لا تعرف السينما العربية وجهاً غنى ومثَّل في أفلام استعراضية وغنائية وميلودرامية وصدقته العين والأذن العربيتين، وربما العالم كله، إلا وجه ليلى مراد (1918-1997). ليلى مراد الابنة البكر للمطرب زكي مراد أحد كبار مطربي ما بين القرنين التاسع عشر والعشرين، من أسرة أصولين البربرية - المغربية، وابنة جميلة إبراهيم سلمون، حيث تنتمي الأسرتان إلى ما يسمى: سفارديم (يهود الأندلس)، وهي أخت للمغنية ملك وسميحة مراد والملحن منير مراد. ليليان أو ليلى فيما بعد التي حصلت تعليمها في مدرستي سان ماري ونوتردام ثم معهد فنون الطرازة لتتمكن من فنون التصميم والخياطة بعد أن كانت تترأس جوقة التراتيل والأناشيد في مدرستيها فتدخل عالم الغناء رغم خجلها عندما عاد إلى القاهرة والدها من رحلته الفنية إلى أمريكا حيث عرب المهجر هناك وخسران ثروته جراء مضاربة بورصة أغراه بها أخوه وسيكون صالونه الثقافي معبراً لحناجر الغناء حيث بدأت خلال العقدين الأولين مرحلة شركات الإنتاج مثل: ميشيان وأوديون وبيضافون التي كانت تسجل لمطربي ومطربات تلك الفترة وكان يتعاون مع التاجر ليتو مسعودة والملحن داوود حسني. تلقت ليلى فنون الغناء العربي التقليدي من موشحات وأدوار وطقاطيق مما تسمعه في صالون والدها مثلما تلقت أصول الإلقاء الغنائي والتمارين الصوتية مع مدام جيلان رطل في مدرستها مثلما ستتلقى أسمهان وأميرة كامل أيضاً وربما أخريات. دفعها للغناء في الإذاعة الموسيقي مدحت عاصم، ودعمتها ألحان محمد القصبجي في تسجيلها أغنيات فيلم: الضحايا - 1935للممثلة والمنتجة بهيجة حافظ، ثم رشحها محمد كريم لتمثل مع محمد عبد الوهاب فيلم: يحيا الحب، وكرت سلسلة أفلامها بين 1936- 1955مع المخرج توجو مزراحي الذي أطلق اسمها على عناوين أفلامها وتعرفت على أنور وجدي ونجحا سوياً ثم كوَّنت شركتها أفلام الكواكب مع أخيها إبراهيم وأنتجت لشادية وأخيها منير فيلماً ثم تعاونت مع المخرج هنري بركات ويوسف شاهين. غنت ليلى مراد لكبار الملحنين والشعراء أمثال: أبو السعود الأبياري وبيرم التونسي وحسين السيد ومحمد القصبجي ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي ومحمود الشريف وأحمد صدقي، وشاركها كبار المغنين في أفلامها عبد الوهاب وإبراهيم حمودة ومحمد فوزي، ومحمد عبد المطلب ومحمد البكار كذلك كبار الممثلين: يوسف وهبي وأنور وجدي وحسين صدقي ويحيى شاهين.. تغني ليلى الحب باسم الرقة والشجن والأناقة مثلما غنت الإنسان المقهور من العمى، والطموح في شبابه، والماء والهواء في مصر.. من ينسى أدوار ليلى وأغانيها في فيلم: ليلى في الظلام، أو قلبي دليلي، أو غزل البنات، أو عنبر، أو سيدة القطار، أو الحياة الحب؟. لا أحد. ربما الكثير لا ينسى. ليلى وجه الجمال والحب. ليلى تغني الدماء في العروق. هل نذكر أغنية: الحب جميل للي عايش فيه؟. هل نذكر: بحب اتنين سوا يا هناي في حبهم / المية والهوا طول عمري جنبهم ؟ هل نذكرها؟. المخرج محمد خان تذكرها بفيلم: في شقة مصر الجديدة -2007، عن قصة وسام سليمان عن أشخاص عاديين وتفاصيل صغيرة ولكنها تأخذ العمر كله بهمومها وانشغالها. قصة نجوى(غادة عادل) مدرسة موسيقي من المنيا تنتهز فرصة مجيئها إلى القاهرة في رحلة مع تلميذاتها لتبحث عن تهاني مدرستها الأولى التي علمتها الموسيقى وحفظتها أغنية: قلبي دليلي لليلى مراد، التي تقطن في شقة بمصر الجديدة، فتتفاجأ نجوى أن الشقة يسكنها شخص آخر (خالد أبو النجا)، وشفيق (يوسف داوود) مالك العمارة عاشق تهاني يستقبل رسائل نجوى ولا يعرف أين ذهبت تهاني؟ فتتحول رحلة نجوى بالقاهرة إلى سلسلة من المغامرات بعد أن يفوتها قطار العودة فتسكن لفترة في بيت المغتربات الذي تديره حياة القلوب (عايدة رياض) وتصبح شقة مصر الجديدة مكاناً يلتقي فيه اثنان من عالمين مختلفين ولكن هل تعثر نجوى في النهاية على مدرستها أو تعثر على الحب؟. أدار المخرج خان فيلمه ببساطة وركَّز على التفاصيل. شخصيات القصة تعيش في الفراغ. دون حب ولا حالة حب. وليس أي حب. حب مجنون. يشغلنا هذا الحب الذي أشغل نجوى لمعرفة ماذا تقصد كلمات أغنية ليلى مراد: حبوبي معايا من قبل ما أشوفه/ قلبي دام راية مرسوم فيها طيفه.. ينتهي الفيلم أو لا تعود نجوى إلى المنيا بل تجد قلبها في القاهرة. تسكننا ليلى مراد. وردة حب وحنجرة خالدة.