إننا نعلم أن الأمور تجري على نحو سيئ بالنسبة للرئيس لفرنسي نيكولا ساركوزي عندما يحاول أصدقاء من الخارج تقديم يد العون له. يوم الجمعة الماضى صرَّح صديقه الحميم توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق بأن أفضل سبيل لمعالجة أزمة الشعبية هو ألا يلتفت المرء إليها. وقال بلير لراديو فرنسا رقم واحد يوم الجمعة الماضي "على المرء ألا يدع استطلاعات الرأي تحكمه وإلا سيفقد صوابه. وعندما تقوم بتطبيق إصلاحات فإنه ليس ضرورياً أن تكون محبوباً. لكن في وقت لاحق عندما تنجح هذه الإصلاحات فإنك ستنال الاعتراف". وجاءت نصيحة بلير بعد يوم واحد من ظهور نتائج استطلاع جديد أجرته مؤسسة ( تي. إن. أس - سوفريس) اظهر أن شعبية ساركوزي تتراجع دون توقف حيث أعرب 20في المئة فقط من ناخبيه عن ثقتهم في قدرته على التعامل مع أشد مشاكل البلاد خطورة. ويمثل هذا تراجعاً عن النسبة التي حصل عليها لدي توليه الحكم في أيار/مايو عام 2007وقدرها 25في المئة. وأعرب أكثر من الثلثين عن اعتقادهم بأن الأمور في ظل حكم ساركوزي لا تتحسن بل تزداد سوء وأن موقف فرنسا على الساحة الدولية يتراجع. فبعد مرور أقل من 9شهور تحول موقف ساركوزي من شهر العسل إلى "حالة خزي" على نحو ما أشار إليه عنوان مطبوعة فرنسية. والسبب في هذا التراجع بسيط للغاية ويتفق الجميع عليه. فبينما يتواصل إحساس الأسر الفرنسية بارتفاع الأسعار يهرع ساركوزي للاستمتاع بحياته الخاصة ولا سيما علاقته بالمغنية كارلا بروني وأسلوب حياته المترف. وربما يعيب عليه الفرنسيون نسيانه ما قاله أثناء حملته الرئاسية "تولي رئاسة الجمهورية يعني أن ينسي المرء نفسه وان ينحي جانباً سعادته وأحاسيسه ومصالحه الشخصية حتى لا ينشغل عن سعادة الفرنسيين بسواها". ومنذ أن بدأت استطلاعات الرأي في إذاعة أنبائها السيئة عمد ساركوزي وبروني للابتعاد عن الأضواء وأغلفة المجلات اللامعة قبل زواجهما قبل أيام قليلة. لكن الضرر كان قد وقع بالفعل وقد يكون مدمرا للرئيس الفرنسي وخططه الطموحة لإصلاح بلاده والعالم. رداً على سؤال عن تراجع شعبية الرئيس قال المتحدث باسمه ديفيد مارتينون يوم الخميس الماضي مستبقاً تصريحات بلير " الرئيس هنا كي ينفذ إصلاحات لا لكي يحب.. إننا في مرحلة إصلاح. ولن تحكمنا استطلاعات الرأي". بيد أن كلاًمن بلير ومارتينون تجاهلا نقطة محورية. أنه عندما واجه ساركوزي نقابات العمال في المرحلة الأولى من برنامجه الإصلاحي العام الماضي فإنه كان قادراً على الضغط عليها كما تمكن من التصدي لعدد من الاضطرابات في قطاع النقل لأن غالبية الشعب الفرنسي كانت تقف معه. وهذا لم يعد موجوداً الآن. ويبدو من المرجح أنه خلال المواجهة الحتمية القادمة بين الحكومة والنقابات والتي من المحتمل أن تحدث أواخر الربيع القادم أن النقابات ستشعر بالجرأة على التمسك بخط أكثر تشدداً لأن المشاعر العامة ضد الرئيس. وهذا سيحدث بالتأكيد إذا ما حققت المعارضة الاشتراكية مكاسب ذات وزن وأنزلت هزيمة محرجة بساركوزي في الانتخابات المحلية التي تجرى الشهر القادم الأمر الذي بات محتملاً الآن. وفي الحقيقة لأنه صار مسؤولاً عن نتائج حزبه الانتخابية فإن ساركوزي اضطر للتراجع عن تأكيداته السابقة بأنه سيخوض الحملة الخاصة بالانتخابات المحلية بقوة وسيضعها في إطار قومي. بيد أن تدني شعبية ساركوزي لدى ناخبيه لا تهدد فحسب برنامجه الداخلي. ففي تموز/يوليو ستتولى فرنسا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي وللرئيس الفرنسي خطط كبري هناك أيضاً. وصرَّح ساركوزي في 8كانون ثان/يناير الماضي قائلاً "أريد عندما تنتهي فترة رئاستنا أن يكون لدى أوروبا سياسة للهجرة وسياسة للطاقة وسياسة للبيئة وسياسة دفاعية". ولسوء الحظ فإن الرئيس الفرنسي تمكن أيضاً من تنفير عدد كبير من زملائه في الاتحاد الأوروبي أساساً بسبب ميله لاتخاذ قرارات أحادية دون دراسة لعواقبها. لقد اغضب أعضاء الاتحاد الأوروبي في عدد من القضايا مثل خطته الخاصة ب "اتحاد البحر المتوسط" كما أثار ضيق الكثيرين بسبب رفضه للتشاور في هذه المسالة وغيرها من المسائل الخطيرة. كما شعر عدد كبير من الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي بالضيق لأنه طرح خططه الخاصة برئاسة الاتحاد في يوم 8كانون ثان/يناير وهو نفس اليوم الذي طرح فيه رئيس وزراء سلوفينيا - التي ترأس الاتحاد في دورته الحالية خطط بلاده. ولذا فإنه ربما لا يكن من قبيل المبالغة القول بأن عدداً كبيراً من سياسيي الاتحاد الأوروبي لن يحزنوا إذا ما تلقي ساركوزي ضربة موجعة في الانتخابات وجاء إلى رئاسة الاتحاد الأوروبي وهو في موقف ضعيف.