200 مليار دولار استثمارات آسيوية في مفترق طرق وسط اختلاف الرؤى بين المرشحين ما مستقبل الاستثمارات الآسيوية المباشرة بعد الانتخابات الأميركية؟ وإذا حدث تغيير، فما طبيعة هذا التغيير، وما حجمه وتأثيره؟ هذه بعض أسئلة مشروعة تشغل بال المسؤولين في القارة الآسيوية اليوم، والحقيقة أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة القادمة إلى الولاياتالمتحدة من منطقة آسيا والمحيط الهادئ ظلت محركًا ثابتًا للنمو الأميركي على مدى العقود الأخيرة، وكانت محورًا أساسياً لسياسة الرئيس الحالي جو بايدن، وعلى سبيل المثال، فقد كانت اليابان تاريخيًا أكبر مستثمر في الولاياتالمتحدة من منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تليها أستراليا، ثم كوريا الجنوبية، فسنغافورة، ومنذ تولي بايدن السلطة، استثمرت الشركات الآسيوية نحو 200 مليار دولار في الولاياتالمتحدة، مما دعم الاقتصاد والنمو والوظائف. تركز الاستثمارات الآسيوية الهائلة في الولاياتالمتحدة على التصنيع، وبشكل خاص على الصناعات الخضراء، مثل الطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية والبطاريات، وتعد كوريا الجنوبية أكبر مستثمر في التكنولوجيا النظيفة وأشباه الموصلات في الولاياتالمتحدة منذ إقرار قانون خفض التضخم في عام 2022، وأبرز مثال على ذلك مصنع الرقائق الذي أسسته شركة "إس كي هاينكس" الكورية الجنوبية بقيمة 3.9 مليارات دولار في ولاية إنديانا الواقعة في الغرب الأوسط الأميركي. مستقبل الاستثمارات وإذا كانت الاستثمارات الأجنبية المباشرة محل ترحيب من جانب المسؤولين السياسيين الفيدراليين والمحليين في الولاياتالمتحدة بسبب العائدات الضريبية التي تولدها والوظائف التي تستحدثها، فإن مستقبل هذه الاستثمارات قد يتغير بعد الانتخابات، إذ ستتجه أميركا في اتجاهين مختلفين للغاية استناداً إلى نتائج الانتخابات التي تجرى الشهر المقبل، وهذا يعني اختلافات جذرية في مجموعة من السياسات الأميركية، بما في ذلك الأمن القومي، وضوابط التصدير، والتعريفات الجمركية، والاتفاقيات التجارية، والعلاقات مع الدول الحليفة والمنافسة. والسؤال الكبير هنا يدور هو قانون التقاعد الفردي، ففي الماضي، استفادت الشركات الآسيوية كثيراً من هذا التشريع، ولكن هل سيظل هذا التشريع قائماً في ظل الإدارة الرئاسية الأميركية المقبلة؟ لا شك أن الشركات الآسيوية التي استثمرت مليارات الدولارات في الولاياتالمتحدة تريد حماية استثماراتها، بينما يريد المستثمرون المحتملون أن يعرفوا ما إذا كان الباب سيظل مفتوحاً أمامهم أم سيغلق، وتشمل البنود التي قد يتخلى عنها ترمب احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه، ودعم السيارات الكهربائية، وبالإضافة إلى ذلك، قد يلغي الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون أجزاء من البنود المناخية في قانون التقاعد الفردي كجزء من تشريع ضريبي رئيس سيشرع فيه في عام 2025. السيارات الكهربائية وتتضمن منصة اللجنة الوطنية الجمهورية بنداً يدعو إلى إلغاء "تفويض المركبات الكهربائية"، وقد خفف ترمب مؤخراً من خطابه المناهض للسيارات الكهربائية بعد أن حصل على تأييد الرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك، لكن أنصار السيارات الكهربائية ما زالوا قلقين من أن إدارة ترمب الثانية قد تسعى إلى سياسات مناهضة للسيارات الكهربائية، لكنه احتمال بعيد بسبب، ترجيحنا الشخصي، بأن ترمب سوف يعين إيلون ماسك مستشاراً رئاسياً له في البيت الأبيض، الأمر الذي سيعطي قوة نفوذاً لقطاع السيارات الكهربائية في عهد ترمب المقبل. وفيما يتصل بالطاقة، ينبغي للمستثمرين الآسيويين أن يدركوا أن حملتي هاريس وترمب لديهما رؤى متنافسة لمستقبل الطاقة في أميركا، ومن المتوقع أن تواصل إدارة هاريس سياسات بايدن في مجال الطاقة النظيفة وتسريع التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري، وخلال حملتها التمهيدية في عام 2019، دعمت هاريس خطة كهرباء خالية من الكربون بنسبة 100 % بحلول عام 2030، في المقابل، ستكون سياسة الطاقة التي تنتهجها إدارة ترمب مختلفة تماماً، حيث تركز على التطوير الإضافي للوقود الأحفوري، والذي يشمل إعادة فتح الأراضي الفيدرالية لاستكشاف وحفر النفط والغاز، والموافقة السريعة على خطوط الأنابيب، وتقديم حوافز لدعم مرافق الفحم والطاقة النووية الأكثر نظافة. قضية مهيمنة في كل الأحوال، ستظل الصين تشكل قضية مهيمنة على الإدارة الرئاسية المقبلة والكونغرس، ومن الشائع أن يقال إن القضية الوحيدة التي تحظى بإجماع الحزبين في واشنطن هي السياسة المناهضة للصين، ولن تتعامل إدارة هاريس ولا إدارة ترمب الثانية بسهولة مع بكين، إذ من المرجح أن تواصل إدارة هاريس سياسات "تقليص المخاطر" التجارية على غرار بايدن تجاه الصين، وذلك من خلال زيادة التعاون مع الحلفاء، دون الانفصال الكامل عن الصين. ومن المعتقد على نطاق واسع، أن تنفذ إدارة ترمب سياسات تجارية أكثر عدوانية بما يتماشى مع نهجه "أميركا أولا" وتفضيله للعلاقات الخارجية الثنائية وليس المتعددة الأطراف، وعلى سبيل المثال، طرح ترمب فكرة فرض تعريفات جمركية بنسبة 60 % على جميع السلع الصينية المستوردة إذا انتُخِب، ومن شأن هذا أن يخلف تأثيراً جانبياً على الشركات الآسيوية الموجودة في البلدان الحليفة لواشنطن، مثل الشركات اليابانية والكورية الجنوبية. من المرجح أن تستمر إدارة ترمب وإدارة هاريس، أيهما فاز، في استخدام لجنة الاستثمارات الأجنبية كأداة سياسية لتنظيم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وإن كان ذلك لأسباب سياسية مختلفة، فبالنسبة للديمقراطيين، تعد لجنة الاستثمارات الأجنبية أداة لحماية النقابات العمالية في الولاياتالمتحدة، كما تعلمت شركة نيبون ستيل في محاولتها الاستحواذ على شركة يو إس ستيل، وقد تركز إدارة ترمب من خلال لوائح لجنة الاستثمارات الأجنبية على الانتقام بضراوة من الاستثمارات الصينية التي يعتبرها الجميع تهديداً للأمن القومي، وسرقة للتكنولوجيا الأميركية، وسيتم التصدي من إدارة ترمب بشراسة لموجة شراء الصين للأراضي الزراعية في الولاياتالمتحدة. تجنب الكارثة تعلمت العديد من الشركات الآسيوية، بطريقة صعبة، أن الافتقار إلى الوصول إلى واشنطن يمكن أن يكون كارثياً على الأرباح، في ظل تكثيف الحكومة الأميركية لاستخدام العقوبات، وخاصة ضد روسيا في أعقاب غزوها لأوكرانيا في عام 2022، وضد الشركات الصينية ومورديها الأجانب، الذين يسعون إلى شراء أشباه الموصلات والمعدات الأميركية المتقدمة، ووسط فهم متزايد من إدارات هذه الشركات لحقيقة مفادها أن مواكبة التطورات في الولاياتالمتحدة أمر أساسي لتجنب الكارثة والبقاء في طليعة الأعمال العالمية، اضطرت الشركات الآسيوية إلى إنشاء مجموعة من المكاتب الجديدة، أو وظفت ممثلين لها في العاصمة الأميركية. ومن العديد من الشركات الآسيوية التي افتتحت مؤخرا مكاتب لها في واشنطن، شركة تصنيع معدات إنتاج أشباه الموصلات الرائدة في اليابان، طوكيو إلكترون؛ وبنك سوميتومو ميتسوي العملاق؛ وتكتل إل جي الكوري الجنوبي، فيما عززت شركة صناعة الرقائق الكورية الجنوبية إس كي هاينكس" حضورها في الولاياتالمتحدة، عندما عينت جيه يو كأول رئيس لها للشؤون المؤسسية والحكومية في الولاياتالمتحدة، في محاولة للتخفيف من المخاطر التي قد تنشأ مع فرض الولاياتالمتحدةوالصين عقوبات متبادلة على صناعة الرقائق لدى كل منهما، كما وظفت مجموعة أداني الهندية أنوراج فارما، وهو من كبار المسؤولين السابقين في شركة الضغط في واشنطن "سكواير باتون بوجز". وبالرغم من ذلك، فإن واشنطن تشكل تحدياً هائلاً للشركات الآسيوية غير المعتادة على القواعد غير المكتوبة التي تحكم اللعبة السياسية في واشنطن، حيث تتجسد العملات الرئيسة في: الوقت، والقدرة على الوصول إلى المعلومات، وأحد العوامل المساعدة على الوصول إلى كل هذه الأشياء هو المال، وبكميات كبيرة منه، حيث يعد التبرع لمراكز الأبحاث وسيلة تقليدية لفتح الأبواب المغلقة في وجه الشركات والمؤسسات، فمراكز الأبحاث التي تقبل التبرعات، تقدم مقابل ذلك مستويات مختلفة من الوصول إلى المحللين، وكثير منهم من كبار المسؤولين السابقين. وعلى سبيل المثال، لدى أحد مراكز الأبحاث في واشنطن أربع فئات للتبرعات: البلاتين (حتى 749.999 دولارا)، والذهب (حتى 249.999 دولارا)، والياقوت (حتى 124.999 دولارا)، والزمرد (40.000 إلى 64.999 دولارا)، ويحصل المتبرعون من فئة البلاتين على 24 اجتماعًا سنويًا مع العلماء، وإحاطات هاتفية تحضيرية قبل الأحداث العالمية الكبرى، مثل اجتماع زعماء الولاياتالمتحدةوالصين، ويحصل المتبرعون من فئة الزمرد على ثلاثة اجتماعات سنويًا، وتشمل أكبر الجهات المانحة الآسيوية في مؤسسة بروكينجز شركة تويوتا موتور، ومعهد التنمية الكوري، وكلاهما في فئة تتراوح بين 100 ألف دولار و249 ألف دولار، أما في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فتشمل أكبر الجهات المانحة شركات سامسونغ، وإن تي تي، وفوجيتسو، وهانوا، وهيتاشي، وميتسوبيشي كورب في فئة تتراوح بين 100 ألف دولار و249 ألف دولار. لكن المال وجماعات الضغط، لا تستطيع وحدها حل كل المشكلات، فالاصطفاف الجيوسياسي يشكل أهمية أكبر من أي وقت مضى في الذاكرة الحديثة، وهو الأمر الذي استغلته اليابانوكوريا الجنوبية، الحليفتان للولايات المتحدة، ومن ناحية أخرى، تخلت بعض الشركات الصينية عن محاولاتها لاقتحام السوق الأميركية، وعلى سبيل المثال، لم يكن التواجد في واشنطن بمثابة مساعدة كبيرة لشركة التكنولوجيا الصينية هواوي، التي وقعت في خلاف مع الكونغرس على مدى العقد الماضي وسط اتهامات بأن معدات الاتصالات الخاصة بها هي أداة للتجسس الصيني، وهو الأمر الذي تنفيه الشركة بشدة. تأثير كبير والخلاصة، أن نتائج الانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونغرس الأميركي التي تجرى في نوفمبر المقبل، سوف تخلف تأثيراً كبيراً على الشركات الآسيوية، فالشركات التي وضعت خطط أعمالها للسنوات الأربع المقبلة على افتراض استمرار قانون التقاعد الفردي وغيره من السياسات المؤيدة للاستثمار الأجنبي قد تكون في وضع جيد إذا فازت نائبة الرئيس هاريس، ولكن لا ينبغي لها أن تفترض أنه لن تكون هناك أي تغييرات في سياسات الاستثمار والتجارة الأميركي، وإذا انتصر ترمب، وتحول مجلس الشيوخ من الديمقراطيين إلى الجمهوريين، وهو ما يبدو مرجحاً، فيتعين على الشركات الآسيوية أن تبدأ في بناء علاقات مع الجمهوريين الرئيسين في الكونغرس وأعضاء محتملين في إدارة ترمب الثانية، ونعتقد أن هذا هو الوقت المناسب للبدء في عملية الاستعداد، وبناء استراتيجية استباقية في مواجهة هذه التغييرات المتوقعة. الشركات الصينية موجودة في الولاياتالمتحدة ترمب صاحب الشعارات الحمائية كمالا هاريس تختلف في رؤيتها عن ترمب تجاه الاستثمارات الآسيوية