في مكتبه في جامعة جون هوبكنز في العام 2020، لف أستاذ الفيزياء النظرية جاريد كابلان ورقته العلمية الجديدة في شكل اسطوانة ورقية وضرب بها طرف طاولته الخشبية، فقد اكتشف قانونا جديدا يشبه قوانين مور التي انتشرت في الستينيات وأثبتت صدق توقعاتها. كشفت الرسوم البيانية المعروضة على شاشة المكتب عن أنماط بسيطة لافتة للنظر: مع زيادة حجم الشبكة العصبية، يتحسن أداؤها رياضيا، لكنها في النهاية تصل إلى مرحلة من تناقص العوائد. بعد نشر الورقة، عرف اكتشاف كابلان بقانون "تحجيم الذكاء الاصطناعي". أشارت نتائج كابلان إلى أن النماذج الكبيرة المدربة على مجموعات بيانات أكبر مع المزيد من القوة الحسابية يمكن أن تؤدي إلى تحسينات كبيرة في مهام التعلم الآلي. مما يعني أن التقدم ليس عشوائيا إنما يتبع صيغة واضحة أشبه ما تكون بالميكانيكية. لكن هذا القانون سلاح ذو حدين، بزيادة البيانات تزيد جودة التعلم، إنما تزيد التكاليف زيادة كبيرة. كشف بحث كابلان أن تكاليف تحسين النموذج تتبع منحنى أُسياً، إنما أداء النموذج فلا يتصاعد بالدرجة نفسها. يتنبأ قانون تحجيم الذكاء الاصطناعي أن في مرحلة ما، مهما ضاعفت حجم النموذج وأنفقت عليه من البنية التحتية والبيانات، فإن نمو أداء النموذج لن يزيد كثيرا. لقد اكتشف كابلان حدا نهائيا لقدرات الذكاء الاصطناعي. يشبه قانون كابلان في جانب تلاشي العوائد، ما وصفه قانون آينشتاين عن سرعة الضوء: كلما زادت سرعة الجسم زادت كتلته حتى يصل الجسم حدا يحتاج إلى طاقة لا نهائية لزيادة سرعته لأن كتلته أصبحت لانهائية أيضا. الأمر نفسه في الذكاء الاصطناعي، زيادة حجم النموذج تصل إلى حد بعده لا يتحسن أداؤه مهما ضاعفت حجم البيانات أو القوة الحاسوبية. مؤخرا، صرح البريطاني دينس هاسبوس الذي يتجهز لاستلام جائزة نوبل نظير مساهمته في الذكاء الاصطناعي، أن تباطؤ أداء الذكاء الاصطناعي، كما توقع كابلان، بدأ يظهر الآن. يقول هاسبوس: لا تتوقعوا زيادات كبيرة في أداء الذكاء الاصطناعي من اليوم فصاعدا. السبب الذي أدى لهذا الأمر حسب ما ذكره عدد من الخبراء سابقا، أن معين البيانات في نضوب. ما لم يتوقعه أحد أن تستهلك بيانات الإنترنت بهذه السرعة، فلم يعد لدى الشركات والمؤسسات مصادر جديدة لتغذية نماذجهم المتعطشة لمزيد من البيانات. السؤال الذي يواجه الباحثين اليوم: إذا كانت البيانات سريعة النفاد، هل توجد طرق أخرى لتحسين أداء النماذج؟ يجيب المتفائلون أن تحسين الأداء لا يعتمد على البيانات فقط، فحسب قانون كابلان تحتاج إلى ثلاثة أضعاف البيانات الموجودة في العالم اليوم لتحقق نموا ملحوظا في السنوات القادمة. سيستمر الجدل طويلا، لكن يبدو أننا نقبل على مرحلة اتساع وتخصص لا مرحلة نمو كما شهدناه في السنوات الأخيرة، في أثنائها يمكن لنا فهم التقنية وآثارها استعدادا لقفزة جديدة.