منذ انطلاقة جماعة حوار في عام 2004 بنادي جدة الأدبي حرصت الجماعة في ملتقاها وبدعم من قبل الإدارة السابقة ممثلة في رئيس النادي السابق الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين على تقديم عمل ثقافي جاد، وواصل هذا الدعم لها رئيس النادي الحالي الدكتور عبدالمحسن القحطاني. ويعد ملتقى جماعة حوار ملتقى ثقافي مفتوح، شرطه الوحيد الإيمان بضرورة الحوار حول قضايا ترتبط بالشأن الثقافي والفكري حسب ما تقرره الجماعة. فهو ليس تكتلاً يتحدد بأسماء بعينها، يقوم بحضورها ويسقط بغيابها. فزاد الجماعة من المقبلين عليها متجدد بتجدد المواسم واللقاءات. فالجماعة ليست أفرادًا معينين، بل فكرة يغذيها الشعور بأهمية التواصل المعرفي والإنساني حول قضايا متنوعة في شؤون الفكر والثقافة. وهذا أمر يحقق ثراءً غير مسبوق، يبعدها عن النمطية في الأفكار، ويحررها من القولبة والتصنيف. ذلك أن اهتماماتها تنمو بأفكار من يتواصل معها، منطلقة دائمًا من مبدأ مركزية الحوار حول قضية محددة، أدبية أو فكرية على مدى موسم كامل، مستجلية كافة جوانبها وزواياها بدأب معرفي خلاّق. يمكن للكلمات السابقة أن تحدد الفلسفة العامة لجماعة حوار والتي أسهمت في تقديم عمل ثقافي جاد بلغت من خلاله مراحل عدة ومكونات هامة أثرت المشهد الثقافي المحلي والإقليمي. وعلى مدى المواسم التي قدمت من خلالها الجماعة حوارات متعددة، ونقاشات مطولة عكست مدى النجاح الذي وصلت إليه، وعمق الإصرار وراء استمرارها وطرقها لمواضيع ساخنة تهم كل من له صلة بالشأن الثقافي. تاريخ جماعة حوار وانطلقت الجماعة في عام 2004 بمحور «الخطاب السردي النسائي المحلي» في ذلك العام، وناقشت في عام 2005 محور «خطاب التنوير النقدي والإبداعي في المملكة»، وكان محور عام 2006 «المجتمع السعودي في الرواية العربية»، وفي عام 2008 «الآخر في الآداب والفنون»، وكان محور عام 2009 «حوار مع شخصية»، ومحور عام 2010 «المثقف والسلطة». وتفتح جماعة حوار خلال لقائها الوحيد في هذا العام النقاش على مصراعيه حينما تقدم جلسة وحيدة بعنوان «مراجعات في خطاب جماعة حوار» لثمانية مواسم ماضية، وتنظر من خلال هذا اللقاء في الايجابيات والسلبيات التي مرت بها الجامعة طوال تلك الفترة، وما يمكن أن يضاف إليها من تميز خلال الأعوام القادمة، كما يناقش اللقاء مستقبل الجماعة في ضل قيام الجمعيات العمومية وانتخابات مجالس إدارات الأندية الأدبية. بعيدًا عن الشللية ويؤكد رئيس جماعة حوار بالنادي الدكتور حسن النعمي في هذا الصدد أن العمل الثقافي غير مرهون بأشخاص يسيرونه ويوجهونه فيحضر بحضورهم ويغيب باختفائهم، وجماعة حوار عمل ثقافي مفتوح ومتاح للجميع العمل فيه، ولا يقتصر على فئة دون أخرى أو شخصيات على حساب شخصيات أخرى، فهو عمل ثقافي لا يؤمن بالطبقيات الثقافية ولا بالشللية، وهذه السمة البارزة للجماعة، وطالما وجدت على طاولة حوارها عدد من الأطياف والشخصيات التي كانت تتحاور وتتدارس وتختلف في الآراء في جو تملئه الثقافة، وتقومه الكلمة. ويعتقد النعمي أن لجماعة حوار تأثيرًا كبيرًا على الساحة الثقافية خاصة وأنها جاءت في مرحلة سكون للأندية الأدبية فقد حفت نشاط بعضها، ولم تكن فكرة الملتقيات الثقافية والأدبية موجودة في ذلك الوقت، وتراجع دور كثير من الأندية إلى مرحلة الكمون، فجاءت جماعة حوار وشغلت الساحة الثقافية في تلك البدايات لها، واستطاعت أن تقدم عملاً ثقافيًّا دءوبًا ومستمرًا من خلال عقد جلساتها المتعددة في كل عام، ومن خلال تفاعل الصحافة الثقافية الكبير معها ومع ما يطرح في جلساتها وأصبح صداها على مستوى الوطن ككل، وأثارت الصحافة العديد من القضايا التي طرحتها جماعة حوار عبر جلساتها، ومحاورها المتعددة في كل عام. وأضاف النعمي أن كل ذلك كان مرده إلى تعطش الساحة إلى العمل الثقافي خاصة بعد كمون الأندية الأدبية، ولما قامت الأندية أو أعيد تشكيل مجالسها الإدارية بعد ثلاث سنوات من عمر النادي أتيحت الفرصة لظهور العمل الثقافي وبعثه من جديد عبر هذه الأندية من خلال المتلقيات الأدبية والثقافية والفعاليات المتعددة والمتنوعة، وبالتالي تراجع الحيز الزمني لجماعة حوار فبدلاً من أن كانت تقدم 15 جلسة في العام الواحد أصبحت تقدم 8 جلسات وتقلصت إلى 4 جلسات في الأعوام الأخيرة، وذلك مرده إلى تغير النمط، وتحول الفعل والعمل الثقافي. ويبين النعمي أن أهم بصمة أو سمة تميزت بها جماعة حوار أو استطعنا أن نخرجها عبر هذه التجربة هي النشر لكل ما كتب وما قيل في جلساتها المتعددة، وهذه تعد سابقة في مجال العمل الثقافي وفي عمل الجماعات ككل، وهذا هو الأمر المهم لأي باحث أو متابع أو مهتم فقد يكون ذلك المحور أو غيره مرجعًا له في بحث علمي أو رسالة أكاديمية. ويشير النعمي إلى أن السر وراء استمرار الجماعة طوال تلك الفترة كان هو ابتعادها عن تكريس أسماء معينة وانفتاحها على المشهد الثقافي، فقد كانت عضوية الجماعة كما هو معلوم مفتوحة للجميع من الجنسين لكل من له اهتمام بالشأن الثقافي والفكري وهي تحاول أن تكون منبرًا لكل من لديه رغبة في الحوار والتواصل ولذلك من أهم ركائزها الابتعاد عن تكريس أي مبدأ من مبادئ الانغلاق والتركيز على أفراد معينين ودائمًا ترى أن ضيوف الجماعة هم من خارجها لمزيد من الإثراء والتواصل والحوار أضف إلى ذلك إيمان الكثير من الشباب والشابات المتواصلين معها بأهداف الجماعة وبحيوية ما تطرح كان داعمًا قويًّا لاستمرارها لذلك أعتقد أن هذا السبب من أسباب استنهاض الجماعة ولا ننسى أن رعاية نادي جدة لهذه الجماعة هو الذي مثل لها داعمًا قويًّا. توثيق ونشر الحصيلة أصدرت جماعة حوار كتابًا بعنوان «خطاب السرد في الرواية النسائية السعودية»، وهو الإصدار الأول لها والذي احتوى على محور واحد من المحاور التي ناقشتها الجماعة في عام 2003 - 2004، وهو عمل توثيقي على مدى موسم ثقافي كامل، ليكون إسهامًا معرفيًّا مؤثرًا، وضم هذا الإصدار قراءات ومداخلات ومناقشات المشاركين حول هذا المحور. ويقول الدكتور حسن النعمي في مقدمة هذا الكتاب إننا نعتقد أن هذا العمل غير مسبوق في ثقافتنا المحلية لسببين هما؛ أنه قام على محور محدد، قُدمت فيه قراءات لخمس عشرة رواية كتبتها المرأة في المملكة العربية السعودية منذ أوائل الستينيات وحتى عام 2003م، معبرة عن تضاريس مختلفة من حيث القدرة على الاستفادة من التشكيل السردي الجمالي. غير أن ما كان معلنًا وتباينت حوله الآراء، وهو سبب ثانٍ يؤكد الأسبقية دون أن يمنحه التفوق على غيره، هو قراءة خطاب الرواية النسائية في المملكة بحمولاته الفكرية والاجتماعية من خلال الرغبة في استنطاق إجابات بدت ملحة في الخطاب السردي الذي قدمته المرأة في رواياتها. فجاءت الأسئلة كثيفة، وغير مواربة، مثل: ما حاجة المرأة للكتابة الروائية؟ وهل هي حاجة إنسانية مطلقة، أم فنية، أم اجتماعية؟ وهل المرأة تكتب بوحًا أم سردًا؟، ويضيف النعمي أن محصلة الإجابات مهمة بعمومها، غير أن القراءات كشفت أن الوعي بالكتابة مطلب استثنائي عند الكاتبة السعودية في مسعى لتحقيق الذات حينًا أو لكسر عزلة الصمت في حياتها، أو للتعبير عن رفضها لثقافة الحجب والإقصاء. ويبين النعمي أن الروايات التي تمت قراءتها لم يكن رهان معظم الكاتبات فيها على إظهار جماليات السرد الروائي ، إمّا عجزًا، أو رغبة في الذهاب إلى نص يمكنهن من تقويله ما يمكن من الأقوال والحمولات الفكرية. ولن أكشف سر هذه الروايات أكثر ممّا قدمته هذه القراءات والمداخلات. فربما حظي كثير من هذه الأعمال، وخاصة ما نشر حديثًا منها، بالمتابعات النقدية أو القراءات الصحفية، لكن المتابعة دائمًا تقرأ الأعمال على نحو مفرد، خارج سياق صلتها بما قبلها وما بعدها. وهذا وإن كان مهمًّا لكنها قراءات غير سياقية هدفها الوقوف على خصائص العمل بذاته ولذاته. كما أن المداخلات بحمولاتها المختلفة، وتقاطعاتها مع الروايات أو القراءات الرئيسة تعد قيمة مضافة لكيفية تعدد القراءات وتباينها. كما ضم العدد التاسع عشر من مجلة الراوي التي يصدرها النادي بشكل دوري، ضم محورين ناقشتهما الجماعة، وهما محور (حضور المجتمع السعودي في الرواية العربية) الذي نُوقش في عام 2006، والمحور الآخر هو (الآخر في الرواية السعودية) الذي نُوقش أيضًا في عام 2007. وقال النعمي إن الجماعة طرحت العلاقة الملتبسة بين الأنا والآخر في الرواية من منظورات وزوايا مختلفة، قدمها قراء ونقاد خاضوا في الأعمال الروائية التي اهتمت بتمثلات الآخر في سياقاتها المختلفة. ويتابع أن مجلة الراوي وهي تخطو هذه الخطوة تثمن جهود جماعة حوار في هذا الصدد، وتسعى إلى تأكيد أهمية نقل نبض الملتقيات الأدبية والفكرية من إطارها الضيق إلى مدى أرحب وحضور دائم، تتجدد قيمتها بمطالعة القارئ المهتم بمثل هذه الموضوعات. وينتظر المتابعون للمشهد الثقافي والإبداعي أن تتم طباعة ما تبقى من محاور الجماعة في كتب مستقلة أو ضمن إحدى سلسلات النادي الدورية حتى يتاح للجميع من المهتمين والمتابعين الحصول عليها، وتدوين تاريخ ثقافي حافل بالعديد من الأطروحات العلمية والجادة والناقدة والصريحة في وقت من الأوقات. وترى الناقد سهام القحطاني في رأي سابق لها عن جماعة حوار بأن الجماعة تعد منجزًا ثقفويًّا وقد استطاعت إثبات عضويتها الفاعلة في (إثارة) غرائز المشهد الثقافي، لأنها تعمل أو.. هي تحاول ذلك بجد (الإضافة) قدر المستطاع. وتضيف بأن الجماعة قد تجاوزت في حواراتها (الشكل الطارئ) للظاهرة الثقافية.. أو (هكذا أعتقد) آخذة نحو التبلور في هيكلة المشروع الثقافي، ولعل من أسباب نجاح جماعة حوار جملة من المسوغات، منها جدية وحساسية المحاور التي طرحت، كما أن الجماعة تضم مثقفين من اتجاهات مختلفة، وهذا أوسع مساحة حرية الرأي في الجماعة وجعلنا نتنفس الهواء من الجهات الأربع. الجماعة ومثارات الجدل. طرقت جماعة حوار مواضيع ساخنة تهم كل من له صلة بالشأن الثقافي، وليس هذا فقط بل إن الإثارة قد حضرت بكاملها في واحد من مواسم الجماعة وجاء حصادها زرعًا بعد أن كاد يتحول إلى رمادا فقد وصلت الحدة في النقاش والرأي إلى أبواب المحاكم فعندما قدم عبده خال قراءة لرواية «عيون على السماء» للروائية قماشة العليان اتهمت الروائية قماشة خال بأنه اعتدى على حقوقها ككاتبة وتم تصعيد القضية حتى وصلت المحكمة لولا مداركة البعض لهذه القضية. ووصل الخلاف والسجال بين أعضاء الهيئة الاستشارية لملتقى نادي الباحة الأدبي السنوي، وأعضاء جماعة حوار في نادي جدة الأدبي إلى أشده حينما طرح نادي الباحة موضوع «الآخر في الرواية» عنوانًا لأحد ملتقياته السنوية، وهو ما أثار حفيظة بعض أعضاء الجماعة والتي قالت إنها أول من طرح هذا الموضوع على الساحة الثقافية عبر محورها الذي كان بعنوان «خطاب الأنا والآخر: قراءة قي سياق الآداب والفنون»، وكان مدار حديث وجدل عبر عدد من الصحف الثقافية والمواقع الإلكترونية، والأحاديث الشخصية. ومن الأسماء التي شاركت بعدد من القراءات المتنوعة في مواسم الجماعة هم: أحمد سماحة، وعبدالعزيز عاشور، وأحمد الشدوي، وكامل صالح، ولمياء باعشن، وهند رضا جمل الليل، وطاهر الزهراني، ونجلاء مطري، وأميرة الزهراني، ونورة القحطاني، وعائض القرني، ومبارك الخالدي، وفائزة الحربي، وعلي الشدوي، وحسن النعمي، ومحمد الحرز، وسحمي الهاجري، وعالي القرشي، وعبده خال، وحليمة مظفر، وفاطمة إلياس، وإيمان تونسي، وإيمان الصبحي، وخالد ربيع السيد، ونورة المري، وعفت خوقير، وأميرة كشغري، ومحمود تراوري، وسهام القحطاني، ومحمود عبيد الله، وغيرهم من الأسماء النقدية والثقافية الأخرى.