في عام 1383ه مرت منطقة الحدود الشمالية بموجة برد عنيفة حيث تكسرت مواسير المياه ومات بعض رعاة الأغنام وبعض الحيوانات ولا زال كبار السن يتذكرونها ويقول عنها الشيخ ممدوح بن نايف بن قنفذ عن ذلك العام: لقد كان عاماٍ قاسياً حيث اشتد البرد، وتجمدت المياه وتكسرت مواسير الماء وأنابيب السيارات وأصاب الناس قحط، ونفقت أعداد كبيرة من الماشية وهو يشبه قسوة برد هذا العام، لكن خادم الحرمين الشريفين بمواقفه الكريمة هذا العام خفف قسوة هذه الظروف الجوية!! كنا نسمع مثل ذلك من كبار السن، وتعاقبت السنون وهذه الكلمة ترن في آذاننا ولم يدر في مخيلتنا - يوماً - أننا سنشاهد هذه الظاهرة مرة أخرى إلى ان رأينا هذه الأيام المواسير تتحطم أمامنا بسبب شدة هذه الموجة التي بدأت تحصد ضحاياها من الأحياء والجمادات - بعد ان تدنت درجة الحرارة إلى أقل من 4تحت الصفر - ففي حي الفيصلية والناصرية وسائر أحياء مدينة عرعر هرع كثير من المواطنين إلى مواد السباكة (المواسير خاصة) وحدثت (أزمة سباكين) في البلد، ولم يستطع هؤلاء السباكون - الذين ارتفعت أسعار أجورهم وأسعار المواد عند بعضهم بنسبة 20% - تلبية احتياجات المواطنين وخاصة من أصحاب البيوت التي مر على إنشائها عدة سنوات يقول عرفة نبيل بدوي أحد السباكين في عرعر: معظم الطلبات التي تصلنا هذه الأيام عن انفجار المواسير نتيجة شدة البرد ونحن هذه الأيام كثيراً لاصلاح خطوط الماء الخارجية وهي فترة استفاد فيها أهل هذه الحرفة كثيراً!! ظاهرة كسر المواسير في اليومين الماضيين صارت مشاهدة من الجميع بعد ان تجمد الماء فيها خلال ساعات الليل وامتد إلى ما بعد العاشرة صباحاً. لم تقتصر آثار البرد على فئة دون فئة، وان اختلفت درجات التأثير والتأثر حيث يأتي رعاة الأغنام - من مختلف الجنسيات - في المرتبة الأولى في التضرر من برد الشمال لكونهم يسكنون في العراء وملابسهم الرثة لا تغني عنهم شيئاً في مثل هذا الجو القاسي، يضاف لذلك سوء تغذيتهم في هذه الصحراء الجافة، مما يقلل مقاومة جهازهم المناعي لصدمات البرد المفاجئة، ولهذا كان أول ضحايا البرد من كبار السن في هذا العام راعي الأغنام - السوداني - الذي وجد ميتاً في فراشه في (معيلة) قريباً من عرعر!! ويعتبر سكان الصنادق (الصفيح) - الذين تحدثت الرياض عن معاناتهم في عدد سابق - من أكثر الناس في هذه المنطقة تعرضاً لسياط البرد القاسية بسبب سوء حال سكنهم الذي لا يقيهم حر الشمس صيفاً ولا لسعات البرد شتاء يضاف إليه فقرهم الذي لم يمكنهم من شراء الملابس التي تقاوم هذه الأجواء يقول عراك: وضعنا صعب جداً، فالصنادق لا تحمينا من سطوة البرد ووضعنا المادي سيء لا يمكننا من شراء كسوة الشتاء لأطفالنا وأملنا كبير بالله ثم بحكومتنا الرشيدة. فوالدنا الرحيم خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - طالما وقف مع المعسرين وذوي الحاجات ووقفاته مع الضعفاء حديث القاصي والداني. ويأتي طلاب المدارس في المرتبة الثالثة في التضرر من أجواء الشتاء القاسية، بسبب ذهابهم صباحاً إلى مدارسهم، خاصة ان بعضهم من أسر متوسطة أو ضعيفة الحال، ولا يستطيعون شراء ملابس جيدة تقاوم عنف هذه الموجة وكذلك فكثير منهم يذهبون إلى أماكن دراستهم سيراً على أقدامهم، ويكونون عرضة للفحات الجو البارد يضاف لذلك ان بعض غرف وقاعات الدراسة في مختلف مراحل التعليم العام والجامعي للجنسين غير مهيأة لمثل هذه التغيرات التي لم يحسب حسابها مبكرا!!. هذه الظروف مجتمعة جعلت مسؤولي التعليم يؤجلون ساعات الدوام الصباحي الى الثامنة والنصف، وعلى الرغم من تنفيذ هذا القرار قبل أسابيع؛ فإن ذلك لم يمنع بعض الطلاب - وبموافقة بعض أولياء أمورهم - من الغياب خوفا من مربعانية شتاء هذا العام التي انتهكت دفء الغرف فكيف بمن يغادر بيته باكرا!!. اما جامعة الحدود الشمالية فقد قامت بتأجيل موعد بداية الاختبارات بدءاً من التاسعة صباحاً حيث ذكر عميد كلية المعلمين في عرعر الدكتور خلف بن رشيد الحربي ان قسوة هذه الأجواء ومصلحة أبنائنا الطلاب جعلتانا نتخذ هذا القرار ويضيف: هذه الأيام تمر المنطقة بموجة برد لا تحتمل، ونحن نعرف ظروف بعض طلابنا، ونقدرها جيدا؛ لذلك قدمنا مصلحتهم على كل شيء، ورأينا أن هذا الوقت يناسب الجميع، والمصلحة تقتضي التأخير. أحاديث شتاء هذا العام أصبحت مادة دسمة في السمر عند التفاف السمار حول مواقد الأرطى والسمر التي ارتفعت اسعارها هي الأخرى بعد ان تسابق الناس الى اختطاف حمولة السيارات ساعة وصولها!!. كما ارتفعت اسعار المدافئ بأنواعها المختلفة، وازدحم المواطنون على محطات الوقود حيث اصطفت عشرات السيارات لشراء الكاز الذي صار شحيحا بسبب كثرة الطلب عليه!!. وتهافت الناس الى شراء الفراء والملابس الثقيلة بأنواعها، ودفعوا خشية موجات البرد المفاجئة (القرش الأبيض) الذي ادخروه (لليوم الأسود)!! وأجمل ما في هذا الشتاء - على مافيه من القسوة - التفاف الأسرة الشمالية حول بعضها، وقضاؤها أطول وقت ممكن معا؛ في جلسات يتحلق فيها افراد العائلة حول أماكن الدفء، بعد ان منعهم الشتاء مغادرة المنزل، وإذا كان قد حرمهم متعة الخروج مع الصحبة فقد انعم عليهم بأنس الأهل، ومنحهم إجازة عائلية كافية بعد ان نالوا قسطا وافرا من (ثقافة الشتاء) التي كان لتبعاتها دروس قد لا تبرح ذاكرة الشمالي طويلا!!. ومن الأشياء الجميلة - أيضا - التكاتف الاجتماعي الذي تجلى واضحا في هذا الظرف الطارئ حيث كشفت (ازمة شتاء) هذا العام عن عمق الروابط الاجتماعية وقوة الأواصر في مجتمعنا السعودي بين الشعب والشعب، وبين الشعب والحكومة، حيث بدأت مؤازرة الضعفاء والمحتاجين، على المستويين الفردي، والجماعي!!. وإذا كانت الأزمات هي التي تكشف معادن البشر، وحقائق طبائعهم؛ فإن شخصية السعودي النبيلة في بعديها التكافلي والإيثاري قد منحت الشماليين دفئا لن يشعروا بعده بقسوة البرد!!. حملات الخير بدأت اول مواكب الإعانات بحملة (دفء) حيث وصلت الى منطقة الحدود الشمالية - قبل اسابيع - ثلاثون سيارة دينا كبيرة تابعة لمؤسسة الملك خالد الخيرية محملة بمؤن شتوية من بطانيات وفراء وملابس ثقيلة متنوعة ليتم توزيعها على المحتاجين من أبناء المنطقة، وجاءت الحملة تحت مسمى (حملة دفء 1428- 1429ه)، وقد تم تسليم هذه المؤن للجمعيات الخيرية بالمنطقة كجمعية البر برفحاء وطريف والعويقيلة ومكتب الإغاثة الإسلامية في عرعر حيث قامت بتوزيعها على ما يقارب من 800أسرة محتاجة. ثم صدر الأمر السامي الكريم بتوزيع معونة خادم الحرمين الشريفين على المحتاجين بالمناطق الشمالية الذين تضرروا من البرد، حيث نبعت فكرة هذه المعونة الكريمة من شعور خادم الحرمين الدائم بأزمة الضعفاء ومواساتهم والوقوف معهم، كما جرت عادته - يحفظه الله - في موافقة الكريمة مع شعبه - على مختلف فئاته - وما يوليه من اهتمام خاص للمحتاجين، وقد بدأ صرف الدفعة الأولى من هذه المساعدات أمس الأول، حيث تشتمل هذه المؤن على الفراء والبطانيات والملابس الشتوية، والفرش والأغطية بأنواعها، ووسائل التدفئة بأنواعها، والمواد الغذائية المختلفة، والكيروسين ومستلزمات الشتاء، وقد بدأت اللجان المشكلة لهذه المهمة اعمال التوزيع بإشراف ومتابعة من سمو أمير منطقة الحدود الشمالية الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد آل سعود الذي كلف الجمعيات الخيرية بتوزيعها، ودعا شيوخ القبائل الى المشاركة للإبلاغ عن الضعفاء والمحتاجين من جماعاتهم، ويتوقع ان تشمل هذه المساعدات حوالي 20000(عشرين ألف) أسرة. ثم قامت مؤسسة العنود بنت عبدالعزيز بن مساعد الخيرية بتوزيع معوناتها على الأسر المحتاجة والمتضررة من البرد حاملة شعارا رائعا يجسد تلاحم هذا الشعب العظيم حقا: (الى اهلنا بالشمال: ما ندفى حتى تدفون)، الذي حرك العواطف فبكى بعض من قرأوه لشدة انفعالاتهم العاطفية مع هذا الحب الذي تدفق!! وقد ذكر الشيخ عواد بن سبتي العنزي مدير مركز الدعوة والإرشاد في المنطقة مندوب المؤسسة بالشمال ان المؤسسة ارسلت مساعدات عاجلة لمنطقة الحدود الشمالية شملت عرعر، رفحاء، طريف، وكذلك سكاكاالجوف، حائل، وهذه المؤن عبارة عن بطانيات، وملابس شتائية، وفراء، حيث خصصت لساكني الصنادق، ويضيف العنزي: وكذلك تبرع احد المحسنين بمبلغ خصص لشراء مواد غذائية ستصرف لأهل الصنادق - أيضا. ويقول العنزي: ان خص هذه الإعانات لهذه الفئة من المستحقين جاء بتوجيه من سمو أمير منطقة الحدود الشمالية - يحفظه الله - علما بأنه سبق صرف 200دفاية على جزء من المستفيدين، وكذلك هناك حملة مؤازرة لدعم هؤلاء المستحقين. من جهته شكر العنزي سمو الأمير سعود بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود المشرف على مؤسسة العنود الخيرية على دعمه لفقراء المنطقة ومواقفه الطيبة.