(جدة تقرأ).. طَرق ذلك الشعار نواقيس قلبي جيدًا، فهنا العالم يتسع ويتمدد، والشغف يتوهج، هنا جدة وهنا الكتب، وكم لهذين المحورين من قيمة، ومكانة عميقة في روحي، فجدة هي المدينة السعيدة التي قطفتُ منها ذاكرة طفولة، ودراسة، وأصدقاء، وأيامًا ملوَّنة، أما القراءة فهي الحرفة التي رافقتني منذ زمنٍ بعيد، منذ أن كانت الكتب هدية التفوق في الطفولة، وإحدى وسائل الحياة في المراهقة، ومرجعًا فاخرًا للإذاعة المدرسية والبحوث الجامعية، اجتمعت جدة والكتب مجددًا بكل حب، حيث يحتفي بهما ديسمبر في كل عام، لتتألق عروس البحر (بمعرض جدة الدولي للكتاب) والذي يعود حافلًا بكل التفاصيل الجميلة، من توافد القراء، ومنصات التوقيع، وندوات الأدباء، وحوارات الثقافة، ورائحة الورق، وحتى بذاكرة كتابي الأول حين ظهر للمرة الأولى على أحد الأرفف العظيمة هناك، عندما أراقب هذا الزخم الثقافي كل عام أتيقن من أن الكتب الورقية ما زالت تحافظ على قيمتها أمام الكتب الإلكترونية، وأن غزو التكنولوجيا لم يفقدنا ترف القراءة، والبحث، والاستزادة، بل أجد أن المشاريع الثقافية السعودية نحو الكتب في تقدم ونمو، وازدهار، فإثراء دور النشر، وتوافد القراء، دلالة واضحة على توهج الكتاب الورقي وحضوره، وفي الحقيقة إني أبتهج جدًا عند مروري بمنصة توقيع، أو حين أشاهد احتفاءً بكتابٍ جديد، لأني أعرف أن حلمًا ما قد تحقق، وأن صوتًا ما قد صدح، وأن جسرًا جديدًا سيُبنى بين قارئٍ وكتاب، الجولة في معرض الكتاب غذاءٌ روحي، وإضاءةٌ فكرية، وشعورٌ دافئ نحو الكتب ففي كل مرة أكون فيها بينها أجد أن لأغلفتها صوتاً، وأن لصفحاتها رائحة، ولا أعرف هل تلك علاماتٌ ثابتة لدى جميع القراء، أم أن حواسي هي من تقوم بذلك لتساند هذا الحب الورقي باستشعاره بكل الطرق، معرض الكتاب لا يُعد من وجهة نظري معرضًا للكتاب فحسب، بل هو معرض للحياة، لأنه ممتلئ بالحكايات والمدن والشعوب والثقافات المختلفة، لأنه يعزز التواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع باختلاف أعمارهم وخلفياتهم الثقافية، حين تقرأ جدة نحتفي نحن، ونأنس ونودع العام بمحفلٍ ثقافيٍّ باهر، ابتداءً من التنظيم اللطيف، ومرورًا بتفاصيل المعرض الباهرة، ووصولًا إلى مقتنياتٍ أنيقة من الكتب. نجوى العمري