيث أصبح العلم والتكنولوجيا قوة انتاجية. فمن خلال الانتاج تطور العلم، وأصبحت المعرفة العلمية محتواة في مجمل العمل الاجتماعي، الأمر الذي قاد بالضرورة لأن يصبح العلم عنصراً مباشراً في الانتاج، وواحداً من قواه الجبارة التي تتطور بفعل الربط المباشر بين العلم والانتاج والعلاقة الموضوعية والجدلية المتبادلة بينهما، فتطور العلم وتطبيق المعارف العلمية قاد بالدرجة الأساسية الى تكثيف الانتاج عن طريق الزيادة المطردة في الانتاجية، ورفع كفاءة العمل. وهكذا نمت العلاقة التبادلية بين العلم والانتاج وظهر جلياً أن الأمر لا يبدو مقتصراً على ما يدين به الانتاج للعلم، إنما أصبح أيضاً مديناً للإنتاج بما يزيد عن ذلك زيادة لا نهاية لها(1). ونظراً لتوالي فعاليات الانسان في دائرة البحوث العلمية والهندسية وتطبيقاتها المختلفة ظهر ما يعرف بعصر التكنولوجيا(2)، ذلك العصر الذي اتسم بتحول العلوم والنظريات الهندسية من خلال تطبيقاتها العلمية الى نواتج صناعية، لتستغل وفقاً لإرادة الانسان في أغراض شتى كانت بداياتها من المحرك البسيط حتى وصلنا الى المنظومات العابرة للقارات، والسابحة في المدارات غير تلك المحلقة (الجوابة) في الفضاءات .. وكان يلزم ازاء هذا الخضم المعرفي غير المتناهي من المعلومات، أن تقيد هذه وفق أنظمة وقواعد يمكن أن تحفظ بها مقرراتها وتصان عبرها حقوقها ومستلزماتها، فكان أن تشكلت عدة أنظمة لعل منها نظام البراءات الذي يتحدد بقانون البراءات، والذي يقضي بحماية الاختراعات وذلك بالاستناد الى مجموعة من القوانين والضوابط العادلة التي تسن في دائرة خدمة الصالح العام لأي مجتمع من المجتمعات(3). وتشرع البلدان القوانين لحماية الاختراعات وذلك لعدة أسباب يتعلق بعضها بالبعض الآخر، وهي إضفاء الطابع القانوني على الحقوق المعنوية والمادية التي يتمتع بها المخترعون فيما يدخل بمجالات اختراعاتهم، وطرائق ابتكاراتهم، بالإضافة إلى النهوض بالقدرات الابتكارية ونشر وتطبيق نتائجها، والاحتفاظ بالمناخ المناسب الذي يساعد على جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية ضمن سياسات البلد المقررة.(4) نظام البراءات تعرف براءة الاختراع بأنها ذلك المستند الرسمي الذي تصدره دائرة متخصصة (مكتب الملكية الصناعية في الغالب) لضمان الحقوق المادية والمعنوية للمخترع لفترة زمنية محددة. ويجب أن تتوافر في طلب البراءة ثلاثة عناصر أساسية وهي: الابتكار (الخطوة الابتكارية للحالة التقنية)، الجدة (الحداثة)، وامكانية التطبيق الصناعي. وتضيف بعض الدول عناصر أخرى تتمثل بعدم الاخلال بالآداب والقوانين العامة للدولة، وأن يتعهد المخترع بأن لا يتسبب اختراعه بأية أضرار قد تحيق بالمجتمع البشري من جراء تطبيقاته المباشرة(5). ويقضي نظام البراءات بأن يقوم المخترع بوصف اختراعه في طلب البراءة وصفاً وكاملاً، موضحاً فيه كل التفصيلات المتعلقة بالتقنية المستخدمة، لكي يتمكن المستفيد أو رجل المهنة المتخصص من تنفيذ الاختراع بمجرد الاطلاع على وصفه. كما ينبغي الكشف عن الاختراع وطريقة استغلاله، قدر التمكن من ذلك. ويمكن لنظام البراءات إذا ما استغل استغلالاً مناسباً أن يفيد كل القطاعات الاجتماعية (الخاصة والعامة)، ففي وسع كل الشرائح المهتمة أن تفوز بفوائد هذا النظام خاصة اذا ما قدمت أدبياته العلمية عبر وسائل الاعلام وبطريقة مناسبة، ومن هذا يتضح أن نظام البراءات مفيد في عدة أغراض لعل من بينها: 1 توفير البيئة التي تيسر التطبيق الصناعي وعلى نحو ناجح. 2 حافز لابتكار تقنية جديدة. 3 تيسير نقل التقنية وتحديد التقنية البديلة. 4 توفير اطار مؤسسي من شأنه تشجيع الاستثمار الأجنبي. 5 توفير المعلومات التقنية لأنشطة وفعاليات البحث العلمي. 6 تحديد المؤسسات التي تمارس نشاطها في مجال تقني جديد. 7 تحديد الحلول المناسبة لأي مشكلة تقنية. 8 يعد وسيلة ناجحة للتخطيط الصناعي التقني بالاضافة الى كونه عاملاً مساعداً في عمليات وضع الاستراتيجيات الفعالة لتحقيق جملة الأهداف الصناعية الجاري التخطيط نحوها(6). ثروة معلومات المعلومات الصادرة في وثائق براءات الاختراع تعد ثروة علمية كاملة، ويمكن لنا أن نمثلها بمنجم أو باحتياطي من احتياطيات حقول النفط أو حقول المعادن النادرة الثمينة. وهذه الوثائق هي موسوعة علمية وفنية، لا يمكن أن تعوض إذا ما قورنت بالمعلومات التقنية المتوفرة في المقالات المنشورة بالدوريات أو بالمجلات العلمية، حيث تدل الاحصائيات والدراسات التي أجريت أن ما يقارب 35 في المائة من المعلومات الصادرة في وثائق براءات الاختراع لا تتوافر في النشرات والدوريات التي تنشر في مختلف المجلات. أما الأسباب وراء ذلك فهي التالية: 1 إن وثائق البراءات لها معالم موحدة الى حد ما. فعند وصف الاختراع يتطلب الأمر تحديد حالة التقنية السابقة، وبالتالي بيان الاختلاف القائم بين التقنية المتوافرة والسابقة، وما مدى مساهمة الاختراع في مجال التقنية كمادة جديدة وخطوة عملية رائدة الى الأمام. إن هذا الأمر لا يشترط أن يكون قارئ وثائق البراءات ملماً ومتكيفاً مع الطريقة الفكرية المقررة من قبل المخترع (المؤلف) في عملية حصوله على المعلومات حيث أن طريقة النص التي عرضت بالوصف، تجعل من الوثيقة عارضة ميسرة لكافة المعلومات المطلوبة فيها. 2 تشمل وثائق البراءات معظم الأمور الجديدة التي يكون من الجدير ادراكها ومعرفتها لغرض دفع عجلة التقدم التقني (في كل فرع من فروعه) بعد انجاز تطبيقاتها وأداء مصنعاتها. 3 تنقل وثائق براءات الاختراع أحدث المعلومات التقنية في مواضيعها التخصصية غالباً(7). البراءات والبحث العلمي لما كانت المعلومات التقنية الصادرة في وثائق براءات الاختراع غير سرية، لذا كان لها دور كبير في دعم ومساندة كافة نشاطات البحث العلمي والاستحداث التقني وذلك في أغلب دول العالم المتقدمة تكنولوجياً. ذلك أن ادارات أغلب شركات التصنيع الأولى في بلدانها سعت الى مجاراة عالم الابداعات التقنية الحادثة عبر دورات مراجعاتها لحركة التصنيع المنجزة عندها، ورتبت لذلك العديد من البرامج لتجديد محاور العمل بكافة قطاعاته عبر الاضافات الحديثة الواقعة من جراء حركة الاختراع والابتكار المنجزة عالمياً، من أجل رفع القيم النوعية لمنتجاتها الصناعية وحفز وتطوير أعمال منظوماتها التصنيعية لتتماشى مع نسيج الفعاليات المتقدم صناعياً والجارية بين حين وآخر. كما تسابقت هذه الشركات الى خطب ود كافة العقول الذكية والمبتكرة سواء العاملة منها في الجامعات الأوروبية أو الأميركية وكذلك بعض الجامعات الآسيوية وذلك لتسويق أفكارها الصناعية والاستثمارية العالية في خضم التنافسات الحادة الجارية في مجتمعاتها التقنية، مما آل الى حفز وتدعيم البرامج العلمية المتقدمة في جامعات هذه الدول وكذلك مراكزها البحثية فاندفعت بفعل ذلك الفرق البحثية المتميزة واضعة اراداتها وخططها وبرامجها الاستراتيجية في مضمار هذه التسابقات الجارية في الكثير من المجالات الصناعية. إلا أن وقائع الأحداث تجري (كالعادة) بغير اتجاهها الصحيح في كثير من الدول النامية، حيث نجد الكثير من براءات الاختراع المتميزة التي لم تستغل الاستغلال الأمثل من حيث تطبيقاتها في الاغراض البحثية والصناعية رغم أن هذه الدول هي الأكثر احتياجاً للتقدم التقني والاقتصادي السريع. وإذا اخدنا هذا الجانب بنوع من التحليل نجد أن معظم العقبات التي تحول دون الاستفادة من المعلومات الصادرة في براءات الاختراع التي تؤدي الى عدم ظهور دور مؤسساتها (خاصة في البلدان النامية) ترجع الى ما يلي: 1 عدم المام بعض رجال العلم والتقنية وخاصة في الجامعات ومراكز البحوث المختلفة والوحدات الصناعية بماهية هذه المعلومات، بل لا نبالغ إذا ما أشرنا الى أن العديد منها لا يوجد لديه أي معلومة عن براءة الاختراع نفسها، وهذا هو الحاصل في أغلب مؤسساتنا العلمية العربية إن لم نقل كلها. 2 وجود الكثير من وثائق البراءات المكتوبة بلغة غير لغة الباحث أو العالم والذي يحد من مدى الاستفادة منها، وبالتالي عزوف هذه الفئة عن استخدام هذه المعلومات خاصة إذا كانت اللغة المعتمدة في كتابة هذه الوثائق غير منتشرة عالمياً كاليابانية، والالمانية، والاسبانية (على سبيل المثال لا الحصر). 3 لا يتعدى دور معظم مكاتب الملكية الصناعية في الدول النامية عمليات التسجيل والحماية، وهي لا تتولى موضوع الاهتمام بالخدمات التقنية المتعلقة بعمليات الاتصال والترويج للاختراعات المسجلة عندها. 4 أغلب مكاتب الملكية الصناعية في الدول النامية تعمل بصورة منفردة عن بقية المؤسسات الصناعية العاملة في هذه البلدان، حيث لا يلاحظ حتى ادنى درجات التنسيق والتعاون بينها وبين مثل هذه المؤسسات بالاضافة الى انقطاع صلاتها مع الجامعات والمراكز البحثية الأخرى. 5 غياب سياسات الدعم والتشجيع لمعظم الباحثين والعلماء من العاملين في مجال الاختراع والابتكار في هذه البلدان (لاسيما العربية منها) الأمر الذي أدى الى اخماد فعالياتهم البحثية المتقدمة التي يمكن توجيهها وتأويجها في ظل التغيير المطلوب بعد أن تتم عمليات انعاش سياسات البحث العلمي والصناعي في هذه الأقطار. 6 تقهقر خطط البحوث العلمية الابتكارية الصناعية في ظل غياب القيادات العلمية الرائدة في بعض هذه البلدان خاصة ابان الأزمات الحادثة التي تعصف في أركان الاستقرار الانساني بشكل عام. وهذا يحدث هجرة بين فترة واخرى للعقول والأدمغة الذكية. 7 تحكم التكنوقراطية وعقائد التبعية العلمية وسياسة العقول الادارية (غير العلمية والهندسية) على مواقع صناعة القرار الابتكاري في غالب مؤسسات هذه البلدان النامية. 8 ضعف ادراك ومتابعة القيادة العليا لبعض هذه البلدان لأهمية مواطن شرايين الابتكار والاختراع في العمليات التنموية والاقتصادية الأمر الذي يؤدي الى عدم توجيه الدعم الكافي والملائم لها. 9 توافر بعض المؤسسات الداعمة والموطنة للأدمغة المبتكرة في غالب دول العالم المتقدم تكنولوجيا. إن الاسباب الواردة أعلاه يمكن التغلب عليها إذا ما تم الاهتمام والتعاون بين مختلف القطاعات المستفيدة ومكاتب الملكية الصناعية في البلد نفسه، والذي يعد حلقة الربط مع مكاتب المنظمات ذات العلاقة بهذا الموضوع. ويمكن الاشارة الى النقاط التالية للحد من الصعوبات سالفة الذكر: 1 كسر الاعتقاد الخاطىء والسائد لدى فئة كبيرة من العلماء والباحثين التقنيين بأنه لا يمكن الاعتماد على وثائق البراءات كمصدر للمعلومات التقنية وذلك باعداد المحاضرات والندوات المتخصصة بهذا الموضوع. 2 يمكن التغلب على مشكلة اللغة بانشاء قسم خاص للترجمة يلحق بمكاتب الملكية الصناعية، بحيث يصدر هذا القسم كافة أوراق البراءات المقدمة لمكتب الملكية الصناعية بلغات أخرى وذلك في كتب دورية، شرط أن تصدر واحدة منها في لغة الباحث الأصلية، أو ينهض مكتب الملكية الصناعية بإضافة شرط تقديم الوثائق المقدمة لغرض تسجيل براءة الاختراع باللغة السائدة في البلاد على أوراق طلب البراءة بالاضافة الى لغة دولية اخرى كالانكليزية مثلا إذا دعت الضرورة لذلك. 3 نشر العقائد العلمية الموجهة نحو رفع ودعم الأعمال العلمية عامة والابتكارية منها خاصة، ضمن انسجة الفرق البحثية العاملة وفي مختلف المجالات خاصة المؤثرة منها (اقتصادياً واجتماعياً وتنموياً ). 4 ارساء حقيبة الخطط البحثية العلمية الصناعية (التقنية) في كافة مؤسسات البلاد سواء الجامعات والمعاهد العلمية أو المنشآت والمصانع والمراكز التقنية وبشكل دوري بحيث تتم متابعة خطوات الانجاز فيها بالتوافق مع المعطيات المعمول بها في الدول الصناعية التقنية الكبرى، ومحاولة رصد عقد التعثر الموجودة في كافة قنوات العمل للمباشرة في رفعها بالوسائل والآليات المناسبة. 5 عقد الصلات العلمية التقنية مع المراكز البحثية الصناعية المتقدمة في العالم وذلك لإنجاز خطط الأهداف التي تحتاج الى اوعية التعاون المشترك (الملزمة) خاصة في عمليات نقل عمل المنظومات الصناعية الكبرى التي تتطلب الكثير من الخبرات الدولية في مجالاتها التخصصية بحيث يتم ذلك دون ان تسلم قيادات هذه المشاريع الى جهات أجنبية، بعد أن تنجح القيادات العلمية الوطنية بتحديد كافة الحاجات والمستلزمات الصناعية المطلوبة لاقرار وبناء مشاريع الهدف (أو الأهداف) المطلوبة. 6 تحفيز وسائل الاعلام المختلفة ودعمها لغرس اهتمامها بقضايا نشر الوعي العلمي والصناعي التقني لدى مختلف فئات المجتمع خاصة داخل الجامعات والمعاهد والمراكز العلمية والاستشارية ومحاولة تصعيد نفس الاختراع والابتكار لدى الشرائح الموهوبة في المعامل الجامعية والورش الصناعية ودعمها وتشجيعها بمختلف الوسائل والقضايا الملبية لطموح القيادات العلمية المشرفة على برامج تأويج العمل الصناعي التقني في الدولة. 7 الاستفادة من عمليات تبادل المعلومات مع مكاتب الملكية الصناعية، وخاصة في ما يتعلق بالخدمات المجانية التي تقدمها المنظمة العالمية للملكية الفكرية في ما يتعلق بتقارير البحث عن حالة التقنية، وكذلك تكثيف التعاون بالنسبة للدول العربية مع مكتب توثيق براءات الاختراع باتحاد مجالس البحث العلمي العربية ومحاولة تنشيط دوره عبر قنوات الاتصال والتعاون المشترك(8). ونظراً لأهمية الخدمات التي تقدمها المنظمة العالمية للملكية الفكرية، سنحاول التوقف قليلاً مع بيان فعالياتها وبشيء من الايجاز. خدمات المنظمة العالمية للملكية الفكرية تقدم المنظمة العالمية للملكية الفكرية العديد من الخدمات المجانية في مجال المعلومات المتعلقة بالبراءات منذ عام 1975، بناءً على اتفاقات تعقدها مع بعض مكاتب الملكية الصناعية. ومن مثل هذه الخدمات تقدم التقارير عن حالة التقنية الصناعية تلبية لطلبات المؤسسات الحكومية في البلد المعني، وتتضمن هذه التقارير: وصف الحالة التقنية الصناعية بالنسبة الى المشكلة التقنية المحددة بالطلب. حالة التقنية القائمة بوثائق البراءات والمراجعة الاخرى ذات الصلة بالمشكلة التقنية المحددة بالطلب. الحصول على نسخ من بعض الوثائق المحددة للبراءات بالمجان. بالإضافة الى ذلك فأن المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO تنهض بفعاليات مختلفة لإعداد بعض النشرات العلمية والكتب الارشادية خاصة عند التصنيف الدولي وذلك للتعرف بسهولة على المعلومات التقنية الواردة بالوثائق بالاضافة الى تعزيز المصادر الأولية والثانوية للمعلومات الخاصة بالبراءات وتطوير عملية تبادلها بين البلدان. أما بالنسبة للتدريب والتأهيل والمساعدات التقنية فأن للمنظمة العالمية للملكية الفكرية برنامجاً خاصاً بذلك يمكن التعرف عليه سنوياً من خلال مراجعة أوراق خططها المعلنة، كما أن هذه المنظمة تقوم بين فترة وأخرى بتنظيم حلقات تدريبية بشأن المعلومات المستخلصة من وثائق البراءات(9)، هذا غير اجتماعاتها الخاصة التي تنظمها لمجموعة من خبرائها بين فترة وأخرى(10). الوصول الى المعلومات الصادرة بوثائق البراءات باستخدام قواعد البيانات الالكترونية من المعروف أن الحاسبات الالكترونية (خاصة المتطورة اليوم) ذات امكانيات هائلة في تخزين واسترجاع المعلومات وبطريقة سهلة. ونظراً لامكانية ربط وحدة الحاسوب بعدد كبير من قواعد البيانات الالكترونية عن طريق شبكة هواتف فإنه يمكننا الانتفاع والاستفادة منها وبمختلف المجالات المطلوبة. وتسمح شبكات الاتصال السلكية واللاسلكية بالاتصال بمئات من مراكز الحاسبات الالكترونية التي تقع في عدد كبير من البلدان التي تتوافر فيها أعداد كبيرة من قواعد البيانات الالكترونية. واليوم إذ يشهد العالم رواج الشبكة العنكبوتية العالمية للمعلومات (الانترنت) فإن عمليات المبادلة ونقل حقائب المعلومات (بمختلف مستوياتها) تؤدي أعمالها بسرعة عالية وفي أي فترة زمنية تطلب فيه. هذا ويتم الانتفاع بقواعد البيانات الالكترونية الخاصة بوثائق براءات الاختراع بعد عقد اتفاق بين المنتفع وصاحب المعلومات، وهنا يتعين على المنتفع استعمال كلمة سر معينة لكي يتعرف عليها مركز المعلومات لتفادي الذين ينتفعون بقاعدة البيانات دون تصريح. ويمكن الحصول على المعلومات المتعلقة بوثائق براءات الاختراع على هيئة ملخصات، وكذلك عرض صور توضيحية على شاشة العرض أو عرض معلومات ببليوغرافية(11) عن البراءات. خلاصة من العرض السابق تتبين أهمية الاختراعات بالنسبة لأنشطة البحث العلمي وباقي القطاعات الأخرى، ويمكن تلخيص ذلك في النقاط التالية: يعد الاهتمام بهذا المجال حافزاً لمباشرة انشطة البحث من أجل الحصول على حماية للبراءة. تخفيض كلفة انشطة البحث للحصول على حق في البراءة وهذا ييسر الاستثمار من أجل التطوير، ويتلافى ازدواج الجهود ويجنب مضاعفة النفقات التي تصرف على البحث عن الحلول للمشكلات التقنية. وهذا من شأنه أن يلهم أو يحفز على ابتكار اختراعات اضافية تسهم في تقدم العلم والتكنولوجيا. وبحماية البراءة، فأن خطر فقد ثمرة البحوث الناجمة يكون مستبعداً ، وبذلك يزداد التنافس في بذل جهود إضافية في مجال البحث. تعتبر وثائق البراءات مصدراً للمعلومات التقنية، وذلك لما تحتويه من ميزات مثل: المعلومات التقنية المصنفة، وهذا يسهل الحصول على المادة العلمية المطلوبة، بالإضافة الى أنها تحتوي على معلومات تقنية حديثة (أحدث من تلك التي تظهر بالدوريات والمجلات الأخرى). الانتفاع بالمعلومات الواردة بوثائق البراءات يساعد على إعداد استراتيجيات رصينة في البحث العلمي والفني، وهذا الأمر سيعكس العديد من المنافع على المؤسسات الحكومية والجامعات ومراكز الابحاث والمؤسسات الصناعية. التوصيات 1 تعتبر المعلومات الصادرة بوثائق براءات الاختراع من حق العامة، فبمجرد حصول صاحب البراءة على براءته يحق لأي شخص الاطلاع على محتوى البراءة، لذا نوصي المتخصصين والباحثين التقنيين (العرب خاصة) بمتابعة نشرات هذه الوثائق لما لها من آثار علمية نافعة على مهام أعمالهم ومشاريعهم المستقبلية. 2 لا يعرف الكثيرون أهمية مكاتب الملكية الصناعية حيث أن من المعروف بأن هذه المكاتب تضم وثائق براءات اختراع تحمل العديد من المعلومات التقنية وخصوصاً الاشخاص الذين تواجههم المشكلات الفنية في مصانعهم، مما يؤدي الى قيامهم بعرضها على الشركات الأجنبية، وهذا بطبيعة الحال سيكلفهم كثيراً لحل تلك المشكلات من قبل هذه الشركات، مع أنه بالامكان الحصول على حل لمثل هذه المشكلات من مكتب الملكية الصناعية وبتكاليف أقل بكثير، فحبذا لو تم الاتصال بمكتب الملكية الصناعية والاستفسار منه عن تلك الاشكالات الصناعية العارضة. 3 تقدم المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO العديد من الخدمات. وحسب المعلومات المتوافرة فإن الدول العربية لا تقوم باستغلال تلك الامكانات المجانية المعروضة عليها، بالرغم من وجود مؤسسة مشابهة تقدم الخدمات نفسها على المستوى العربي وهي «وحدة التوثيق لبراءات الاختراع» التابعة لاتحاد مجالس البحث العلمي، وهذا الأمر يعيب (دون شك) حركة البحث العلمي العربي وعلى مختلف مستوياته، فليت قوافلنا العلمية والبحثية العربية تعي ذلك لتيمم وجهها صوب هذه الانجازات الماهرة علها تهتدي الى دلالاتها العلمية «الضائعة» التي ربما تأخذ بيدها الى حركة تفعيلية مباشرة في عالم الابداع التقني العربي (الخافت). 4 براءة الاختراع لا تعني بالضرورة أنه تم اختراع شيء جديد وإنما أيضاً تعني تطويراً وابتكاراً جديداً لشيء سابق. فإذا ما فقهنا هذا فإن ذلك سيفتح أمامنا امكانات لا بأس بها لغرض تسجيل عشرات الطلبات يومياً للحصول على براءات اختراع في مجالات شتى، وبذلك فإنا ندعو جميع المواطنين العاديين أو الباحثين أو الصناعيين أو التقنيين بالمبادرة لتسجيل ما يقومون به من ابتكارات جديدة، قد يكون لها (من حيث يعلمون أو لا يعلمون) الأثر الناجع في تأسيس أو تطوير أو تفعيل حركة صناعية تقنية رائدة في عالم الصناعات العربية المتطلع .. المنتظر. المصادر والهوامش (1) "التقدم العلمي والتكنولوجي ومضامينة الاجتماعية والتربوية والاقتصادية" سالم آل عبدالرحمن، منشورات دار الحكمة، ابريل 1988، ص76. (2) عرفت التكنولوجيا من خلال الترجمة الحرفية للكلمة من الاصل اللاتيني على انها اسلوب اداء المهنة او الصنعة او هي العلم الذي يدرس تلك الوسائل التي يستخدمها الانسان لبسط سيطرته على مقدرته وبيئته، وهي تشمل غالبا عنصرين: أ الشكل المادي وهو الاجهزة والادوات والمعدات المتطورة. ب الشكل غير المادي وهو مجموعة المعارف او ما يسمى How to Know وهي المعارف اللازمة للتشغيل والتصنيع والتطوير والصيانة. "التكنولوجيا الوافدة .. قراءة بين الضرورة وما يترتب عليها من مشاكل"، سالم آل عبدالرحمن، دار الراقية للصحافة والنشر شعبان 1413ه، يناير 1993، ص30. (3) "أهمية حماية الاختراعات وفائدة وثائق البراءات بالنسبة لانشطة البحث العلمي والتنمية" وثيقة من اعداد المكتب الدولي للويبو، رقم 5/88/Ac/Ip/wipo، ص2-13. (4) "الاستحداث التكنولوجي وعملية الابتكار في البلدان النامية" وثيقة من إعداد المكتب الدولي للويبو، رقم 6/179/BGD، ص3-14. (5) "تقويم البرامج الصناعية العربية وأدلجة خياراتها النوعية"، سالم آل عبدالرحمن، منشورات دار البحر الفنية للنشر والتوزيع، اغسطس 1989، ص105. (6) تأويج الفكر التقني واستراتيجيات العمل الصناعي، سالم ال عبدالرحمن، آفاق صناعية، مايو 1987 ص20. (7) الاستحداث التكنولوجي وعملية الابتكار في البلدان النامية، وثيقة من إعداد المكتب الدولي للويبو، رقم 8/81/CDR، ص5-9. (8) سمات علوم المستقبل وأزمة البحث العلمي، سالم ال عبدالرحمن، دار الشروق، يونيو 1995 ، ص20-25. وانظر كذلك: أطر منهجة الاعتماد الصناعي الذاتي في برامج العمل العربية الاسلامية- أحد مباحث محاضرات الباحث في مجال “التنمية الصناعية العربية الشاملة” (موجودة .. غير مفقودة) سالم ال عبدالرحمن، (1995 1997). (9) "دور البراءات في التطور التكنولوجي" مجلة حماية الملكية الصناعية، السنة الثانية العدد 18 سبتمبر 1989، ص4-11. (10) كان آخر اجتماع أعلنت عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO والخاص بمجموعة خبرائها هو ذلك المنعقد بجنيف للفترة من 7-11 مايو 2001 (عن رسالة الدعوة التي بعثتها منظمة WIPO للبروفيسور آل عبدالرحمن ). (11) "دور البراءات في التطور التكنولوجي ونقل التكنولوجيا"، مجلة حماية الملكية الصناعية، السنة الثالثة، العدد 27، يوليو 1990، ص8-12.