لا يكاد يختلف اثنان في أن الملاحق الثقافية للصحف الورقية الصادرة بالدول العربية تعرف أزمة خانقة، يمكن أن نوجز معالمها في: ضعف الاهتمام العام بالشأن الثقافي؛ والتزايد المتسارع للمد الإلكتروني؛ وأقصد بذلك اكتساح الافتراضي الرقمي للورقي العياني الملموس؛ وتقلص عدد صفحاتها، خاصة إن كانت أسبوعية؛ عدم إقبال كبار الكتب على الكتابة فيها؛ وعدم اهتمامها بتحفيز الطاقات الجديدة للتعبير عن الروح الإبداعية - والنقدية - المعاصرة. لكل هذه الأسباب، ولغيرها، توقفت العديد من الملاحق الثقافية التي أثثت المشهد الثقافي في ثمانينيات القرن العشرين وتسعينياته، وأصبحت بعضها موسمية بدون تاريخ صدور محدد، وقلصت أخرى عدد صفحاتها لصالح صفحات الإعلانات والرياضة وغيرهما. بيْد أن المشهد الثقافي العربي يعرف بعض الاستثناءات في هذا المجال، وأخص بالذكر الملحق الثقافي لجريدة الرياض السعودية (الرياض الثقافي)؛ التي تنير الساحة الأدبية بموادها الدسمة صباح كل جمعة (كانت فيما قبل صباح كل سبت). يمتاز هذا الملحق الثقافي بتركيزه على: التنوع الموضوعاتي حيث يقارب من منظور متعدد المشارب، وعبر مقالات تتراوح بين العمود الأسبوعي أو المقال أو الحوار. موضوعات قد تهم «الْمُستَجَدَّ الأدبي» (صدور رواية، أو إقامة معرض فني تشكيلي، أو تنظيم ندوة أدبية أو فنية أو فكرية حول موضوع ما...)، أو «العرض الأدبي» (مناقشة قضية معينة؛ من قبيل مناقشة قضية نقدية، أو تحليل منجز أدبي، أو استقراء مستقبل جنس أدبي ما...)، أو «الاحتفاء بالتجارب المتميزة» (إنجاز حوارات مع نخبة من كبار المؤثرين في المشهد الثقافي العربي؛ ومن ذلك مثلا الحوار المنشور مع اللساني المرموق «حمزة بن قبلان المزيني». بل وعدم الاكتفاء بالحوارات التي تكون على شكل أسئلة ترسل إلى المعني بالأمر للإجابة عنها؛ وإنما يحرص الملحق على شد الرحال إلى المحاوَر والجلوس معه والدخول معه في حوار حيّ وحقيقي؛ ولعمري هذا من بين أهم دعامات الاستمرارية والتميز والنجاح في مسعى البحث عن الجودة والإتقان). وهذا إنما يشي بأن هذا الملحق يحاول من خلال صفحاته أن يحيط بمختلف المستجدات على جميع الأصعدة، وفي نفس الآن أن يعيد النقاش حول عدد من القضايا التي تشغل الفكر النقدي العربي؛ كذلك التنوع الأجناسي: لا يكتفي الملحق بالمقالات النقدية، أو الحوارات، أو الأعمدة الثابتة؛ بل نجد فيه كذلك انفتاحا على التجارب الإبداعية للشباب – ذكورا وإناثا - ولكبار المبدعين؛ بحيث نقرأ القصيدة العمودية مثلما نستمتع بقصيدة الشعر الحر، ونجد القصة والأقصوصة، والخاطرة وغيرها. وهذا لدليل على سعي القائمين على هذا الملحق إلى خلق نوع من التنويع حتى يحس القارئ بأنه وسط صفحات تتسم بطابع الشمولية، والتمثيلية، والموسوعية. وكذلك الانفتاح على التجارب الأجنبية: من خلال الترجمة؛ حيث تجد فيه المقال المترجم، والقصيدة المترجمة وغيرهما؛ وذلك في سياق وعي القائمين على هذا الملحق بأهمية الحوار الحضاري مع الآخر، ومحورية الاطلاع على تجاربه ومختلف حساسياته الجديدة، وخلق تلاقح بينها وبين المنجز العربي والمحلي، للانفتاح على آفاق أرحب؛ لذلك تجد أن الكُتاب، أدباءً ونقادا، والأكاديميين، والْمُنْهَمِّين بالشأن الثقافي يُقبلون على إرسال موادهم إلى هذا الملحق للمشاركة فيه، ولتسويد صفحاته بإنتاجاتهم المختلفة، وعيا منهم بتميزه في المشهد الثقافي العربي، وإشعاعه الإقليمي والعربي الكبير، ولا سيما في ظل توفره إلكترونيا عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة به. في هذا السياق، لا تجد كقارئ في هذا الملحق جنسية واحدة لكُتَّابه؛ فقد تجد فيه السعودي، واللبناني، والإماراتي، والمغربي... وفي هذا ما فيه من إشادة ضمنية بهذا الملحق وبدوره في إنقاذ المشهد الثقافي العربي من ورطته، وبِحِرَفِيَّة القائمين عليه ومِهَنِيَّتِهِم العالية؛ إن على مستوى التنظيم أو التنسيق أو فرز المواد أو التواصل مع الكُتَّاب. وأنا أعتبر نفسي محظوظا لأني ساهمت -ولا أزال- ولله الحمد في هذا الملحق، من خلال مقالات ودراسات نقدية وفكرية، وقصائد شعرية، سواء أكانت تأليفا أم تعريبا، رغبة مني في الانخراط في هذا الزخم الفكري، وفي تلك الحركية الأدبية المتجددة التي يقودها «الرياض الثقافي». وإن كان ما ذكره الناشر والكاتب الفرنسي الكبير «برنار غراسي» في بداية القرن العشرين من أن «الكُتَّاب لم يتعودوا على منح الجرائد أحسن ما ألَّفوه ودبجته أقلامهم؛ ذلك أنهم يتركوه لإدراجه في مؤلفاتهم التي ينشرونها على هيئة كتاب» (من مقال منشور ب»الرياض الثقافي» لبرنار غراسي - من ترجمتي - بعنوان الصحافة والأدب) صادقا في تلك الحقبة والظروف، فإنه لا يتلاءم البتة مع السياق العام الذي يشتغل من داخله «الرياض الثقافي»؛ حيث يُعد قِبلة لكبار الكتاب ولشبابهم، مُقدِّمين له أحسن ما جادت به قرائحهم، وأحسن ما خطته أقلامهم، خاصة وأنهم يعرفون أن ما يكتبونه يُقرأ من المحيط إلى الخليج، وقد يكون موضوع نقاشات وسجالات بين المثقفين، بما يشكل حركة نقدية قلَّما ينجح النقد الصحافي في تشكيلها. وهذا يجرنا إلى الحديث عن الفاضل الأستاذ «عبد الله الحسني»، مدير تحرير القسم الثقافي، الرجل المثقف الإنسان الذي يحسن التواصل مع المتعاملين معه. فمن خلال تجربتي معه، كان الرجل يتعامل برقي كبير ودماثة خلق؛ بحيث إن عباراته تحمل أناقة تجعل المتواصل معه يحترمه ويشعر بنوع من الراحة في التعامل معه. فإن كان الأستاذ «عبدالله» مشرفا على هذا الملحق، بإنسانيته ومهنيته وخبرته واطلاعه الواسع، فانتظر أن يكون النِّتاج في المستوى المرغوب. سعيد بأن أكون ضمن كُتاَّب هذا الملحق. والله الموفَّق لما فيه الخير. * أستاذ مُبَرَّز في اللغة العربية - المملكة المغربية