في كلّ عام مع غيوم الخريف، والبِشْر بمواسم الخير والنماء تتجدّد ذكرى يومٍ عزيز وغالٍ على كلّ سعوديّ وسعوديّة؛ إنّهُ اليوم الوطني للمملكة العربيّة السعوديّة، ليستذكروا فيه تلك اللحظة التاريخيّة الحاسمة من التاريخ السعوديّ، وتاريخ العرب، وأيامهم المشهودة حيث تأسّس بنيان شامخ على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيّب الله ثراه- في لحظة تاريخيّة عالميّة معقدة، وحروب عالميّة طاحنة؛ ليولد هذا الصرح، ويتمّ هذا البناء والتوحيد، الذي من قبل أن يوحّد القبائل، والأقاليم، والمناطق، والقرى؛ وحّدَ النفوس، وزرع الطموح، وغرس الإرادة الخيّرة، والعزيمة الماضية بين جنباته الرحبة، وفي نفوس أبنائه البررة. من أبرز الأسس الحضاريّة، لبناء المملكة العربيّة السعوديّة، الأصالةُ؛ وذلك عبر استنادها إلى موروثٍ ضارب الجذور في الأرض والنفوس، ومن سمات هذه الأصالة الحيويّة، المتمثّلة في قابليّة هذه الأصالة للتطوّر والارتقاء، والتجدّد والبناء؛ بغية مواكبة اللحظة التاريخيّة، والمشاركة في البناء الحضاريّ والقيميّ للعالم، من دون مساس بجوهرها وقيمها الأصيلة. إنّ ما تعيشه المملكة، في هذه الأوقات، من نهضة حضاريّة أبهرت العالم، في كلّ الميادين والحقول، في ظلّ قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- له خير شاهد على تلك الأصالة والحيويّة في بناء المملكة الحضاريّ المتجدّد، ولطالما أكّد -حفظه الله- على إرادة العمل المستمرة والمتجذرة في الدولة والشعب، وأشاد بها، ففي أحد لقاءاته يقول في هذا السياق: هل نكتفي، ونركن إلى ما وصلنا إليه من إنجاز، ونقول عملنا كلّ شيء، ووصلنا إلى القمة؟ ليبين نظرته، ويقينه –حفظه الله-: «يعجبني والحمد لله في دولتنا، وشعبنا طموحه المستمر، بحيث لا يرضينا ما وصلنا إليه، بل نطمح إلى الأكثر، وهذه نعمة من الله -عزّ وجلّ-، فإذا اعتقد الإنسان أنّه عمل كلّ ما يريد عمله، هنا، يأتي الركود، وتأتي الانتكاسة، فنحن ولله الحمد في دولة تعمل، وشعب يعمل». بهذا تأتي رؤية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- تأكيدًا لهذا النهج، والجوهر المغروس في نفوس السعوديين؛ لتمسي المملكة اليوم على إنجاز، وتصبح على إنجاز، لا يرضى بالوقوف عند حدّ، أو أفق. في ذكرى اليوم الوطني، لا بدّ من الوقوف عند أساس مهم آخر من أسس البناء أيضًا، وهو الحبّ الباني الذي يغمر قلب السعوديين تجاه وطنهم وأهلهم؛ إذ شيّدت المملكة منذ عهد المؤسس على الحبّ والتسامح والرفق، فأثمر أمنًا وأمانًا، وولاءً وانتماءً أبديّين لهذه الأرض الطيبة المباركة، التي بادلت أهلها الحبّ والوفاء، بأنْ جادت عليهم بالخير والرفاه، يقول عمر بن الخطاب رضي الله: «عمّرَ اللهُ البلدانَ بحبّ الأوطان». وكان يقول أيضًا: «لولا حبّ الناس الأوطان لخسرت البلدان»، إنّه حُبّ الوطن والوفاء المتجذر في نفوس السعوديين لوطنٍ وقيادةٍ لم تألُ جهدًا في توفير كلّ سبل العيش الكريم، والعزّ المقيم لشعبها، لتحلّ هذه المناسبة العزيزة فرصة لتجديد الحبّ، والتغنّي بمآثر الوطن. أورد الجاحظ في رسالته في الحنين إلى الأوطان نصًّا يشير إلى أنّ: «حرمة بلدك عليك مثل حرمة أبويك؛ لأنّ غذاءك منهما، وغذاءَهما منه»؛ فكلّ عام ووطننا وقيادتنا بخير، وعزّ، ونصر وتمكين.