متى سيأخذ النصر بطولة؟ طبعاً ليس هذا هو السؤال الأهم وليس هو ما أعنيه لكنه السؤال الدارج على الساحة الرياضية عامة وعلى النصراوية خاصة أو ربما انضم هذا السؤال لقائمة الأسئلة البدائية والتقليدية التي عادة ما تطرح في البرامج الثقافية ك (من سيربح المليون) أو (وزنك ذهب) والتي مللنا منها وحفظناها عن ظهر قلب على غرار: - ما هو أطول نهر في العالم؟ - من هو المصدر الأول للنفط؟ - كم مرة فازت البرازيل بكأس العالم؟ - ما هو أكبر المحيطات؟ وكأن قاموس الثقافة العربية لا يوجد به إلا هذه المعلومات المستهلكة فما الذي يحدث مثلاً لو قلبنا السؤال الأخير ليصبح: - ما هو أصغر المحيطات؟ على الأقل سنسمع إجابة غير التي تعودنا عليها؟ وأنا أرى أن سؤال.. متى سيأخذ النصر بطولة؟ سينضم لهذه القائمة رسمياً رغم تداوله على الصعيد الشعبي منذ فترات طويلة. وهنا مربط الفرس.. فطريقتنا في عرض هذا السؤال هي خطأ بحد ذاتها لأن هناك أسئلة يفترض أن تطرح قبله ومن ثم يمكن أن يأتي هو في مرحلة متقدمة وهذا تأكيد على أن النصراويين يتناولون القشور ويهملون لب القضية.. دعوني أطرح هذا السؤال أولاً: ما هي علة النصر؟ الجميع يدرك أن النصر مر بمرحلة (متجمدة) من الناحية الإدارية لفترة طويلة وربط البعض اخفاق النصر لهذا السبب ولكن الوضع اختلف وواكب النصر بقية الأندية وعصفت به رياح التغيير سواء على الصعيد الإداري أو الفني ومع ذلك لم تتغير حاله إن لم تزدد سوءاً. وهذا ما يفترض طرحه بدل أن نناقش مسألة سطحية كحصول النصر على بطولة لن تحقق في ظل اغفال المسألة الأهم وهي (علة النصر) وبالتأكيد لن تكون العلة في (الفلوس) فهناك أندية توازي النصر مادياً وربما تقل عنه كالشباب والاتفاق والأهلي ومع ذلك حققت البطولات في حين غاب النصر عنها وهو الذي صرف في الموسم الماضي ما يقارب ال 45مليوناً لم تؤت ثمارها. هناك من يقول أن النصر بحاجة لمدرب عالمي.. وآخر ينادي بنجوم دولية وآت من بعيد يقول (ما فيه أحسن من المحلي) وأحسنهم يلخص العلة في الدعم وفي عزوف أعضاء الشرف عنه وأجرأهم يحمل الإدارة مسألة الاخفاق. وأنا أقول.. حتى لو تحققت جميع هذه الرغبات فلن يغير ذلك في الأمر شيئاً (فعلة النصر) أكبر وأعمق من ذلك.. الثقافة النصراوية.. للأسف الثقافة النصراوية المتأصلة والراسخة في الجذور هي ثقافة متجمدة، ثقافة غير مرنة ومتصلبة، ثقافة تعتمد على التملك وحب الذات والاقصاء!! تشعر خلالها بأنهم كانوا منغلقين وفجأة وجدوا ضالتهم في النصر ليمارسوا فيه ومعه ومن خلاله كل أنواع الانعتاق من هذا الانغلاق.. طوال عمرنا ونحن نسمع ونقرأ أن النصر مظلوم ومحارب من جهات عدة.. من الاتحاد السعودي ومن لجنة التحكيم ومن الإعلام والمعلقين وحتى الاتحاد الدولي! وقد يكون في هذا شيء من الصحة، إلا أن النصراويين أجادوا العزف على هذا الوتر واستمرؤوا دهاليزه إلى أن بات ثقافة متأصلة حتى عند الكادح النصراوي! والكل يعرف أن المقصد من ذلك هو تبني النصر ليظهر أصحاب هذه الثقافة بمظهر الأبطال المدافعين عن حقوق فريقهم المهضومة.. قد يكون النصر مظلوماً حقاً.. لكنه مظلوم أيضاً من إدارته ومن محبيه وبات مظلوماً أكثر حتى من جماهيره.. ما أكثر ما حمل النصراويون ناديهم ما لايطيق متناسين أن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة!! دعوني أبدأ من الفريق واللاعبين.. النصر ومنذ سنوات طويلة مر عليه العديد من النجوم الكبار والمدربين العالميين أمثال (ماجد عبدالله، توفيق المقرن، هاشم سرور، عبدالله عبدربه، يوسف خميس، فهد الهريفي، محيسن الجمعان). وعلى صعيد المدربين (فورميغا، هيربان، بيلي بريمنجهم، هنري ميشيل، آرثر جورج) وغيرهم. ومع ذلك أعتقد أن النصر لم يحقق من البطولات والانجازات ما يوازي حجم أولئك النجوم والمدربين ويكفي أن نقول فقط أن النصر عجز عن تحقيق الدوري منذ العام 1402ه وحتى العام 1408ه رغم أنها فترة ذهبية للفريق في ذلك الوقت وهذا ما يؤكد مسألة (تجمد الثقافة النصراوية) وتبني مسألة الظلم التحكيمي والإعلامي!في السنوات الأخيرة ومع ازدهار عصر الاحتراف لم يستطع النصراويون مجاراة باقي الأندية الكبيرة وتوارى في صفقات (على قده) سيما فيما يخص اللاعبين السعوديين والخليجيين تحديداً حيث لم يعد النصر بالنادي المغري لهم وباتوا يفضلون الهلال والاتحاد والأهلي والشباب عليه ولعل لنا في (محمد الدعيع، بشار عبدالله، جاسم الهويدي) سابقاً وصالح بشير وعلاءالكويكبي وناصر الشمراني حالياً خير دليل على ذلك.. فهؤلاء اللاعبين فكروا بعقولهم قبل عواطفهم وميولهم وتعلموا من التجارب السابقة وتوصلوا لقناعة بأن الانتقال للنصر في ظل هذه الثقافة لن يضيف لهم الجديد بل ربما سيساهم في نهايتهم كروياً! وكلنا نتذكر خالد السويلم الذي انتقل للنصر من الرياض في عز عطائه ومع الوقت انحصر تدريجياً حتى توارى عن الأنظار! هذا عدا سياسة كبش الفداء التي حملت إبراهيم ماطر ومحسن الحارثي وسعد الزهراني مسؤولية اخفاقات النصر وغيابه عن البطولات ليلحقوا بسابقهم! ولم يمض على دفعهم (ككبش فداء) شهوراً إلا وقد لحق بهما محمد خوجلي وبندر تميم وفقاً لهذه السياسة! ولعل قادم الأيام النصراوية ستحمل في طياتها تقديم أكثر من (كبش فداء) يتقدمهم أحمد الخير وعبدالرحمن البيشي. وتتواصل هذه السياسة المنطلقة من مبدأ تلك الثقافة النصراوية لتصل أبعد من ذلك.. ربما لأحمد المبارك.. وسعد الحارثي اللذين يعتبران الأبرز على الساحة الصفراء هذه الأيام ومع ذلك أنا واثق من أن هذا الثنائى لو قدر له اللعب للهلال أو الاتحاد أو الأهلي أو الشباب لكان لهما حظ أوفر من النجومية والعطاء وفق تجدد ثقافة الآخرين وتجمد ثقافة النصر! والنصراويين! ولعلي لا أبالغ حين أقول ان الأيام لو عادت وأرتدى نجوم حاليون في أنديتهم ومنتخب الوطن كخالد عزيز وكريري وتيسير الجاسم وعمر الغامدي أو حتى الدعيع شعار النصر وانخرطوا في ثقافته ربما لن يصلوا لما وصلوا إليه الآن من تكامل فني وذهني وبدني يحيط بها ثقة عالية في النفس وفق الآخرين. وسأنتقل للمحور الأهم.. محور أعضاء الشرف والداعمين وسياسة إدارة النصر معهم.. بكل أمانة وموضوعية أرى أن النصر مناخ خصب لكل من أراد الشهرة والأضواء فأسلوب الثقافة النصراوية مع الداعمين في البداية يوحي ان هذا القادم من الخلف هو "سوبر مان" الذي سيحل كل المشكلات والذي ستتكسر أمامه كل الحواجز والمعوقات حتى يتحول هذا الداعم أو العضو لبطل ونجم "بصنعهم هم" ومن ثم يجد الحظوة الأكبر في الإعلام ويصبح حديث الجمهور والمنتديات وهنا فقط تبدأ الثقافة النصراوية عملها ليجد الرجل نفسه خارج أسوار النادي دون جريرة اقترفها سوى انه أخذ ما لا يستحق وفق "ثقافة الربع" لذلك لابد من اقصائه والبحث عن بديل وهكذا دواليك واعتقد ان اسماء كحسام الصالح وخالد البلطان وعساف العساف خير دليل على ذلك.. لذلك بات عمر عضو الشرف في النصر تماماً كعمر اللاعب لا يتجاوز ال "35" من أمثال الأمير حسام بن سعود والأمير عبدالعزيز بن عبدالإله والأمير تركي بن خالد والقادم في الطريق الأمير فيصل بن تركي وعمران العمران وشاهر الصعيري وربما فكر اللاعب وعضو الشرف في النصر باقامة مهرجان اعتزال في وقت واحد هذا إن أقيم لهما أصلاً!. لذلك مازالت هذه الثقافة الطاردة والمتملكة هي التي تسيّر النصر حتى بات القادم لهم لا يشعر بالأمان وبالتالي يشوب عمله الكثير من العشوائية وذلك نتيجة عدم توفر المناخ الصحي للعمل بهدوء.. قد أكون قسوت على النصر وثقافته.. إلا ان هذه هي الحقيقة وحتى لا أظلمه فأغلب الأندية تعاني من معضلات كثيرة بهذا الخصوص إلا انه تم احتواؤها وتسخيرها لمصلحة الفريق وهذا ما لم ينجح فيه النصراويون بسبب ثقافة عفا عليها الزمن، لا زالت تؤتى ثمارها السلبية وستظل كذلك إلى أن تقلب صفحة النصر القديمة وتبدأ صفحة جديدة بأشخاص جدد، صفحة ناصعة البياض تكتب سطورها بقلم جديد وأنيق وواضح وشفاف. قلم يكتب لغيره قبل نفسه.. قلم يكتب ما له وما عليه.. قلم يسجل اسمه واسماء الآخرين.. قلم يحفظ حقه وحق الآخرين.. قلم يوقع بداية عصر جديد.. قلم يقول لجماهير النصر هو ناديكم مثل ما هو نادينا بالفعل وليس بالقول.. قلم يخطط ثقافة جديدة والمهم أن يكون على أيدي "أشخاص جدد".. ثقافة اسمها.. مستقبل النصر.. لذلك لابد أن نعيد صياغة سؤالنا الأول الذي بدأنا به الموضوع.. متى سيأخذ النصر بطولة؟ ليصبح.. ما هي علة النصر؟ ولماذا لا يأخذ بطولة؟ فهذا هو السؤال الذي لا يريد أحد أن يسأله في النصر؟