ما لا يدركه أولئك المزلّفون العاجزون عن حضارة الحياة أننا بلدٌ نختط النظام لنكون أول من يطبّقه إيمانا به، ونسنّ القوانين لنحمي أنفسنا وكل من على أرضنا من فوضى غيرنا، لهذا جاء إلزام أداء فريضة الحج بالحصول على تصريح له، لنكون ما نحن عليه من حسن تنظيم وترتيب ومتابعة دقيقة لكل حاج جاء لأداء هذه الركن الخامس من أركان الإسلام والذي اقترن دائما بالاستطاعة فعدم حصولك على تصريح لسبب أو لآخر يدخل ضمن باب عدم الاستطاعة في هذا العام وقد يمن الله عليك به في عام آخر ، فهذا التصريح يجيء وفق خطط واستراتيجيات وإحصاءات تعتمد على نوع الخدمات وآلياتها، المكان واستيعابه، اللحظة الراهنة وتداعياتها .. إلى آخر كل هذه اللوازم التنظيمية التي أعدت وفق أحدث ماوصلت إليه التقنية، واستهدفت في كل ما هي عليه حجّا آمنا ميسّرا للجميع، وبالتالي فكل ماشُوّه وأُلّف وزُوّر عن بعض الأحداث العارضة في حج هذا العام، -وهي آلمتنا أكثر منهم ربما- إنما جاءت تبعا لتلك الفوضى التي تحايلت على قرار الحصول على التصاريح للحجاج سواء من خلال الحاج ذاته الذي أجاز لنفسه التحايل مع عدم الاستطاعة، أو من قبل حملات الحج التي جاءت من المنبع وتبيّن حجم الفساد فيها فيما بعد ... إن بلادنا التي تشرّفت بخدمة ضيوف الرحمن اجتمعت قيادة وشعبا على أن تعبّد أرواحها قبل طرقاتها لهؤلاء الضيوف، أن تقدّم سهر شبابها وشاباتها لخدمتهم .. أن تضخ المليارات من أجل تسخير كل إمكانات العصر لهذا الفرض السنوي الذي أكرمنا الله برعايته وتنظيمه كل عام، فالسعودية لم تكن يوما إلا خارطة السلام ومأمن الحياة الكريمة، واستجابة دعوات الأنبياء تخطو للحياة بثقة وعزيمة طموحة.. حينما يلهثون للموت والخراب.. تواصل البناء والإعمار.. حين يتمادون بالعداء والدمار، وبالتالي سنقف دائماً من حضور كهذا الذي حاول به بعض المغرضين تشويه صورتنا في حج هذا العام موقف المدافع عن وطنه بالعمل لا بالقول، بوجودنا على هذه الأرض معمّرين ومقدمين على حياة أجمل، ولن نتوقّف مهما غاض بهم حقدهم..! إن أكبر تكذيب نواجه به تلك الحملات المسعورة والعاجزة والمضللة هو ما نحن عليه وما أدركه أولئك الحجاج النظاميين الذين حملتهم أجنحة السلام، وأخذتهم الإمكانات لأداء حجهم بيسر وسهولة رغم مشاق الطقس الذي حاولنا حتى في هذا " الظرف الزمكاني" أن نستخدم أحدث وسائل التقنية للحد من تأثيره الكبير على حجاج هذا العام عبر سحابات البخار ورشاشات المياه التي أحاطت بالطرقات في المشاعر المقدّسة .. وكم كنت آمل أن أخصص هذه المساحة الثقافية للحديث عن أدب الحج بحكم التخصص لما لهذا الموضوع من عمق تاريخي متجذر في الثقافة العربية، فالكتابة عن أدب الحج تجيء غالبا بشكل يصعب فيه التفريق بين ما هو ثقافي وما هو أدبي؛ فهو ملهمٌ للكتابات كافة، يمس الروح فتحترق بخورًا روحانيّاً.. أقول كم كنت أود أن أسهب أكثر وأكثر في هذا المبحث الثقافي النوعي جدا، لولا أننا في هذا البلد اعتدنا إيمانا واحتسابا أن نكون جميعنا كل في موقعه رجل أمن ومدافع أول عن حياضه.. رافعا عن اسمه الشريف تهمة التقصير ومباهيا بما هو عليه من رفعة وتقدم وأمن دائم يتجلى أكثر ما يتجلى في حج الآمنين كل عام. إبراهيم الوافي