قد نعجز جميعنا عن وصف ذلك الألم الناتج من كسر الخواطر، فالروح حين تُصاب لا تُجبر، والوجع حين يُغرس قد يمتد لسنوات، فكسر الخواطر يفوق كسر الجسد لأنه يهدم النفوس ويعطب القلوب، ويترك إصابةً مستديمة، كسر الخواطر هو الأذى الذي لا تملك له علاج، ولا أدوات دفاع، ولا حتى وسائل تحصين، هو الكسر اللامرئي الذي يغتال الروح ويهشمها، ويترك ندوبه فيها، بعض الأشخاص حين يتعرض لهذا الألم يدَّعي اللامبالاة ويهاجم من كسروه، أما البعض الآخر يلتزم الصمت، ولكن في كلتا الحالتين ألمٌ يتسع ويكبر ويتشعب في الروح، أنا لا أعتقد أننا نمتلك الوقت والجهد لتحمُّل تلك المشاعر الدميمة والتي تهدد الجانب الآمن فينا، فكل شخص على وجه الأرض يحمل في داخله ثقلًا ما، فلماذا نساهم في زيادة تلك الأثقال، لماذا نضاعف تلك الهموم، لماذا نعتدي بتلك القوة البشعة على غيرنا، المكان والمكانة والجرأة لا تمنحنا الحق في التجاوز على الآخرين سواء بالفعل أو بالقول، ولكن للأسف كسر الخواطر أصبح نمط حياة في الكثير من أيامنا، فهناك من يقذف بكلماته وآرائه ويمضي دون التفكير بالحريق الذي خلَّفَه وراءه، هناك من لم يدرك بعد أن الانتقاد والتحطيم وبعض المزاح كسر خاطر، هناك من لم يعرف بعد أن الأمومة والأبوة لا تمنح الحق في كسر الخاطر، هناك من لا يفهم أن الإدارة والسلطة لا تجيز كسر الخاطر، هناك من لا يعي أن الصداقة والأخوة والزواج مسميات لا تبيح كسر الخاطر، في عالمنا الواسع لابد أن نستوعب بأن الكلمة والنظرة ونبرة الصوت ولغة الجسد كلها أدوات فعَّالة في نمو العلاقات، في إذابة الحواجز، في احترام المشاعر، ولكن إن تلوَّث التواصل بشيءٍ من الوجع حتمًا ستتفكك كل تلك العلاقات الإنسانية، لن يستطيع أحد التجاوز بسهولة لأن الظروف تستهلك طاقة الإنسان، والكفاح في الحياة عبث بقدرته على احتمال المزيد من الأثقال، اللطف قاعدة ثابتة للاستمرار وللصحة النفسية، ولنمو المجتمع بطريقة سوية، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى ذلك في كتابه الكريم حين خاطب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في آيته الكريمة: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) وأيضًا قال الرسول الكريم في حديثه الشريف: (إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق ما لا يُعطي عَلى العُنفِ، وَما لا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ) تلك وصايا الله، وتلك اتجاهات ديننا العظيم، وتلك الإنسانية التي تعلو وتسمو بجبر الخواطر لا بكسرها، فكم من عليلٍ تهشمت حياته من كلمة قاتمة، وكم من مبدع فقد ثقته بنفسه بسبب الناس، الروح البشرية تهوى اللين والرفق واللطف، انتقوا الكلمات والعبارات، أدركوا الخطوط الحمراء، لا تتجاوزوا أبواب الروح باستهتار، لا تكدروا القلوب، فالخواطر لا تجبر بعد كسرها ولو استنفذنا لها علاجات الأرض.