الذكاء الاصطناعي.. هذا الطوفان الذي يلوح، بل وصلت بوادره إلى حياتنا، يفتح الآن عوالم جديدة من المساحات غير المعهودة لدى البشرية، ويقتحم مجالات لم يكن في البال أن يقتحمها غير البشر، فأصبحنا أمام واقع ننظر له بحذر، وأيضاً بإعجاب، رغم التحسب والتحفظ الذي يبديه البعض. ويطل التسويق بصفته أحد المجالات التي يترقب الناس ما يمكن أن يضيفه الذكاء الاصطناعي له، والآثار المترتبة عليه سلباً وإيجاباً، خصوصاً أن التسويق ظل جهداً بشرياً خالصاً رغم استعانته بالكثير من عطاءات التقنية، لكن البشر ظلوا دوماً محوره الأوحد في تفعيل مجالاته. واستناداً إلى ما يطرحه الأمر من تساؤلات، بادرت «عكاظ»، بفتح الملف، واستقراء الرؤى حوله من بعض ذوي الاهتمام. يرى التقني بخيت العامري أنه في عصر ثورة المعلومات وتسارعها أصبح التسويق عملاً يتطلب مجهوداً وذكاءً أكثر ليبقى اسم المنتج راسخاً بأذهان الناس؛ سواء في العقل الواعي أو غير الواعي. ومع تقدم الذكاء الاصطناعي وأثره على مجالات عديدة، فإن التسويق من المجالات المستفيدة من الذكاء الاصطناعي. ويوضح العامري أن التقارير العالمية مثل تقرير ماكينزي 2023م، تشير إلى أن أثر الذكاء الاصطناعي على التسويق يقدر بقيمة 760-1200 مليار دولار. ويمكن توظيف الذكاء الاصطناعي عوضاً عن الإنسان، ولكن العنصر البشري يظل أيضاً مهماً في التسويق باستخدام الذكاء الاصطناعي، والسبب أن الهدف الإستراتيجي من التسويق ليس سرد مواصفات المنتجات، وإنما إيصال القيم والمبادئ الأخلاقية ورؤية الشركة، وإيصال شعور معين للعميل مثل الشعور بالأمان، أو الاعتمادية على كفاءة المنتج، أو شعور بالفخر والزهو عند اقتناء منتج معين، ولهذا تظهر أهمية الفكر البشري في استخدام الذكاء الاصطناعي في التسويق. نعم.. يستطيع التقني محمد الغندور، أجاب عن إمكانية أن نرى الذكاء الاصطناعي يقوم بمهمات موظف تسويق بالقول: «في الحقيقة الإجابة هي (نعم)، بغض النظر عما إذا كنا نحب سماعها أو لا». ويشرح رأيه موضحاً بأن الذكاء الاصطناعي يقوم اليوم بأداء مهمات تفوق التصور، إذ يساهم في مضاعفة مبيعات الشركات أكثر مما كان يفعله الإنسان دونه، لأنه قادر بالفعل على القيام بمهمات تسويقية صعبة وبطريقة أفضل من الإنسان من حيث الدقة والسرعة إذ تتمثل المهمات المتطورة للذكاء الصناعي في تحليل البيانات مع التوقع إذ إن مجالاً كهذا يتفوق الذكاء الاصطناعي على الإنسان ويحلل كمية ضخمة من البيانات بفترة زمنية قصيرة وبنتائج دقيقة، إضافة إلى قدرته على بناء توقعات حول النتائج التي يحللها ويستخرج أنماطاً واتجاهات تسويقية بناءً على تحليله لسلوك المستخدم، كذلك الاستهداف الدقيق وقدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل سلوك المستخدم الذي يساعده في التنبؤ بالخيارات التالية للعميل استناداً إلى المعلومات التي يجمعها عن سلوك المستخدم؛ لذلك يقوم بالحملات التسويقية بشكل أفضل من الإنسان، كما الذكاء الاصطناعي بتخصيص تجربة شخصية لكل عميل بناء على سجلات تصفحه ومشترياته السابقة وعمليات البيع التي لم يكملها وتخصيص هذه التجربة يعني مضاعفة المبيعات وإعادة الاستهداف بشكل دقيق لا يمكن أن يفعله الانسان. كما أنه في مقدوره تحسين تجربة المستخدم باستخدام روبوتات لإنشاء نظام دعم للرد السريع والإجابة بدقة لتعزيز ولاء العميل. ويضيف الغندور، أنه مع التطور المستمر في الذكاء الاصطناعي فمن المتوقع أن يكون قادراً على القيام بأعمال أكثر في المستقبل بشكل مستقل دون تدخل الإنسان، لكن مع ذلك يجب معرفة أن هناك مساحة آمنة للمسوق؛ لأن هناك مهمات كثيرة مخصصة له كإنسان يمكنه من خلالها التفوق فيها على الذكاء الاصطناعي مثل مخاطبة المشاعر وفهم نفسية وعاطفة جمهوره المستهدف، ففي النهاية فإن العميل هو إنسان، والخطاب والفهم المشترك يكونان بشكل أفضل عندما تكون العلاقة بين إنسان وإنسان وليست بين روبوت وإنسان. إثارة قضايا خصوصية أبدى الأخصائي الاجتماعي محمد الحمزة رأيه الخاص، فقال: إننا عندما نتحدث عن الذكاء الاصطناعي في مجال التسويق نشير إلى استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحليل البيانات واتخاذ قرارات تسويقية، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مثل «موظف تسويق» يعمل على تحليل السوق والتوجيهات والاتجاهات وتوفير توصيات وتوجيهات للشركات، وكذلك تأثير الذكاء الاصطناعي على المجتمع من ناحية اجتماعية يمكن أن يكون متنوعاً، وله تأثير إيجابي على الشركات والأفراد من خلال تحسين الكفاءة واتخاذ قرارات أكثر دقة وفهم أفضل لحاجات العملاء، ويؤدي إلى تحسين تجربة العملاء وزيادة رضاهم. ومن الناحية السلبية، يقول الحمزة: إن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي في التسويق قد يؤدي إلى فقدان بعض الوظائف التي يقوم بها البشر، وقد يتم استبدال بعض المهمات اليدوية التي كانت تقوم بها فرق التسويق بتقنيات الذكاء الاصطناعي، ما يؤدي إلى تأثير اجتماعي سلبي على الأفراد الذين يعملون في هذه المجالات. علاوة على ذلك، يثير الذكاء الاصطناعي قضايا أخلاقية وخصوصية، فعلى سبيل المثال قد يتم استخدام بيانات العملاء الشخصية لتحسين استهداف الإعلانات وتخصيص المحتوى، وهذا يثير قلقاً بشأن حماية البيانات الشخصية وخصوصية الأفراد. بديل للوظائف المنقرضة استوضحت «عكاظ» رأي المستشار الإداري والعمالي طلعت ناقرو، فأكد وجود أثر بالغ للذكاء الاصطناعي على التجارة خصوصاً وعلى النشاط البشري عموماً، ومع التطور السريع التقني أصبح من الممكن تحول الكثير من المهن التي كانت حكراً على البشر لعهود طويلة إلى البديل باستخدام الذكاء الاصطناعي، حتى صار بديلاً عن العنصر البشري في كثير من الأعمال حتى الأعمال ذات الطبيعة الإبداعية مثل الصحافة والفن والطب والهندسة وغيرها. وسيؤدي هذا الذكاء إلى تغيير كبير في الطريقة التي نؤدي بها الأعمال، والتي نمارس بها المهن، وقد توقعت بعض الدراسات المتعلقة بذلك الشأن اختفاء بعض المهن نهائياً أو تقلصها إلى حد كبير؛ نظراً لما يوفره الذكاء الاصطناعي من الجهد والمال. وركز ناقرو، على معلومة أن دور الذكاء الاصطناعي لم يعد قاصراً على المهن اليدوية فقط، بل امتد أيضاً إلى المهن التقليدية مثل مهنة موظف التسويق، إذ تقوم التقنيات الحديثة بتطوير برامج حاسوبية قادرة على إجراء التحليل العلمي للأسواق ولأذواق ومتطلبات المستهلكين في مختلف القطاعات التجارية أو الخدمية، ومن ثم اتخاذ القرارات التسويقية بدلاً من البشر بناء على مخرجات تلك البرامج، مشيراً إلى أن هذه القرارات ستكون في الغالب صائبة؛ لأنها تخلو من العواطف ومبنية فقط على أسس ومعايير موضوعية ومعلومات دقيقة، ونحن على يقين من أن هذا التطور التقني الكبير غالباً ما سيجد أرضاً خصبة بالمملكة العربية السعودية، التي لا تتبنى فقط استخدام أحدث ما توصلت إليه التقنيات الحديثة، بل تشارك في صنعها وتطويرها. نماذج وخوارزميات معقدة يرى الأخصائي الاجتماعي محمد الحمزة، أن للذكاء الاصطناعي في مجال التسويق تأثيرات أخرى على المجتمع، منها تحسين تجربة العملاء من خلال توفير توصيات ومحتوى مخصص يلبي حاجاتهم الفردية وتحليل البيانات الكبيرة وتحديد الاتجاهات والنماذج في السوق بسرعة ودقة أعلى مما يمكن أن يقوم به البشر، كما يمكن له أن يتولى بعض المهمات التكرارية والمنهجية في التسويق، ما يساعد في توفير الوقت والجهد للمسوقين، وكذلك الإسهام في تعزيز الابتكار في مجال التسويق. لكن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال التسويق يواجه مجموعة من التحديات التي يجب مراعاتها، إذ يعتمد أداؤه على جودة البيانات التي يتم تغذيته بها، فيجب التأكد من أن البيانات المستخدمة تكون شاملة وموثوقة لتحقيق أداء موثوق لنظام الذكاء الاصطناعي. وفي بعض الحالات يمكن أن يكون التفسير والشفافية للقرارات التي يتخذها الذكاء الاصطناعي تحدياً، ويمكن أن تكون النماذج والخوارزميات المستخدمة في الذكاء الاصطناعي معقدة للغاية وصعبة التفسير بواسطة البشر. ومثل أي نظام آلي فإن الذكاء الاصطناعي قد يكون عرضة للأخطاء والتحيز، فقد يكون للبيانات المُستخدمة في التدريب تحيزات مخفية أو قد يكون هناك عدم توازن في التمثيل، فيجب أن نكون على حذر من تحليل البيانات وتعلم النماذج بطريقة تقلل من وجود الأخطاء والتحيزات المحتملة. كذلك يجمع الذكاء الاصطناعي كميات ضخمة من البيانات الشخصية والمعلومات الحساسة، فيجب أن يتم التعامل مع هذه البيانات بأمان واحترافية لضمان حماية خصوصية الأفراد والالتزام بالقوانين واللوائح المتعلقة بحماية البيانات. ومن أهم التحديات قد ينشأ توتر بين الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي في التسويق وبين وظائف البشر، وقد يتم استبدال بعض المهمات التقليدية التي كان يتولاها البشر بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مما يتطلب إعادة التدريب وتأهيل القوى العاملة لمواكبة هذه التغييرات. هذه المهن عصية عليه! الإعلامي سلمان المالكي، شارك في الاستقراء، وقال: إذا افترضنا بأن الذكاء الاصطناعي تغلب على طريقة التفكير البشري، وهذا بالمناسبة هو المبدأ الأساسي للذكاء الاصطناعي، حينها نقول إن وجود الذكاء الاصطناعي في مجالات الحياة المهنية أمر حتمي وتطور طبيعي للحياة البشرية التي مرت عبر العصور والقرون بنقلات نوعية، وما زال الإنسان يفكر ويخترع وسيظل كذلك، وهذا أمر طبيعي، وعليه أرى احتمالية أن يحل الذكاء الصناعي وتطبيقاته المتنوعة محل عدد من المهن سواء التسويق أو غيرها من المهن. وفي الحقيقة رأينا تأثير الذكاء الاصطناعي وتوظيفه في مناحٍ عديدة وأصبح عنصراً يعتمد عليه سواء عبر تطبيقات الهاتف الذكي مثل سيري وغيرها أو تطبيقات الكمبيوتر أو عبر الأعمال اليدوية في المصانع وغيرها فهو واقع. ولكن يظل تصور المستقبل غامضاً مهما سرح بنا الخيال فهو متطور بشكل مذهل، ولا شك بأنه سيحل محل العديد من الأعمال، ولكن بعد عقود من الزمن في رأيي؛ لأن مسألة التفاعل الذي يتميز به العقل البشري وطريقة التفكير والأحاسيس كذلك والمشاعر، لا يمكن بأي حال من الأحوال اختلاقها مهما كان حجم ذلك الذكاء الاصطناعي، وبالتالي تظل الكثير من المهن عصية على الذكاء الاصطناعي وربما يكون مساعداً وجزءاً يستعان به إلا أنه لن يحل محل المهن المعتمدة على تلك السمات البشرية. فن ومهارة وخبرة.. أين الذكاء ؟ تحدث بعض موظفي التسويق عن تأثير الذكاء الصناعي على مهنتهم، فتقول ندى خالد: إن الذكاء الاصطناعي انتشر وبات يدخل في أشياء كثيرة، ومن الممكن مستقبلاً أن نرى الروبوت يعمل مسوقاً وينال إعجاب العملاء، فالتقنية تتطور ويمكن توقع حدوث أي شيء. وتبدي مرزوقة السعد عدم اقتناعها بالذكاء الاصطناعي في أعمال لا يصلح لها إلا إنسان؛ لأنه يعرف كيف يتعامل مع البشر وكيف يقنعك وكيف يجعلك تشتري السلعة، لكن يستحيل على الروبوت أن يقنعني، والتسويق فن وفيه مهارة، وهو من الوظائف المهمة التي تحتاج إلى وجود إنسان. أما وليد السالم، فاتفق مع رأي مرزوقة السعد، مشيراً إلى عدم قناعته بأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل الإنسان في مجال التسويق، مشيراً إلى أن التسويق فن ومهارة وخبرة، وهذه الأشياء من الصعب أن يجمعها الذكاء الاصطناعي ويتفوق فيها على الإنسان.