يعيش سوق العقار في الآونة الأخيرة حالة من الهيجان الذي ترك أثره على نفسيات المتعاملين فيه، علما بأن أهم ما يميز سوق العقار أنه سوق شامل يشمل بتعاملاته كافة فئات المواطنين، سواء كانو مستثمرين أو مطورين أو مستهلكين أو غير ذلك. فالسكن، مثله مثل الطعام والشراب، يمثل أحد متطلبات الإنسان الأساسية في الحياة، وهو بذلك يشغل بال كافة شرائح المجتمع، خاصة وأنه يمثل ما يربو على 80في المائة من حجم التنمية العمرانية في أي مجتمع عمراني. والسؤال الذي يتبادر إلى أذهان الكثيرين في الآونة الأخيرة وتناوله بعض الكتاب على صفحات الجرائد هو السؤال المتعلق بأسعار الأراضي والعقارات، وما توصف به من ارتفاع هائل، وأسباب مثل هذا الارتفاع غير المبرر، والحديث عن فقاعة يشهدها سوق العقار، وتوقعات متشائمة بما يمكن أن يحدثه أثر انفجار هذه الفقاعة من ضرر هائل قد يفوق الضرر الذي وقع جراء انفجار فقاعة الأسهم، ودور الدولة في حماية المجتمع من هذه الفقاعة. والحقيقة الرئيسة، أن مشكلة سوق العقار في المملكة هي غياب الكيان المسؤول عن هذا القطاع الهام، والدور الذي يلعبه مثل هذا الكيان في الرقابة والتخطيط والتنظيم والتشريع والتأطير والسيطرة بما يكفل للسوق العقاري احترافية مهنية، لا تؤدي فقط إلى حماية أطراف اللعبة من أخطاء وممارسات الأطراف الأخرى، بل تحقق تنمية متوازنة في القطاع العقاري، تقودها الاحتياجات الحقيقية للتنمية العمرانية، وترسخ ثقافة التطوير عوضا عن ثقافة المضاربة والربح السريع. وفي قناعتي أن سوق العقار سوف يستمر في حال التخبط الذي يعيشه طالما غاب هذا الكيان، وغاب هذا الدور. أكثر ما يعاب على هذه الحالة هي أن كافة أطراف اللعبة يلقون باللائمة على بقية الأطراف في ما يشهده السوق من تخبط وارتفاع في الأسعار، ونقص في العرض في مواجهة الطلب المتزايد، الأمر الذي أدى إلى نشوء هذه الفقاعة الوهمية، وما صاحبه من مخاوف من أثر انفجار هذه الفقاعة. فهوامير العقار، كما يطلق عليهم في هذه الأيام، تمثيلا لهم بهوامير الأسهم، يلقون باللائمة على أجهزة الدولة المختصة في غياب آليات وأنظمة الرهن والتمويل العقاري، وبطء إجراءات التراخيص لتأسيس الشركات والمشاريع، وغياب الآليات القانونية التي توفر الحماية من حالات التهرب من السداد وحفظ الحقوق. والمستهلكون يلقون باللائمة على هوامير العقار في زيادة أسعار الأراضي، ويتهمونهم بتدوير الأراضي فيما بينهم بما يزيد من أسعار هذه الأراضي عبر تحميلها طبقات من الربحية المضاربية. والدولة تلقي باللائمة على هوامير العقار في غياب المبادرات التطويرية الحقيقية، وإيثار الاستمرار في ما تعودوا عليه من متاجرة بالأراضي عوضا عن برامج التطوير الشامل. والحالة هنا في النتيجة هي كحوار الطرشان، ولن تحل هذه المشكلة إلا بوجود هذا الكيان الراعي والمنظم لسوق العقار، ليتمكن من فهم المشكلة الحقيقية، ووضع الحلول الفاعلة مدعما بسلطة تشريعية مطلقة تدفع بقطاعات الدولة ذات العلاقة لأداء دورها في هذه المنظومة. قرأت في إحدى الصحف مقالا للأستاذ إبراهيم بن سعيدان حول مبررات ارتفاع أسعار الأراضي. وأبو بدر بكل تأكيد أحد أهم العارفين ببواطن السوق العقاري وأحد أهم لاعبيه الرئيسيين. وبالرغم من أنني وجدت في هذا المقال تعبيرا عما طرحته فيما سبق من وجهة نظر العقاريين اللائمة لقطاعات الدولة ذات العلاقة وتحميلها المسؤولية عن حالة ارتفاع أسعار الأراضي، إلا أن هذا المقال أبرز نقطة مهمة جدا في وجهة نظري، تتمثل في الدور الذي يمكن أن تؤديه ممارسات بعض قطاعات الدولة غير ذات العلاقة المباشرة بسوق العقار على السوق العقاري بشكل عام، حيث أبرز المقال على سبيل المثال أثر الآليات التي تطبقها وزارة العمل على السوق عبر نقص العمالة وعجز المقاولين عن إنجاز المشاريع. وأثر آليات القطاع البنكي والمالي في غياب الدعم اللازم لصناعة البناء والتشييد، وأثر بطء الإجراءات القضائية في ضعف ترسيخ ثقافة الحفاظ على الحقوق. وفي المحصلة، فإن السوق، أي سوق، يتأثر تأثرا مباشرا بكافة الممارسات التي تطبقها كافة قطاعات الدولة، حتى لو لم يكن لها علاقة مباشرة بهذا السوق. ومن هنا تبرز أهمية وجود هذا الكيان الراعي لسوق العقار، ليتلمس اثر مثل هذه الممارسات، وليكون ناطقا باسم أطراف السوق العقاري لدى كيانات الدولة المختلفة. سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رد على سؤال حول فقاعة العقار التي تشهدها مدينة دبي قائلا إن هذه الفقاعة لن تنفجر، وستظل تكبر لترتفع بالمدينة فوق بقية المدن. وإن كنت لا أتفق مع مثل هذا الوصف بشكل مطلق، إلا أن الحقيقة هي أن تلك الفقاعة هي التي حققت التنمية الرائدة التي تشهدها مدينة دبي، وتبعتها في الآونة الأخيرة كثير من المدن المجاورة. وأقول هنا، إذا كانت فقاعة دبي حققت لها هذه التنمية فبوركت هذه الفقاعة. الفرق الرئيس بين سوق دبي والسوق السعودي هو أن الطلب في السوق السعودي هو طلب حقيقي وليس وهميا ولا مفتعلا. وبذلك، فإن الفقاعة السعودية ستكون أكثر صلابة وأبعد عن الانفجار. أنا لا أدعو إلى إطلاق الحرية في رفع الأسعار دون نظام حاكم، ولكني أدعو إلى توفير المناخ الملائم لتشجيع هوامير العقار على تبني فكر التطوير والتنمية عوضا عن فكر المضاربة والاتجار بالأراضي، عسى أن نلحق بركب التنمية في دبي وشقيقاتها. @ العضو المنتدب شركة تحالف للتنمية