عندما نضخم الأشياء ونعطيها قيمة أكبر من حجمها الطبيعي ستعود علينا حتمًا بفائض احتمال، بصرف النظر عن تلك القيمة سواء إيجابية كانت أو سلبية، ففي كل الأحوال ستنعكس علينا بصورة مؤذية جدًا، وسنصبح في حالة قلق، واضطراب شعوري لأن الزيادة تسبب خللاً حقيقياً بداخلنا وحولنا، وبالطبع أي خلل ستكون آثاره سلبية علينا، فالزيادة في العطاء والجهد، والاهتمام والشعور، وانتظار الأشياء، والتعلق بها، كلها تسبب فائض احتمال، وجميعها أدوات فعَّالة للإصابة بصدمات نفسية، وهزائم روحية. في أحد اللقاءات مع مجموعة من الصديقات تحدثت إحداهن عن مدى استيائها من سوء التقدير في عملها، رغم جهودها الكبيرة، وإنجازاتها وقيامها بالأعمال الثانوية حتى خارج أوقات الدوام، بل إنها أصبحت تنجز أعمال الآخرين أيضًا، ولكن للأسف لا شكر، ولا تقدير، ولا حتى منظار حقيقي لمكانة الشخص وجهده، بل تحولت أعمالها الإضافية و(فزعتها) كما يقال إلى واجب في نظر الجميع، وهذا نموذج للعطاء المبالغ فيه والذي تحوَّل إلى فائض احتمال، وانعكس على مشاعرها لتصبح في حالة من الإحباط والتعاسة، كانت تتحدث بحرقة وتقول (أعطيت خارج مهامي ومن قلبي وعلى حساب صحتي وراحتي ومع كذا ما يقدرون ويطلبون زيادة) وهنا لا أعتقد أن الخطأ منهم، بل الخطأ كان في الزيادة والمبالغة، والتي انعكست بصور سلبية عليها وعلى مشاعرها، فبالإضافة إلى عدم التقدير، قد يظهر فائض الاحتمال على شكل وعكة صحية، أو مشكلات أسرية، أو غيرها، لذا الحياة تتطلب دائمًا الاتزان في كل الأمور، والمواقف تشير إلى عدم المبالغة في التعامل مع الأشياء والأشخاص أيضًا، بحيث لا زيادة ولا نقصان، فقط اتزان، لأن الحياة لا تحتمل الدمج العشوائي بين الجانب المهني، والأسري، والنفسي، والاجتماعي، والصحي، الحياة تنادي بالاتزان وهو موجود من أصل خلقة الإنسان والدلالة واضحة في القرآن الكريم في عدة مواضع منها قوله تعالى: (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ) فحتى إن وقعنا في مأزق التضخيم لابد أن نعود قبل أن تتضاعف المشاعر المؤذية، ولابد أن ندرك أن الجهد الزائد في العمل والمشاعر والأحلام سيستهلك الكثير من طاقتنا وأحاسيسنا وصحتنا، لذا لا مبالغة في المشاعر، ولا تمجيد للأشياء، ولا احتراق للوصول للأهداف، لأن الإفراط يؤدي حتمًا إلى فائض احتمال، أما التوازن سيجعلنا في حالة قبول، ورضا تام، وانتظار هادئ وسِلمي لأهدافنا.