حين يلجأ الإنسان إلى (الرعاية الصحية المنزلية) فهذا يعني أن قدَميْه قد تخلت عنه، ويعني أن مشوار العمر قد أصبح شاقًا، و يعني أنه وصل إلى الأيام الحرجة التي فَقَد فيها بعضًا منه. مؤلمٌ جدًا أن تتقلص خطواته نحو أحلامه، وأن يضمُرَ غصنٌ أخضر في روحه، وأن يتنازل جسده عن مناعته، مؤلم أن يتضاءل سعيه في الحياة فتتحول حيويته إلى خلايا هرمة وندوب تحتاج إلى الإصلاح، حين تغتاله تلك الأوجاع المحتلة فإنه يحتاج إلى رعاية صحية حقيقية يُعامل فيها الاحتياج بالاستجابة ويُقابل فيها العمل بالإتقان، وهذا ما رأيته في الرعاية الصحية المنزلية المقدمة من مركز القوات المسلحة بالطائف إدارةً وأطباء وتمريضاً، ابتداءً من يُسر الإجراءات وسرعتها، ووصولًا إلى التعامل الإنساني مع المريض، وهذا دلالة على الاحترافية وجودة العمل، فالأطباء هناك محاطون بهالةٍ من الرحمة. أتأمل الناس في ممرات المستشفى الباردة يسعون لإغاثة الأجساد التي فقدت اتزانها بعد أن أصابها جفاف العمر، أرى من يجهل الوِجهة، يحمل معه البطاقة الطبية والتاريخ المرضي والأنين الذي يقضم الأجساد بعد أن تسربت إليها أوجاعٌ محتلة، شاهدت إنسانية الدكتور إياد عبدالسلام والدكتورة مشاعل الزهراني مع المرضى، كان حضورهما مغلفًا بالإنسانية قبل المهنية، وكانا معبأين بالضوء والأمل الذي بدأ بالتسرب إلى الأرواح العاجزة حتى عن الوقوف، فالتعامل الإنساني مع المريض يعينه على التعايش مع آلامه ويعينه على مقاومة ما سكبه الزمن من خيبات. ليس من السهل أن تتلاشى قدرة الإنسان على مقاومة الداء أو إدراك تلك الاختلافات التي سكبها العمر على جسده، لأن ما يخلفه العجز يكون حادًا. ولكن نحن في وطنٍ عظيم، اعتنى جيدًا بأبنائه واحتياجاتهم ودفع سطوة المرض عن أجسادهم، والرعاية الصحية المنزلية تصف إحدى المهمات الإنسانية المقدمة لعاجز لم يتمكن من مزاولة رحلته الذاتية في العلاج، وتخبرنا بأن الطبيب لم يمارس عمله كمهنة فقط بل مارس دوره كإنسان. الرعاية الصحية المنزلية بتفاصيلها العميقة هي دلالات حقيقية على إتقان العمل، وعلى الكفاءات المحلية، وعلى عطاء هذا الوطن العظيم وعناية قادتنا الكرام بنا.