الرواية التاريخية بجمالها، وامتدادها وعبق الزمن المشع من زواياها تجسد وسيلة قوية للتواصل مع الإنسان، ففيها يلتقي التاريخ بالأدب السردي مشكلًا لوحةً بديعة، وانعكاسًا معرفياً، وبعدًا إنسانياً عميقاً، الرواية التاريخية تعني التقاط المشاهد المنسية وتوثيقها، تعني السفر عبر الزمن، والتفاعل مع التفاصيل المفقودة، ربما نحن مبرمجين على أن التاريخ وقائع وأحداث، ولكن من خلال الرواية التاريخية سيتوسع هذا المفهوم، وتتضح حياة الإنسان القديم بطريقة تلامس الشعور والعاطفة من خلال هذا الفن السردي البديع، حيث يتم إبراز حقبة زمنية بما فيها من أدب، وفنون، وعادات، وحِرف، وتفاصيل، وإيصالها للقارئ بطريقة فنية تتداخل فيها الأحداث والشخصيات التاريخية مع الشخصيات التخيلية، فالزمن يتحرك في اتجاه واحد فقط، ولكن نحن بحاجة للعودة إلى الوراء، وبحاجة إلى وجود جسر بين الماضي والحاضر والمستقبل، وبحاجة إلى إبراز الموروث الثقافي المادي وغير المادي من خلال استعادته وتصديره للناس بطريقة تخيلية وجمالية ومتصلة أيضًا بالواقع، فلا يجوز التحريف في التاريخ أو التعديل عليه، بل ينقل نقيًا كما هو ولكن بقالب روائي جاذب، لذا لا بد أن يكون الروائي أمينًا على التاريخ، ولا بد أن يحمل المسؤولية الأخلاقية نحو الأحداث، مستخدمًا أدواته الفنية من فكرة وخيال ولغة، وحبكة، ووصف، وشعور، ليمزجها بالحدث التاريخي دون الإخلال بأحد الطرفين، فلا يفقد أدواته كروائي ويقع في مأزق المؤرخ، ولا ينهمك في عالم الخيال فيفقد الحقائق ويسيء للتاريخ، فالرواية التاريخية تتطلب الموازنة التامة بين الحقيقة والخيال، وهنا يمكنه استخدام المصادر التاريخية الموثوقة من كتب ومخطوطات وصور، وأيضًا من خلال التعامل المباشر مع شخصيات حقيقية معاصرة لحدث يرغب في نقله، أو موروث يريد إحياءه من خلال السرد الروائي. الجدير بالذكر هو أننا نملك إرثًا ثقافيًا عظيمًا وعميقًا، وكبيرًا ومتنوعًا بحكم اتساع البقعة الجغرافية في المملكة العربية السعودية، وهذا التنوع جدير بأن يظهر للعالم وللأجيال القادمة، فالكتابة عنه والتعرف عليه يعزز الهوية الوطنية، ويساهم في انتماء الأشخاص للثقافة القديمة لأوطانهم، وفي تفسير الكثير من العادات والتقاليد التي مازالت موجودة حتى الآن، وأيضًا في تقليص المسافات بين أبناء المناطق المحلية من خلال معرفة الموروث لكل منطقة، تاريخنا عظيمٌ جدًا، ويحمل بعدًا إنسانيًا مهمًا وكبيرًا، وهذا ما سعت إليه دولتنا العظيمة من خلال تنفيذ مبادرة دارة الملك عبدالعزيز (تاريخنا قصة) المبادرة القديرة التي استهدفت هذا الإرث العظيم، من خلال الكتابة عنه، وقد عملت الدارة جاهدة على تحفيز الكتابة التاريخية الإبداعية، وعلى دعم الأدباء والروائيين بكل وسائل المعرفة، وفي رفع المستوى الإبداعي لديهم، حين تكون الرواية بين الفن والتاريخ حتمًا سيكون هناك مزيج فاخر من الإبداع.